فاتح الأندلس العظيم طارق بن زياد من أهم القادة العسكريين، وقائد الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا حاليًا). استطاع بحنكته وقدراته القتالية إنهاء حكم القوط الغربيين وتأسيس دولة إسلامية في بلاد الأندلس عاشت 8 قرون. ينسب إليه أيضًا مضيق جبل طارق الذي يربط بين المغرب وإسبانيا، كما أطلق اسمه على عدد من المواقع في الدول الإسلامية خاصة المغرب تخليدًا لاسمه.
أصوله ونسبه
لم يذكر المؤرخون القدامى مثل ابن خلدون، وابن الأثير، والطبري، وابن عبد الحكم، أي شيء عن نسبه وأصله. لكن المؤرخون الذين دونوا عن هذه الفترة لاحقًا اختلفوا في أصله كالتالي:
الرأي الأول: أنه من أصول عربية من قبيلة حضرموت، أو كان عبدًا معتقًا، ويؤيد هذا الرأي ابن خلكان.
الرأي الثاني: أنه كان بربري أمازيغي من موالي موسى بن نصير والي إفريقية، لكن لم يتم تحديد القبيلة التي ينتمي إليها. وهناك من قال أنه من قبيلة نفزة التي كانت تعيش حول مدينة طنجة. وهذا الرأي الذي يميل إليه الغالبية من العلماء المعاصرين.
الرأي الثالث: أنه فارسي من همذان.
وبالنسبة لاسمه، فقد ذكر ابن عذارى في القرن الـ14 الميلادي، أسمين له:
طارق بن زياد بن عبد الله بن رفهو بن ورفجوم بن ينزغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزا.
أو
طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نبرغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو.
أما الإدريسي فأشار إليه باسم “طارق بن عبد الله بن ونامو الزناتي”.
نشأة طارق بن زياد
ولد طارق بن زياد سنة 50 من الهجرة، وتعلم القراءة والكتابة، وحفظ بعض سور القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة. كان شجاعًا يحب الجهاد، فالتحق بجيش موسى بن نصير، وشارك في الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب. أعجب موسى بن نصير بمهاراته القتالية وشجاعته، فولاه على مقدمة جيوشه، وافتتح معه بلاد المغرب حتى المحيط الأطلسي.
كان موسى بن نصير يعمل على نشر الإسلام بين قبائل البربر، ويحاول أن يقربهم للمسلمين والعرب. لذلك اعتمد على تعيين ولاة منهم، فسلم طارق بن زياد ولاية طنجة. ولعب طارق دورًا كبيرًا في خلق حالة من التقارب بين البربر والعرب، وساعد على نشر الإسلام.
أسباب فتح الأندلس
بعد أن نجح موسى بن نصير في فرض سيطرته على بلاد المغرب، أخذ يفكر في وجهة غزو جديدة. وخلال ذلك وصلته رسالة من طارق بن زياد والي طنجة، يخبره بغزو الأندلس، وأن يوليان حاكم سبته سيقدم المساعدة للمسلمين، وسيوفر لهم السفن التي يعبرون بها.
أرسل موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك في دمشق يستشيره في الأمر. فطلب منه الوليد أن يرسل السرايا قبل الجيوش ويستطلع الأمر، حتى لا يعرض الجنود لأهوال البحر. نفذ موسى النصيحة وأرسل حملة استطلاعية من 100 فارس و400 رجل بقيادة طريف بن مالك. خرجت الحملة على 4 مراكب، وحققت نصرًا مبشرًا ورجعت بالغنائم.
وجد طريف بن مالك أن حكام شبه الجزيرة الإيبيرية ليس لديهم نية للمقاومة. كما أن القوط كانوا في حروب داخلية وصراع على الحكم بين أتباع الملك الحالي لذريق، والملك السابق غيطشة. كان لذريق قد ثار على الملك غيطشة وانتزع منه العرش، ثم حكم الناس بالظلم والاستبداد والقهر. وكان سكان المنطقة تحت حكمه يعانون من كثرة الضرائب ومن الاضطهاد، لذلك لم يجد المسلمون أي مقاومة من الأهالي وغالبية الحكام.
كان طارق إنسانًا متواضعًا خلوقًا وفيًا، فأنقذ اليهود وسمح لهم بالعيش تحت مظلة الإسلام في عزٍ وكرامة. فقد كانوا يتعرضون للتنصير ومصادرة الممتلكات على يد القوط. كما أحسن إلى الأمراء القوط، فقيل أنه أعاد إليهم أملاكهم. والتزم بعهده الذي أعطاه لأهل البلاد التي فتحها.
عبور طارق بن زياد المضيق
في رجب سنة 92 من الهجرة، جهز موسى بن نصير جيشًا من 7 آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد ووصل بهم إلى سبته. ثم عبر الجيش المضيق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وعُرِف المضيق لاحقًا بمضيق جبل طارق.
خاض طارق عدة معارك، ونجح في فتح الجزيرة الخضراء. ثم استغاث أحد حكام المقاطعات الجنوبية بالإمبراطور لذريق، وقال له “أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة.. النجدة، والعودة على عجل”.
لما علم طارق بن زياد بقدوم جيش لذريق أرسل إلى موسى بن نصير يطلب المدد، فأمده بـ5 آلاف بقيادة طريف بن مالك. وبحسب المصادر العربية كان عدد المسلمين 12 ألف فقط، بينما كان جيش لذريق 100 ألف جندي، وقيل أقل أو أكثر من ذلك. لكن المصادر الغربية تقول أن الأعداد كانت قليلة، فبعض المصادر تقول أن عدد المسلمين كان ألفين جندي فقط، وأن عدد جيش القوط كان 33 ألف.
معركة وادي لكة
التقى الجيشان في 28 رمضان سنة 92 من الهجرة، في موقع يقال له البحيرة أو وادي بكة أو وادي لكة أو وادي برباط. استمرت المعركة بشكل عنيف لمدة 8 أيام، وانتهت بهزيمة الملك لذريق بسبب تعرضه للخيانة من أتباع الملك غيشطة.
قيل أن أتباع الملك السابق انضموا إلى جيش لذريق ثم تخلوا عنه خلال المعركة. وذكر المؤرخون الغربيون أن أبناء الملك غيطشة هم سبب الهزيمة بسبب تأمرهم على لذريق وانتقامهم منه. وبسبب خيانة القوط الغربيين لبعضهم البعض حقق المسلمون انتصارًا عظيمًا.
كما ذكر بعض المؤرخين الغربيين المعاصرين، أن اليهود ساهموا في انتصار المسلمين في معركة وادي لكة. حيث كانوا يتعرضون للاضطهاد ويعاملون معاملة سيئة، فوجدوا أن المسلمين فرصتهم الوحيدة للنجاة. واعتمد طارق بن زياد على مساعدة يوليان والمعلومات التي قدمها له اليهود.
خسر القوط عددًا كبيرًا من الجنود خلال المعركة وتعرضوا لهزيمة كبيرة. بينما خسر المسلمون 3 آلاف جندي. وبالنسبة للملك لذريق فقد اختفى اسمه تمامًا من التاريخ بعد هذه المعركة. وهناك من يقول أنه غرق في البحيرة عندما حاول الهروب خلال المعركة.
استكمال فتح الأندلس
بعد الانتصار العظيم الذي حققه طارق بن زياد في وادي لكة، واصل السير في اتجاه الشمال ولاحق فلول القوط الهاربين. ثم اتجه بنفسه إلى طليطلة عاصمة القوط، وقسم جيشه إلى عدة فرق وأرسل كل فرقة إلى اتجاه، ففتحوا الكثير من المدن مثل قرطبة وغرناطة ومالقة وإلبيرة.
كانت طليطلة على بعد 600 كيلومتر من وادي لكة، ونجح طارق في اقتحامها والسيطرة عليها. وبفتح هذه المدنية سقط القوط وبدأ عهد جديد تحت الحكم الإسلامي مليء بالعدل والرحمة. أحسن طارق معاملة سكان المنطقة وترك لهم حرية العقيدة وأبقى على كنائسهم، لذلك لم يجد أي مقاومة ورحب به الناس.
ظل طارق يزحف بالجيش في اتجاه الشمال حتى خليج بسكونيه. وهنا وجد أنه بحاجة إلى الدعم بعد استشهاد عدد كبير من جيشه، فأرسل لموسى بن نصير يطلب منه العون والمدد. جهز موسى جيشًا من 18 ألف جندي وعبر به إلى الأندلس في رمضان سنة 93 من الهجرة. لكنه سلك طريقًا مخالفًا لطارق بن زياد، وبدأ يفتح البلدان حتى التقى بجيش طارق في طليلطة.
بعد أن قضى القائدان الشتاء في طليطلة، عاودا الخروج للفتح مرة ثانية، ففتحوا برشلونة وسرقُسطة وطركونة وغيرهم من البلاد. ثم أخذ كلًا منها طريقًا حتى أتما فتح بلاد الأندلس.
عودة طارق بن زياد إلى دمشق
بينما كان موسى بن نصير يعمل على فتح جليقية، وصلته رسالة من الخليفة يأمره فيها بالتوقف والعودة، وكان ذلك عام 95هـ. واختلف المؤرخون في السبب خلف ذلك، قيل بسبب خوف الخليفة الوليد بن عبد الملك على الجيش من الهلاك.
وقيل أن السبب هو خلاف وقع بين طارق بن زياد وموسى بن نصير. حتى أن بعض المؤرخين قالوا أن موسى كان يحقد على طارق بسبب نجاحه في فتح بلاد الأندلس، فقال بن عبد الحكم أنه غضب عليه وسجنه. وقال البلاذري أن موسى عنف طارق ونهاه عن تجاوز قرطبة، لكنهما تصالحا فيما بعد. لكن هذه الأخبار غير مؤكدة، فقد كان طارق متواضعًا لم يتجاوز ابن نصير، وظل بمثابة الرجل الثاني بعده.
وذكر المؤرخون أن ولي العهد سليمان بن عبد الملك طلب من موسى بن نصير ألا يدخل دمشق وينتظر في فلسطين حتى وفاة أخيه الوليد الذي كان على فراش الموت. وكان سليمان يريد أن ينسب إليه الفضل في فتح بلاد الأندلس. لكن موسى دخل دمشق برفقة طارق وقدم تقريرًا إلى الوليد بن عبد الملك بأمور الفتح والغنائم.
وخلال أيام مات الوليد وتسلم سليمان عرش الدولة الأموية، وانتقم من موسى بن نصير فعزله هو وأولاده. وأما طارق بن زياد فانقطعت أخباره بعد دخوله الشام. وهناك من قال أنه لم يتولى عملًا بعد ذلك، وابتعد عن مسرح الأحداث حتى وفاته سنة 720 هـ. ورغم ذلك ظل اسم فاتح الأندلس العظيم حيًا إلى يومنا هذا تخليدًا له، وأطلق اسمه على العديد من المواقع والمؤسسات، واهمها جبل طارق.
اقرأ أيضًا: فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب
المصادر:
ابن عذارى: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب.
الزركلي: الأعلام.
ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب.
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق