كانت طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم، مليئة بالأحداث منذ ولادته. فكانت هناك علامات على نبوته منذ اللحظة التي حملت فيها أمه به، وحتى خلال ولادته. وعندما أخذته حليمة السعدية، ظهرت أيضًا علامات وأحداث تدل على عظمة هذا الطفل وأنه سيكون له شأن عظيم. كما كانت طفولته حزينة أيضًا، فمات والده، ثم والدته، ثم جدة، وتنقلت كفالته حتى أصبحت مع عمه أبي طالب.
ولادة الرسول
ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في فجر يوم الاثنين 12 ربيع الأول، في عام الفيل، تقريبًا بعد غزو أبرهة الحبشي للكعبة بخمسين يومًا. وكانت ولادته في شعب أبي طالب. ولم تشعر أمه السيدة آمنة بنت وهب بألم الحمل والولادة، وعند ولادته رأت كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور الشام. وكان أبوه عبد الله قد مات بعد أشهر من ولادته، وقيل عندما كانت أمه حاملًا فيه بشهرين، فنشأ صلى الله عليه وسلم يتيمًا. ولم ينزل من بطن أمه مثل باقي الأطفال، بل نزل قابضًا اليدين، رافعًا سبابته كالمسبح، وناظرًا إلى السماء.
فرح جده عبد المطلب لولادته، وأخذه ودخل به الكعبة وسماه “محمد” ولم يكن هذا الاسم معروفًا وقتها. كما أن عمه أبا لهب فرح أيضًا لولادته، حتى قيل أنه أعتق الجارية التي بشرته بالخبر، وكان اسمها ثويبة.
قصة طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم
هناك قصص عن طفولة الرسول كثير، فقد مر صلى الله عليه وسلم بمراحل كثيرة خلال طفولته كالتالي:
رضاعته في البادية
كان من عادة العرب أن يرسلوا أبنائهم إلى البادية من أجل إرضاعهم. وكانت نساء البادية من قبائل هوازن وبني ليث يذهبنَّ إلى مكة، ليأخذنَّ الأطفال، ويفضلنَّ الطفل الذي لديه أب حي، كي يغدق عليهنَّ. وتعد السيدة حليمة السعدية أشهر مرضعات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت من بني سعد من قبيلة هوازن، من بادية الحديبية.
وكانت رضي الله عنها، شاهدة على طفولة الرسول، وعلى الكثير من القصص التي تشهد بنبوته. فقد كانت فقيرة هي وزوجها، حتى أن ابنها الرضيع كان يبكي طول الليل من شدة جوعه، لأنه لا يجد حليب في ثدييها. وعندما وصلت إلى مكة، لم ترض أي واحدة من المرضعات بالنبي لعلمهنَّ أنه يتيم. فذهبت كل مرضعة بطفل، إلا هي لم يتبقى لها شيء.
قررت أخذ النبي معها، لعله يكون بركة تحل على بيتها، ولأنها لم تجد غيره أيضًا. تربى النبي في بيتها في قلب الصحراء، فنشأ قويًا وشجاعًا، وفصيح اللسان.
بركة النبي على مرضعته
بمجرد أن حملت السيدة حليمة النبي بين يديها، وخرجت به من بيت أمه آمنة بنت وهب، بدأت بركته تحل عليها وعلى زوجها. فبعد أن وضعته في حجرها، امتلأ ثديها باللبن، فشرب حتى شبع، وشرب ابنها حتى شبع أيضًا. وكانت الجمال التي يركبون عليها ضعيفة وهزيلة من قلة الأكل، فكانوا في آخر الركب عندما قدموا إلى مكة. وخلال عودتهما بالنبي ازدادت راحلتهما قوة، حتى أنهما تقدما على من معهما، فتعجب الجميع.
وكان أيضًا لديهما ناقة لا تأتي بما يشبعهما من اللبن، فقامت فحلبتها فشربت وارتوت، وشرب زوجها وارتوى. تقول ” وبتنًا في خير ليلة”. كما كان لديهما أغنام لا تشبع بسبب الجدب وعدم توفر المرعى. فلما عادت بالنبي أصبحت هذه الأغنام، تعود إليها وبطونها ممتلئة، وتحلب منها اللبن حتى يشبعوا جميعًا. رغم أن أغنام الآخرين لا يحلبوا قطرة لبن واحدة. حتى أن الناس كانوا يقولون لمن يرعون الغنم “ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب”.
تقول السيدة حليمة أن الله ظل ينزل عليها الخير طوال فترة رضاعة الرسول، وكان يكبر بشكل أفضل من رفاقه، فيكبر في يوم، ما يكبره غيره في شهر. وعندما أتمت رضاعته سنتين، ذهبت به إلى أمه آمنه بنت وهب في مكة، رغم حبها له وعدم رغبتها في ذهابه عنها. فقالت للسيدة آمنة ” لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة”، وظلت تقنعها حتى أعادته معها.
وفي بني سعد، أرضعت النبي امرأة أخرى غير حليمة السعيدة، وكانت مرضعة عمه حمزة. وبعد ولادته كانت ثويبة مولاة أبي لهب أول مرضعة له، قبل أن يذهب إلى البادية.
حادثة شق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم
بعد عودة حليمة السعدية بالنبي من مكة، كان يلعب مع ابنها عبد الله خلف البيت. فجاء إليه سيدنا جبريل فشق صدره وأخرج قلبه وغسله بماء زمزم وأخرج منه قطعة سوداء وقال “هذا حظ الشيطان منك”. فذهب أخيه بالرضاعة إلى أمه حليمة مسرعًا، فقال لها ولوالده “أدركا أخي القرشي”، فأسرعا إلى النبي واحتضناه. تقول ثم سألناه ما بك، فقال “أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بَيَاضٌ فَأَضْجَعَانِي ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا”.
حملته وعادت به إلى البيت، وقال لها زوجها “ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فلنرده إلى أهله”. ثم أخذا النبي وذهبا به إلى أمه في مكة، فتعجبت من أمرها، فقد كانا يصران عليه. فقالت لها السيدة حليمة “لا وَاللَّهِ إِنَّا كَفَلْنَاهُ وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا فِيهِ. ثُمَّ تَخَوَّفْتُ الْأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَكُونُ فِي أَهْلِهِ”. لكن السيدة آمنة لم تقتنع، وظلت ورائهما حتى أخبراها بالأمر وبكل ما حدث. فقالت لهما “إن لابني هذا شأنًا، فلم أرى حمًلًا أخف منه، وقد رأيت نورًا يخرج مني حين وضعته”.
ومع أن المشهور، أن قصة شق صدر النبي وقعت في بيت حليمة السعدية، لكن هناك اختلاف بين العلماء. فهناك من قال أنه حدث قبل نزول الوحي على النبي، وقيل أيضًا أنها حدثت قبل الإسراء والمعراج. وهناك من قال أن شق الصدر حدث أكثر من مرة.
وفاة أمه وكفالته
بعد أن عاد النبي من البادية، ظل مع أمه آمنة بنت وهب، حتى ماتت وهو ابن 6 سنوات. وكان ذلك خلال عودتها من يثرب بعد زيارة أهلها. ثم كفله جده عبد المطلب، فحبه وقدمه على أبنائه، ولم يفارقه أبدًا حتى وفاته. فكان لعبد المطلب فراش في الكعبة يجلس عليه، لم يكن يجلس عليه أحد سوى النبي محمد.
ثم توفى عبد المطلب والنبي ابن 8 سنوات، فكفله عمه أبو طالب ورباه. وكان يحبه أيضًا ويفضله على أبنائه، فلا ينام إلا جواره. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، في طفولته وشبابه محبوبًا بين قومه، بسبب صدقه وأمانته، حتى أن قريشًا لقبته بـ” بالصادق الأمين”. لقد كان أهل مكة يتركون أماناتهم عنده، ولم يكن مثل شباب قريش الذين يلعبون ويلهون، ولم يسجد أيضًا لأصنامهم قط.
وظل أبو طالب يرعاه حتى زوجه لخديجة بنت خويلد، وذهب بنفسه لخطبتها. وبعد البعثة النبوية حمى النبي من قريش ووقف أمامهم. وعندما لم يقبل بتسليمه لهم، حاصروا بني هاشم في الشعب ثلاث سنوات. وبعد فك الحصار توفى أبو طالب، وبعده بأيام توفت خديجة رضي الله عنها، فسمي عام وفاتهما بعام الحزن.
المصادر:
سيرة ابن هشام.
ابن كثير: البداية والنهاية.
العسقلاني: فتح الباري.
البلاذري: أنساب الأشراف.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
موقع موضوع: طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *