كان طاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد وقع في بلاد الشام بعد فتح بيت المقدس. وخرج الطاعون من بلدة عمواس وانتشر في كل الشام كانتشار النار في الهشيم. ومات بسببه آلاف الناس، ولحق الأذى بالجنود المسلمين، حتى كادت أن تتعرض فتوحات الشام إلى الخطر والضياع. وفقد المسلمون أكثر من 25 ألف إنسان بسبب هذا الوباء، وهو عدد أكبر بكثير من شهداء كل المعارك والفتوحات.

 

متى كان طاعون عمواس؟

اختلف العلماء في السنة التي ظهر فيها الطاعون فقيل سنة 18 من الهجرة، وقيل سنة 17 من الهجرة، وقيل بينهما. بينما ذكر آخرون أنه أصاب الشام مرتين متتاليتين، مرة سنة 17، والثانية سنة 18 هـ. وفي المرة الثانية كان أشد وحصد الكثير من الأرواح.

 

سبب تسمية طاعون عمواس بهذا الاسم

سمي طاعون عمواس بهذا الاسم نسبة إلى قرية عمواس الواقة قرب بيت المقدس. وكانت هذه القرية قد فتحت على يد عمرو بن العاص في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، سنة 13 هـ. وكانت القرية مقدمة للجيش الإسلامي الذي كان يحاصر بيت المقدس، وظل الجيش فيها، حتى أسس عبد الملك بن مروان مدينة الرملة.

قال الزمخشري “هي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس”. بينما قال أبو عبيد الله البكري  “وقيل: إِنّمَا سُمِّيَ طاعُونَ عَمَواس لأَنّه عَمَّ وآسَى: أَي جَعَلَ بعضَ الناسِ أُسْوَةَ بعضٍ”.

 

سبب طاعون عمواس

قال المؤرخون أن طاعون عمواس امتداد لطاعون جستنيان الذي ظهر في منتصف القرن الخامس الميلادي، وتكرر في القرنيين التاليين. وقد ظهر هذا الطاعون في الإمبراطورية البيزنطية خاصة في القسطنطينية، كما ظهر في الإمبراطورية الساسانية في بلاد فارس، والمدن الساحلية على البحر المتوسط. وكانت السفن التي تتنقل بين البلاد تأوي فئرانًا تحمل بداخلها براغيث حاملة للطاعون، وهكذا كان ينتشر الوباء.

 

حديث طاعون عمواس

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، علامات الساعة الصغرى. فعن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال “اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا”.

وقال العلماء المسلمين في شرح الحديث، أن المقصود بـ”ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم”، طاعون عمواس ومجاعة عام الرمادة سنة 18 من الهجرة.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يقول “سَتُهَاجِرُونَ إِلَى الشَّامِ فَيُفْتَحُ لَكُمْ، وَيَكُونُ فِيكُمْ دَاءٌ كَالدُّمَّلِ أَوْ كَالْحَرَّةِ، يَأْخُذُ بِمَرَاقِّ الرَّجُلِ، يَسْتَشْهِدُ اللهُ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيُزَكِّي بِهِ أَعْمَالَهُمْ”.

 

وصول عمر بن الخطاب إلى الشام

كان عمر رضي الله عنه، في بلدة تُسمى سَرْغ. وبينما كان على وشك دخول الشام، لقيه أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه من أمراء الجند، فأخبروه أن الوباء انتشر بأرض الشام. فطلب عمر رؤية المهاجرين الأولين حتى يستشيرهم في الأمر، فانقسمت آرائهم فقال بعضهم “قد خرجتَ لأمر ولا نرجح أن ترجع عنه”. وقال البعض الآخر “معك بقية الناس وأصحاب رسول الله، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء”، فقال عمر “ارتفعوا عني”.

ثم قال “ادعوا لي الأنصار”، ولما استشارهم سلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال عمر “ارتفعوا عني”. ثم قال رضي الله عنه “ادعُ لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح”. فقالوا “نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء”.

بعد ذلك نادى عمر في الناس “إني مُصبّح على ظهْر فأصبحوا عليه”. قال أبو عبيدة بن الجراح “أفرارًا من قدرِ الله؟”، فقال عمر “لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟”. وهنا جاء عبد الرحمن بن عوف، فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِراراً منه”. فحمد عمرُ اللهَ، ثم انصرف.

 

شهداء المسلمين في طاعون عمواس

كان أبو عبيدة بن الجراح أول من أصيب بطاعون عمواس من أمراء الشام، فأصيب المسلمين بالذعر والخوف. لأنه كان رمز من رموز الصحابة الكبار وله مكانة كبيرة في نفوس الناس، لذلك حزنوا عليه حزنًا شديدًا.

قام أبو عبيدة بتوكيل معاذ بن جبل رضي الله عنه، ليصلي بالناس مكانه. وكان معاذ وقتها عمره 38 سنة فقط، وهو أعلم الناس بالحلال والحرام كما وصفه رسول الله. فحاول تهدئة الناس وإخبارهم أن الموتى بهذا الوباء شهداء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نبأ به. لدرجة أن معاذ دعا أن يصاب هو وأهل بيته بهذا الوباء، فأصيب ابنه عبد الرحمن، ثم أصيب هو ومات في نفس العام.

مات أبو عبيدة، ومات معاذ، ومات أيضًا يزيد بن أبي سفيان وهو في طريقه إلى قيسارية التي كان يحاصرها أخوه معاوية. ثم اختلف الصحابة في طريقة السيطرة على الوباء والتعامل معه. فرأى شرحبيل بن حسنة ضرورة الاجتماع وعدم التفرق وأن يلزم كل شخص مكانه. بينما رأى عمرو بن العاص ضرورة الانتشار في الأودية والجبال والشعاب.

لكن ما لبث أن استشهد شرحبيل أيضًا بهذا الوباء، وبهذا يكون قد استشهد كل قيادات الشام. فقام عمر بن الخطاب بتسليم الشام كاملة لمعاوية بن أبي سفيان، الذي أثبت جدارته.

لقد استشهد في طاعون عمواس عدد كبير من الصحابة، كان منهم ابن عم رسول الله الفضل بن العباس، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو، والحارث ابن هشام وكان أهله في الشام سبعين نفرًا فأصيبوا جميعًا ولم يبقى منهم سوى 4 أشخاص.

كما استشهد أبو مالك الأشعري، والكثير من أبناء خالد بن الوليد، وقيل أيضًا أن بلال بن رباح توفي أيضًا بسبب هذا الوباء.

 

انتهاء الطاعون

خطب عمر بن الخطاب بالناس وأمرهم أن يتباعدوا ويتفرقوا، وبعد شهور انحصر الوباء وانتهى رويدًا رويدًا. لكن لم يكن الأمر بالشام كما كان، حيث قل عدد الجند ولم يبقى سوى 4 أو 6 آلاف جندي فقط. كما اختلف الناس في توزيع الميراث، بسبب كثرة الموتى. فذكر الواقدي أن عدد الموتى وصل إلى 25 ألف، وقال البعض 30 ألف، بينما قال الزمخشري أنه مات 70 ألف في ثلاثة أيام فقط.

لم يجد عمر طريقة لمعالجة الوضع سوى الذهاب إلى الشام، فانطلق بقوة عسكرية كبيرة، ليعيد سيطرة الدولة. كما اهتم بتقسيم المواريث بين الناس، بسبب إشكال الأمر على الأمراء.

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الأزدي: فتوح الشام.

اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات