عام الحزن هو العام الذي توفيت فيه زوجة النبي السيدة خديجة، وعمه أبو طالب. وحزن رسول الله لوفاتهما حزنًا شديدًا، خاصة أنه كان بين وفاتهما أيامًا قليلة. وشعر رسول الله بعدهما بالوحدة والضعف، فقد كانا درعين يحميانه من أذى قريش وبطشها.

 

لماذا سمي عام الحزن بهذا الاسم؟

سمي عام الحزن بهذا الاسم، لشدة حزن النبي على وفاة عمه أبو طالب بن عبد المطلب، الذي كان بمثابة أب روحي، قدم له المحبة والعطف والحنان بعد وفاة جده. ورغم محبة أبي طالب ودعمه للنبي، لكنه مات كافرًا ولم ينطق الشهادة، وهذا ما زاد من حزن رسول الله.

بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام تقريبًا، وقيل بستة أشهر، توفيت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، زوجة رسول الله وحبيبته وأم أولاده. كانت رضي الله عنها، داعمة كبيرة للنبي نفسيًا ومعنويًا وماديًا. فهي أول من سانده وآمن به، لذلك كانت وفاتها بمثابة الصاعقة التي نزلت على قلب النبي.

 

متى كان عام الحزن؟

كان عام الحزن قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات، تقريبًا في السنة العاشرة من البعثة. حيث توفيت زوجة النبي وعمه بعد انتهاء حصار شعب أبي طالب، الذي ظل 3 سنوات. وبوفاتهما واجه النبي صعوبات كبيرة، وزاد بطش قريش به.

 

نبذة عن خديجة بنت خويلد

ولدت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد في مكة 556 هـ، تقريبًا قبل ميلاد النبي بـ 15 سنة. كانت من بيت حسب ونسب وجاه، واشتهرت برجاحة عقلها، وعرفت بسلوكها الطاهر في الجاهلية فلقبت بالطاهرة.

كانت رضي الله عنها صاحبة تجارة، ترسل الرجال نيابة عنها إلى الشام واليمن. فلما سمعت بأمانة وصدق النبي عرضت عليه العمل مقابل ضعف الأجر الذي تعطيه لأي شخص غيره. ولما رأت بنفسها أمانة محمد بن عبد الله، وزاد ربح تجارتها على يده، أعجبت به. تحدثت عن إعجابها بمحمد مع صديقتها نفيسة، التي ذهبت إليه وعرضت عليه الزواج من خديجة .

وتزوجها رسول الله وهي في عمر الأربعين، وهو في الخامسة والعشرين. ولم يتزوج عليها أبدًا في حياتها، وأنزل الله في هذا الزواج قوله تعالي ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، أي لقد كنت فقيرًا فأغناك الله بخديجة. عاشت رضي الله عنها، مع النبي 15 سنة قبل البعثة، وأنجبت أبنائها زينب ورقية وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم، أما عبد الله فأنجبته بعد البعثة.

كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، تهتم بشؤون بيتها، بينما كان النبي يذهب إلى غار حراء. فكانت ترسل له ما يحتاج إليه من طعام وشراب، وأحيانًا كانت تذهب له بالمؤن في الغار وتبقى معه. وعندما نزل الوحي على النبي انطلق إليها وهو يرتجف وقال لها: زملوني زملوني، فزملوه. وبعد أن هدأ أخبرها بكل ما حدث معه، قالت له “كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق”. ثم أخذته وذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، فأخبرهم أن هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى. فآمنت بالنبي وأصبحت سندًا له في وجه قريش.

وفاتها

عندما فرضت قريش الحصار على بني هاشم، تركت عائلتها وذهبت مع النبي، وعانت مما عانى منه. وتوفت رضي الله عنها بعد انتهاء الحصار بأيام، سنة 10 من البعثة، وعمرها 65 سنة.

حزن النبي عليها حزنًا شديدًا، وسمى عام وفاتها بعام الحزن. وظل صلى الله عليه وسلم، يبرها ويثني عليها طوال حياته، حتى أن السيدة عائشة كانت تغار منها وهي متوفية. وروي أن النبي كان إذا ذبح الشاة يقول ” أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة”.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، قالت فغِرْتُ يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها، حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها، قال: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.

 

نبذة عن أبو طالب

ولد أبو طالب في مكة المكرمة قبل ولادة النبي بخمسة وثلاثين عامًا. تزوج من ابنة عمه فاطمة بنت أسد، وأنجب منها: طالب، عقيل، علي، جعفر، أم هانئ، وجمانة. تكفل بتربية النبي ورعايته بعد وفاة جده عبد المطلب، وكان النبي عمره 8 سنوات. اختار عبد المطلب قبل وفاته ابنه أبي طالب لرعاية حفيده، لأنه يعلم رحمته وعطفه وحنانه، وقيل اقترع عبد المطلب، وكانت القرعة من نصيب أبي طالب.

كان أبو طالب يحب النبي حبًا لا يحبه لأحدٍ من أولاده، ويخصه بالطعام والشراب، ولا ينام إلا جنبه. وعندما كان النبي في عمر الثانية عشرة أخذه معه في تجارة إلى الشام ونزلوا في بصرى. وهناك رآه راهبًا نصرانيًا يقال له “بحيرًا، تأمل النبي ثم التفت إلى أبي طالب فقال له: “ما هذا الغلام منك؟”، فقال “ابني”، فقال بحيرا “ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام حيًا”، فقال: “هو ابن أخي”. قال: “فما فعل أبوه؟”، قال: “مات وأمه حبلى به”. قال بحيرا “صدقت فارجع به إلى بلده واحذر عليه يهود فو الله لئن رأوه هنا ليبلغنّه شرًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم”، فأسرع أبو طالب وعاد به إلى مكة.

وعندما تزوج النبي من السيدة خديجة، لعب أبو طالب دورًا بارزًا، فذهب وخطبها من عمها عمرو بن أسد، وقيل خطبها من ورقة بن نوفل. وعندما نزل الوحي على النبي أمن به علي بن أبي طالب لكن سرًا عن أبيه.

موته على الكفر

لم يدخل أبو طالب الإسلام ومات على كفره، لكنه كان درعًا حاميًا للنبي، ووقف في وجه قريش. وكان أيضًا محاصرًا مع بني هاشم في الشعب، وعانى من الجوع والمرض مثلهم جميعًا. وبعد فك الحصار ذهب إليه وفد من قريش على رأسه: عتبه بن ربيعه وأخيه، وأبو سفيان بن حرب، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة. أرادت قريش أن يكف أبو طالب ابن أخيه عنهم وعن ألهتهم، فذكر ذلك للنبي، فرد على عمه قائلًا: “يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ”. ثم بكى رسول الله، فقال له عمه “اذْهَبْ يَا بن أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْت، فو الله لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا”.

 

حصار بني هاشم قبل عام الحزن

حاصرت قريش بني هاشم في شعب أبي طالب سنة 7 من البعثة. واتفقوا على ألا يناكحوهم ولا يخالطوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا محمد لهم ويقتلوه، وكتبوا كتابًا وعلقوه في جوف الكعبة.

كان بني هاشم ينفقون من أموال أبي طالب بن عبد المطلب، وخديجة بنت خويلد، حتى نفدت. اضطروا إلى تناول أوراق الشجر، وكانت الأطفال تصرخ من الجوع، واستمروا على ذلك 3 سنوات. وبعد انتهاء الحصار مرض أبو طالب، وقيل أنه توفى بعد خروجه من الشعب بشهرين فقط. ثم توفيت السيدة خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل ستة شهور، فكان عام الحزن.

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

موقع موضوع: ما هو عام الحزن.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات