صفية بنت عبد المطلب، هي عمة الرسول، وصحابية وشاعرة، وأم حواري رسول الله الزبير بن العوام. وهي الأخت الشقيقة لأسد الله وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب. كانت رضي الله عنها، سيدة من سيدات قريش، ذات حسبٍ ونسب، وصاحبة شخصية قوية ومؤثرة.
نسب صفية بنت عبد المطلب
اسمها: صَفِيَّةَ بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ بْن هَاشِمِ بْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أبوها: عبد المطلب بن هاشم، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمها: هالة بنت وُهَيب وقيل: بنت أهيب وَيُقال بنت وهْب بن عَبْد مَنَاف بن زهْرة بن كِلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي.
إخوتها الأشقاء: حمزة، المُقَوّم، حَجْل.
إخوتها غير الأشقاء: أبو طالب بن عبد المطلب، عبد الله بن عبد المطلب (والد رسول الله)، الزبير بن عبد المطلب، العباس بن عبد المطلب، أبو لهب بن عبد المطلب، عاتكة بنت عبد المطلب، أميمة بنت عبد المطلب، أروى بنت عبد المطلب.
نشأتها
ولدت السيدة صفية بنت عبد المطلب في مكة المكرمة لسيد من سادات قريش، قبل الهجرة النبوية تقريبًا بثلاث وخمسين سنة. عندما شعر عبد المطلب بقرب أجله جمع بناته، وقال لهنَّ “ابْكِينَ عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ مَا تَقُلْنَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ”. فقالت صفية رضي الله عنها:
أَرِقْتُ لِصَوْتِ نَائِحَةٍ بِلَيْلٍ
عَلَى رَجُلٍ بِقَارِعَةِ الصَّعِيدِ
فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي
عَلَى خَدِّي كَمُنْحَدِرِ الْفَرِيدِ
عَلَى رَجُلٍ كَرِيمٍ غَيْرِ وَغْلٍ
لَهُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعَبِيدِ
عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي
أَبِيكِ الْخَيْرِ وَارِثِ كُلِّ جُودِ
كانت عمة النبي صفية بنت عبد المطلب شاعرة، ولها قصيدة في رثاء أخيها الزبير بن عبد المطلب. تقول فيها:
بكَي زبيرَ الخيرِ إذ ماتَ إنْ
كنتِ على ذي كرمٍ باكيهْ
لو لفَظتْهُ الأرضُ ما لُمتُها
أو أصبحتْ خاشعةً عاريهْ
قدْ كان في نفسيَ أن أترُك
الموتى ولا أُتبِعُهمْ قافيهْ
فلمْ أُطِقْ صَبْرًا على رُزئِهِ
زواجها
تزوجت السيدة صفية من الأخ الشقيق لأبي سفيان بن حرب، وكان اسمه الحارث بن حرب بن أمية. وأنجبت منه ولدًا يسمى صفي، أو الصفياء بن الحارث.
وبعد وفاة الحارث تزوجت من العوام بن خويلد بن أسد، أخو السيدة خديجة زوجة رسول الله. وأنجبت منه: الزبير، السائب، عبد الكعبة، أم حبيب. ثم قُتِل العوام في حرب الفجار، فكانت تقسوا على ابنها الزبير وتضربه، حتى يصبح قويًا وشجاعًا. وكان عمه نوفل بن خويلد لا يرضى عما تفعله، فعاتبها وقال لها: “ما هكذا يُضرب الولد؛ إنك لتضربينه ضَرْب مُبْغضةٍ” فردت عليه بقصيدة شعرية، قالت فيها:
مَنْ قَالَ إِنِّي أُبْغضه فقد كـذب
وَإِنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَـي يَلَبْ
وَيَهْزِمَ الجَيْشَ وَيَأْتِـي بَالسَّلَبْ
وَلا يَكُن لِمَالِهِ خَبْأٌ مُخَبْ
إسلامها وهجرتها
أسلمت السيدة صفية وبايعت النبي باتفاق العلماء، ولم يختلف أحد على إسلامها، كما اختلفوا في إسلام أختيها عاتكة وأروى. فعن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت، لما نزل قول الله ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ “يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ”. فقد خص النبي عمته صفية بالذكر، ودعاها إلى الإسلام.
هاجرت إلى المدينة المنورة مع ابنها الزبير، وقيل كان أخيها حمزة بن عبد المطلب برفقتها أيضًا. وقال الذهبي “كانت من المهاجرين الأوائل”. كما شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الغزوات والمشاهد كلها. فحضرت خيبر وأطعمها رسول الله 40 وسقًا.
حزنها على أخيها حمزة
في غزوة أحد كانت السيدة صفية رضي الله عنها، تنقل الماء وتسقي العطشى، وتصلح القسي وتبري السهام. وعندما استشهد سيدنا حمزة، وتم التمثيل بجثته، قال النبي لابنها الزبير “رُدَّها؛ لئلاّ ترى ما بأخيها حمزة”. فلما قال لها الزبير، قالت “بلغني أنّه مُثِّل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتَسِبَنّ ولأصبِرَنّ”. فلما علم رسولَ الله بردها، قال للزبير “خلِّ سبيلها”. فدخلت على سيدنا حمزة، وصلّت عليه. ثم أمر النبي بدفنه، وقال “لولا أن تحزن صفيّة، لَتركتُ حمزة حتّى يُحشَر من بطون السباع وحواصل الطير”.
حزنت السيدة صفية على أخيها الشقيق حزنًا شديد، ورثته بقصيدة حزينة، قالت فيها:
أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً
بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ
فَقَالَ الْخَبِيرُ إنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى
وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ وَزِيرِ
دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً
إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ
دور صفية بنت عبد المطلب في غزوة الخندق
خلال غزوة الخندق سنة 5 من الهجرة، ذهب كل الرجال المسلمون برفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خارج المدينة ورابطوا عند الخندق. واحتمى الصبيان والنساء والعجائز في فارع، وهو حصن الصحابي الجليل حسان بن ثابت. فرأت رجل من يهود بني قريظة يطوف حول الحصن، وكانوا قد نقضوا عهدهم مع رسول الله، وانضموا لجيش الأحزاب.
في هذه الحالة لو علم اليهود بمكانهم، لن يجدوا من ينقذهم، فالصحابة جميعًا خرجوا للأعداء. فلم ترى طريقة سوى قتل اليهودي، وطلبت من حساب بن ثابت أن ينزل إليه ويقتله. فقال لها “يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا”. وعندما لم تجد أي حيلة، نزلت من الحصن، فأخذت عمودًا وضربت اليهودي حتى قتلته. ثم عادت إلى الداخل وقالت “يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. فقال لها “ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب”.
فضائلها
كانت السيدة صفية رضي الله عنها من رواة الحديث عن رسول الله.
وكان يدخل عليها 13 رجلًا ممن حضروا بدر من محارمها:
النبي محمد، ابن أخيها.
حمزة بن المطلب، أخوها.
علي بن أبي طالب، ابن أخيها.
جعفر بن أبي طالب، ابن أخيها.
الزبير بن العوام، ابنها.
السائب بن العوام، ابنها.
عثمان بن عفان، ابن أختها.
أبو سبرة بن أبي رهم، ابن أختها برَّة.
أبو سلمة بن عبد الأسد، ابن أختها برة.
عبد الله بن جحش، ابن أختها أميمة.
طليب بن عمير، ابن أختها أميمة.
قدامة بن مظعون، زوج إحدى بنات ابنها الزبير.
ربيعة بن أكثم، زوج بنتها.
وفاة صفية بنت عبد المطلب
مات رسول الله في حياتها وحزنت عليه، ورثته أيضًا بقصيدة، قالت فيها:
لَهْفَ نَفْسِي وَبِتُّ كَالْمَسْلُوبِ
أَرْقُبُ اللَّيْلَ فِعْلَةَ الْمَحْرُوبِ
مِنْ هُمُومٍ وَحَسْرَةٍ أَرَّقَتْنِي
لَيْتَ أَنِّي سُقِيتُهَا بِشَعُوبِ
حِينَ قَالُوا إِنَّ الرَّسُولَ قَدْ أَمْسَى
وَافَقَتْهُ مَنِيَّةُ الْمَكْتُوبِ
وفرض لها خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب 6 آلاف درهم. وتوفيت في خلافته سنة 20 من الهجرة، وعمرها 73 سنة، ودفنت بالبقيع. وذكر البعض أنها توفيت في خلافة عثمان بن عفان.
المصادر:
سيرة صفية بنت عبد المطلب لجميل إبراهيم حبيب، ص21.
الطبقات الكبرى لابن سعد، ج8، ص34.
صحابيات حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ص85.
جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ص12-15.
نسب قريش للزبيري، ص17.
الإصابة لابن حجر، ج2، ص213.
تاريخ الطبري، ج2، ص246.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *