عام الجماعة هو العام الذي تنازل فيه الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنًا لدماء المسلمين. وعرف بعام الجماعة لأن الناس اجتمعوا على معاوية رضي الله عنه، بعد أعوام من الشقاق والانقسام. وبذلك يكون قد أسدل الستار على عصر الخلافة الراشدة، وبدأ عصر جديد للدولة الإسلامية تحت حكم الأمويين. وبعد أن كان الخليفة يتم اختياره بالشورى، أصبح الأمر وراثي، وبهذه الطريقة بدأ الحكم الملكي. وكان معاوية أول ملك في الإسلام.
خلفية تاريخية
بعد استشهاد عثمان بن عفان تولى علي بن أبي طالب الخلافة، ورأى أن يؤخر القصاص من القتلة حتى تعود الأمور إلى نصابها ويهدأ الوضع في المدينة. لكن معاوية بن أبي سفيان والي الشام كان متمسكًا بثأر عثمان بن عفان، ولم يبايع علي حتى يقتص من القتلة. واشتبك معاوية وعلي في معركة صفين سنة 37 من الهجرة، وسقط 70 ألف شهيد خلال المعركة.
وعندما وصل الأمر إلى حالة مزرية، توصل عمرو بن العاص إلى فكرة رفع المصاحف على أسنة الرماح حتى يتوقف القتال حقنًا لدماء المسلمين. وكانت هذه الحركة تعني اللجوء إلى كتاب الله للتحكيم بين علي ومعاوية. وتم الاتفاق على التحكيم وتأجليه إلى شهر رمضان من نفس العام. على أن يكون الحكمان أبا موسى الأشعري في طرف علي، وعمرو بن العاص في طرف معاوية.
بعد ذلك ظهرت مجموعة في جيش علي ترفض التحكيم ورفعوا شعار “لا حكم إلا لله” وبدأوا يكفرون علي ومعاوية وعمرو بن العاص. ثم تجمعوا في النهروان وقاتلهم علي بسبب سفكهم لدماء المسلمين سنة 38 من الهجرة. ورغم قضائه عليهم، لكنه عفى عن مجموعة منهم لاستسلامهم، فظلوا يخرجون عليه بعد ذلك كل فترة وأخرى.
وبينما كان الاضطراب يزداد في الكوفة والانقسامات على أوجها في جيش علي بن أبي طالب، كان أهل الشام متوحدون تحت ولاية معاوية. ثم نجح معاوية في ضم مصر إلى الشام بعد أن هزم عمرو بن العاص والي علي عليها، وكان واليها محمد بن أبي بكر. وبذلك أصبحت إمارة الشام قوية عكس الخلافة في الكوفة.
مقتل علي بن أبي طالب
كان الخوارج مقهورين على من قُتِل منهم، فكانوا يقولون “ماذا نفعل بالبقاء بعدهم، إنهم والله كانوا لا يخافون في الله لومة لائم”. كما كانوا يكفرون علي ومعاوية وعمرو بن العاص، بسبب رفضهم التحكيم. لذلك أخذوا يخططون للقضاء على الثلاثة. وفي يوم اجتمع ثلاثة خوارج وهم: عبد الرحمن بن ملجم الكندي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي. فقال عبد الرحمن: أنا أقتل علي، وقال البرك: أنا أقتل معاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا أقتل عمرو بن العاص.
اتفق الثلاثة على تنفيذ هذا الوعد على أن يكون موعد الاغتيال يوم 17 من شهر رمضان الكريم، وكتموا الأمر عن الناس. بعد ذلك ظل عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة حيث يوجد علي. وتوجه البرك إلى دمشق لمعاوية، وتوجه عمرو بن بكر إلى عمرو بن العاص في مصر.
وفي يوم الجمعة 17 رمضان توجه علي رضي الله عنه إلى مسجد الكوفة لأداء صلاة الفجر. وبينما كان يدخل المسجد ضربه شبيب بن نجدة، فوقع على الأرض لكنه لم يمت. ثم أمسكه بن ملجم وضربه على رأسه بسيفه المسموم، فسالت الدماء على لحيته، تمامًا كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
حمل الناس علي إلى بيته، وقبضوا على عبد الرحمن بن ملجم، فقال رضي الله عنه “إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أدرى ماذا أفعل به”. ثم قال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إن مت نبايع الحسن؟، فقال: لا أمركم ولا أنهاكم.
وتوفي رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة متأثرًا بجراحه، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وبعد دفنه قتلوا عبد الرحمن بن ملجم بسيفه المسموم.
أما معاوية بن أبي سفيان فقد نجا من محاولة اغتياله، وأخذ الضربة في فخذه فشفي ولم يمت. وفي مصر لم يخرج عمرو بن العاص لصلاة الفجر في هذا اليوم لمرضه، وخرج مكانه نائبه، فقتله عمرو بن بكر ظنًا منه أنه عمرو.
انقسام الخلافة بين الحسن ومعاوية
لما قُتِل علي بن أبي طالب، بايع الناس ابنه الحسن بالخلافة، في نفس يوم وفاته 17 رمضان سنة 40 هـ. لم يرغب الحسن في البداية ورفض الخلافة لأنه يعلم أن ورائها دماء كثيرة، فقد شهد على ما حدث مع والده. لكن بعد إصرار قيس بن سعد الأنصاري وقوله: ابسط يدك أبايعك عَلَى كتاب اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ، وسنة نبيه وقتال المحلين. وافق الحسن وقال: “عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن ذَلِكَ يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت وبايعه الناس”.
في نفس الوقت كان معاوية بن أبي سفيان والي الشام ومعها مصر، ولما قُتِل علي لقبه الناس في الشام بأمير المؤمنين وبايعوه في نفس العام. لكن يجب ألا نغفل أن معاوية وأهل الشام لم يطالبوا بالخلافة في عهد علي وكانوا على استعداد بمبايعته بشرط القصاص من قتلة عثمان. وهذا يعني أن الحرب بين علي ومعاوية ومع حدث لاحقًا لم يكن الهدف منها الحرب على الإمارة كما تذكر كتب الشيعة وبعض المستشرقين. وهذا افتراء كبير على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قاتلوا عن اجتهاد ويقين كل طرف أنه على حق وأنه بهذا القتال يرضي الله سبحانه وتعالى.
وبهذه الطريقة يكون هناك خلافتين لأول مرة، خلافة في الشام وخلافة في العراق، وهذا لا يصح شرعًا، ولا يستقيم في الإسلام.
كان الحسن رضي الله عنه، غير راض عن القتال بين أبيه ومعاوية في صفين، وحاول منعه. ولما تولى الخلافة أراد حقن دماء المسلمين وتجنب القتال، لكن أهل العراق أصروا على قتال أهل الشام. واجتمع عليه آلاف الناس في الكوفة كعادتهم، ومن هنا خشى الحسن من وقوع فتنة جديدة، لذلك خرج لقتال أهل الشام وهو كاره لذلك. ولما علم معاوية بخروجه خرج له بجيشه.
تنازل الحسن عن الخلافة
كان الحسن أبعد ما يكون عن القتال، لذلك بدأ في إرسال الرسل إلى معاوية، فأرسل إليه عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة. وبعد مراسلات بين الطرفين قرر الحسن التنازل عن الخلافة حقنًا لدماء المسلمين، ولو أراد لسوى أهل الشام بالأرض بجيشه الكبير. ولذلك سمي عام الصلح بعام الجماعة وكان سنة 41 من الهجرة. وكان الحسن رضي الله عنه سببًا لتوحيد صفوف المسلمين وصلح أهل الشام والعراق من جديد.
كان الحسن يتطلع إلى إصلاح الأمة وتوحيد صفوف المسلمين وحقن دمائهم. وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: “إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وحقن دمائهم”.
ولما سئل الحسن رضي الله عنه، لماذا تنازل عن الخلافة لمعاوية قال “كَرِهْتُ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمًا لَا يَثِقُ بِهِمْ أَحَدٌ أَبَدًا إِلَّا غُلِبَ”. وبالطبع غضب أهل العراق من الحسن بسبب تنازله. وبعد عودته كانوا يقولون له “السلام عليك يا مذل المؤمنين”، بعدما كانوا يقولون له “السلام عليك يا امير المؤمنين”.
وكانت خلافة الحسن رضي الله عنه تقريبًا 6 شهور وهي المكملة لفترة الخلافة الراشدة لتكون بذلك 30 عامًا. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك”. وتنازله رضي الله عنه من دلائل نبوة النبي، حيث قال صلى الله عليه وسلم “ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين”. فتعامل الحسن مع هذا الأمر كوصية من جده قام بتنفيذها.
شروط الصلح في عام الجماعة
نص الصلح بين الحسن بن علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان علي التالي:
أن يحكم معاوية المسلمين بما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين.
لا يعهد بالحكم لورثته من بعده، ويعود الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
أن يأمن الناس في الشام والعراق والحجاز واليمن في عهده.
أن يكون أصحاب علي آمنون على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وزوجاتهم.
وبعدما تنازل سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية ترك العراق هو وبني هاشم ورجعوا إلى المدينة المنورة، وتولى زعامتهم. وكانت علاقته بمعاوية طيبة، فكان ينزل عنده ويزوره، ويستقبله معاوية أفضل استقبال، وكان يقول له “أهلًا ومرحبًا بابن رسول الله”.
المصادر:
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
البلاذري: أنساب الأشراف.
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن كثير: البداية والنهاية، ج8، الحسن بن علي.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
ابن حجر العسقلاني: فتح الباري.
عباس العقاد: معاوية بن أبي سفيان.
محمد عادل عبد العزيز: الإسلام والتطور السياسي.
موقع قصة الإسلام: مقتل الإمام علي وعام الجماعة.
موقع إسلام ويب: خامس الخلفاء الراشدين.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *