كان صلح الحديبية معاهدة بين المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين قريش. ووقع الصلح في شهر ذي القعدة سنة 6 من الهجرة، في منطقة الحديبية التي تقع شمال غرب مكة تقريبًا بـ 20 كيلو متر، وتعرف اليوم بمنطقة الشميسي. وعرفت الاتفاقية بصلح الحديبية نسبة للمكان الذي تم الاتفاق فيه.
سبب صلح الحديبية
رأي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يطوف بالبيت الحرام، وعندما استيقظ فرح فرحًا شديدًا. ثم أخبر الصحابة أنهم سيخرجون لأداء العمرة واستنفر الأعراب من أهل البوادي ليخرجوا معه. كان النبي يخشى أن تصده قريش عن الدخول لمكة، لذلك سعى إلى الذهاب مع أكبر عدد ممكن. لكن امتنع المنافقين والأعراب عن الذهاب خوفًا على حياتهم من قريش. لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم سوى أصحابه من المهاجرين والأنصار المخلصين.
وقد فضح الله أمرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
اختلف العلماء والمفسرين في تحديد هوية الأعراب الذين ذكرهم الله في الآية الكريمة. قال مجاهد أنهم أعراب جهينة ومزينة. أما الواقدي فقال: هم أعراب المدينة من غفار وأسلم وأشجع ومزينة وجهينة وبني الدئل من كنانة.
خروج النبي إلى مكة
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة متوجهًا إلى مكة ومعه 1400 من المهاجرين والأنصار. وأحرموا من ذي الحليفة، حتى يعلم أهل مكة أنهم جاءوا للعمرة ولم يأتوا للقتال، وحملوا معهم سلاح السفر فقط لحماية أنفسهم. لكن عند اقترابهم من مكة، جمعت قريش المقاتلين لصدهم عن زيارة بيت الله الحرام، رغم علمهم أنهم لم يأتوا للحرب.
غير النبي طريقه عندما علمه بنية قريش، ثم امتنعت راحلة النبي القصواء عن السير. وجاء في صحيح البخاري (وسار النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به راحلتُه. فقال الناس: حلْ حلْ، فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ القصواءُ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ. ثمّ قال: والذي نفسي بيدِه، لا يَسْأَلُونَنِي خطةً يُعَظِّمون فيها حرماتِ اللهِ إلّا أَعْطَيْتُهم إيَّاها. ثمّ زجَرَها فوثَبَتْ، قال: فعَدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبَرُّضاً، فلم يَلْبَثْه الناسُ حتى نَزَحُوه).
إرسال الرسل بين الطرفين
عندما وصل النبي إلى الحديبية، أرسلت له قريش بديل بن ورقاء الخزاعي، وأخبره إذا دخل مكة فستقاتله قريش. فأخبره النبي أنه لم يأت لقتال، ورغم ذلك ظلت قريش ترسل له الرسل والنبي صلى الله عليه وسلم يرد نفس الرد “لم نأت لقتال”.
لما تيقن النبي بأن قريش لن تسمح له بدخول مكة، أراد إرسال رسل إليهم، فأشار إلى عمر بن الخطاب أن يذهب إليهم. لكن سيدنا عمر أخبر النبي أن يرسل عثمان بن عفان، لأن لديه عشيرة ستحميه إذا تعرض له أحد بأذى.
قال النبي لعثمان أن يخبرهم أنهم لم يأتوا لحرب بل جاءوا عمارًا، وأن يدعهم إلى الإسلام. وأوصاه أن يلتقي بالمؤمنين والمؤمنات في مكة ويبشرهم بالفتح، وأن الله سبحانه وتعالى مظهر دينه في مكة.
فلما دخل سيدنا عثمان إلى مكة ورأته قريش، قالوا له: إلى أين؟ فقال: بعثني رسول الله أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم: أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا عماراً. قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ إلى حاجتك”.
دخل عثمان إلى مكة ووجد مجموعة من قريش وأخبرهم بسبب قدومه، فأخذه أبان بن سعيد إلى زعماء قريش. أوصل عثمان رسالة النبي، ثم عرضوا عليه أن يطوف بالكعبة، لكنه رضي الله عنه رفض، فقامت قريش باحتجازه فترة طويلة حتى شاع بين المسلمين أنه قُتِل.
بيعة الرضوان
لما ظن النبي أن قريش قتلت عثمان، قال لأصحابه “لا نبرح حتى نناجز القوم” وطلب منهم المبايعة فبايعوه على القتال. سميت هذه البيعة ببيعة الرضوان، لأن الله رضى عن الصحابة الذين بايعوا النبي. قال تعالى ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾.
وسميت أيضًا ببيعة الشجرة لأنها تمت تحت شجرة، عُرِفت فيما بعد بشجرة الرضوان. وكانت البيعة في شهر ذي القعدة سنة 6 من الهجرة.
أحداث صلح الحديبية
ظلت قريش ترسل الرسل إلى النبي، وكل رسول يعود إليهم يخبرهم أن النبي لم يأت لقتال وأن يسمحوا للمسلمين بالطواف حول الكعبة، لكن قريش أبت ذلك. فأرسلوا حفص بن الأخيف العامري، ولما رآه النبي قال عنه “هذا رجل غادر”.
ثم أرسلوا الحليس بن علقم الكناني سيد الأحباش، ولما عاد إليهم طلب منهم السماح للنبي بدخول مكة، لكنه تعرض للاستنكار. ومن بعده أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، والذي تعجب من حب واحترام صحابة رسول الله له، حب لم يراه في أتباع قيصر وكسرى.
وأخيرًا أرسلت قريش سهيل بن عمرو، ولما رآه النبي قال “قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل”. تكلم سهيل مع النبي وأصحابه حتى توصلوا إلى الصلح الذي عُرِف بصلح الحديبية.
شروط صلح الحديبية
عندما اتفق النبي مع سهيل بن عمرو على الصلح، نادى علي بن أبي طالب وقال له اكتب “بسم الله الرحمن الرحيم”، فاعترض سهيل وقال ” اكتب كما نكتب، باسمك اللهم، فأما الرحمن فلا نعرفه”. اعترض المسلمون وقالوا “لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم”، لكنهم اتفقوا في النهاية، وقال النبي “اكتب محمد بن عبد الله”. احتوت صحيفة الصلح على عدة بنود كالتالي:
من أراد أن ينضم لقريش فلينضم، ومن أراد أن ينضم للمسلمين من غير قريش فله ذلك.
عدم الدخول في القتال لمدة 10 سنوات.
لا يعتمر المسلمون هذا العام ويعودوا إلى المدينة، ثم يدخلون مكة في العام القادم.
عدم الاعتداء على بعض أو على أي قبيلة.
أن يرد النبي من يأتيه من قريش مسلمًا، وألا ترد قريش مسلمًا جاء إليهم.
نتائج صلح الحديبية
بعد موافقة الطرفين على شروط الصلح، دخلت قبيلة بني بكر في عهد قريش، وقبيلة خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
كان النبي يعلم أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير للمسلمين. رغم ذلك تعرض أصحابه لخيبة أمل ولم يرضوا عن شروط الصلح، وكان منهم عمر بن الخطاب.
قال النبي لأصحابه “قوموا فانحروا، ثم احلقوا” وما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاثا. فلما لم يقم منهم أحد، حزن النبي، فأشارت عليه أم المؤمنين أم سلمة أن ينحر بدنه ويحلق رأسه، وهم سيقتضون به. فقام ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنه ودعا حالقه؛ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما”.
عندما كان النبي والمسلمون في طريقهم إلى المدينة، أنزل الله سورة الفتح، فتحول غمهم وحزنهم إلى فرج وفرح. وتيقنوا بوجوب التسليم لأمر الله ورسوله، وأن فيه الخير.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن سعد: الطبقات.
موقع موضوع: ما هو صلح الحديبية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *