كان عام الرمادة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حيث أصاب الناس القحط والجوع، وتعرضت المدينة المنورة والبلاد المحيطة بها إلى مجاعة أهلكت الناس. لقد كادت هذه المجاعة أن تعصف بالمسلمين، لكنها رصدت أيضًا حكمة أمير المؤمنين في إدارة الأزمة.
لماذا سمي عام الرمادة بهذا الاسم؟
وسمي عام الرمادة بهذا الاسم، بسبب عدم نزول المطر، فاسودت الأرض وأصبح لونها يشبه الرماد. وقيل أيضًا أن وجوه الناس أصبحت شاحبة وخلت منها الحياة، فأصبحت شبه الرماد.
حال الناس خلال المجاعة
ذكر الطبري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قوله “كانت الرمادة جوعًا شديدًا أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر”.
وقد لجأ إلى المدينة المنورة سكان البلاد المحيطة، حتى قيل خيم حولها 60 ألفًا. وكانوا يعيشون على ما يقدم لهم من بيت المال. وقد قيل كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، يقدم وليمة كل ليلة، حتى حضرها ذات يوم 10 آلاف شخص. وكان الناس من شدة جوعهم يأكلون الجرذان والجرابيع، وانتشر الموت في كل مكان.
متى كان عام الرمادة؟
كان عام الرمادة بعد رجوع الناس من الحج عام 18 من الهجرة، وقد استمر الوضع 9 شهور. لم ينزل المطر، فأجدبت الأرض وصارت سواد، وهلكت الحيوانات، وجاع الناس فلم يجدوا ما يأكلونه. لقد كانت المجاعة قاسية، فجاع الكبار والصغار وتعرض المسلمون لمحنة عظيمة وابتلاء كبير.
مواقف عمر بن الخطاب في عام الرمادة
لقد أدار عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هذه الأزمة بكل وعي ومهارة كالتالي:
مشاركة الناس
شارك رضي الله عنه المعاناة مع الناس، فواساهم وحاول توفير ما يعينهم على سد جوعهم. كما قدم الناس على نفسه وأهل بيته، فلم يأكل إلا الشعير والزيت. قال أنس بن مالك رضي الله عنه، “تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بأصبعه. وقال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس”.
وكانت بطنه تصدر أصواتًا من شدة الجوع وأكل الشعير، فقال رضي الله عنه “والله ما هو إلا ما ترى حتى يوسع الله على المسلمين”.
كما قال أسلم رضي الله عنه “كنا نقول لو لم يرفع الله المَحْل عام الرمادة، لظننا أن عمر يموت همًّا لأمر المسلمين”.
لم يتوقف الأمر على ذلك فقط، بل أنشأ رضي الله عنه معسكرات للقادمين من البادية على أطراف المدينة، مثل خيم اللاجئين. ثم جعل فريق كبير يشرفون على خدمتهم وتوفير احتياجاتهم وتقديم الطعام لهم. وعندما أمطرت السماء وانتهت الأزمة، وظف من يعيدهم إلى بلادهم محملين بالمؤن والطعام.
توفير الطعام
حاول أمير المؤمنين جلب الطعام من الأرياف بقدر ما يستطيع ووزعه على أهل البوادي. وفي ذلك قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، “وكانت سنة شديدة ملمة، اجتهد عمر فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها، حتى بلحت الأرياف كلها مما جهدها ذلك”.
منع الاحتكار
كعادة التجار في الأزمات حاولوا استغلال الفرصة، لكن عمر رضي الله عنه، تصدى للتجار ومنع الاحتكار، فكان يقول “لا حكرة في سوقنا”. وفي نفس الوقت شجع التجار على جلب البضائع وبيعها بكل حرية في سوق المدينة المنورة، حتى يجد الناس ما يبتاعونه.
تأخير الزكاة
من ذكاء أمير المؤمنين ورحمته وإحساسه العالي برعيته، أنه لم يلزم أحد بدفع الزكاة خلال عام الرمادة. حيث أمر رضي الله عنه، جامعي الزكاة في الحجاز بعدم جمعها هذا العام. وعندما أنزل الله المطر، وأخرجت الأرض خيراتها من جديد، وتخلص الناس من المجاعة، أمر بجمع الزكاة مرتين، وجعلهم يقسمونها إلى نصفين، نصف منها تم حفظه لاستخدامه عند الحاجة.
اللجوء إلى الله وطلب الغوث
لجأ سيدنا عمر إلى الله وحث الناس على الدعاء والصلاة. فعن عبد الله بن عمر قال أيضًا في وصف عام الرمادة “كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمرًا ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي أطراف المدينة فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر، وهو يقول “اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي”.
وقد خطب عمر أيضًا بالناس فقال لهم “أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم، وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي، فما أدري السخط عليَّ دونكم، أو عليكم دوني، أو قد عمتني وعمتكم، فهلموا فندع الله يصلح قلوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرفع عنا المحل”.
وكان رضي الله عنه، يأمر الناس بالاستغفار والتوبة والاستسقاء، وكان دائمًا يدعوا الله ويقول “اللهم لا تهلكنا بالسنين، وارفع عنا البلاء”. كما كان أيضًا يستسقي بالناس، ففي يوم صلى ركعتين وظل يدعوا الله ويقول “اللهم إنَّا نستغفرك ونستسقيك”، ولم يقم من مكانه حتى نزل المطر، وجاءه الناس يقولون ” أتاك الغوث أبا حفص”.
طلب الإغاثة من الأمصار
قد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد كتب إلى عماله على الأمصار وطلب منهم الإمدادات. فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام، وعمرو بن العاص بمصر، وأبي موسى الأشعري بالبصرة، وسعد بن أبي وقاص بالكوفة.
أرسل عمرو بن العاص من مصر 1000 بعير محملة بالدقيق، و20 سفينة محملة بالدهن، كما أرسل 5 آلاف كساء. وأرسل معاوية من الشام 2000 بعير محملة بالطعام. وأرسل سعد بن أبي وقاس 3 آلاف بعير محملة بالدقيق، و3 آلاف عباءة.
وقف حد السرقة في عام الرمادة
حد السرقة في الإسلام معروف، وهو قطع اليد، وكانت الحدود في زمن الصحابة سارية وتنفذ. لكن لما كان عام الرمادة، وصل الحال بالناس إلى حد الموت من شدة الجوع، وقد استمرت المجاعة 9 أشهر، فعاش الناس بؤسًا لا يحتمل.
وفي هذا الوضع، قام بعض الناس بالسرقة من أجل سد جوعهم، وكان الحكم الطبيعي هو قطع اليد التي سرقت. لكن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أوقف تنفيذ حد السرقة في هذا العام. وكان ذلك بسبب عدم توفير شروط تنفيذ الحد، فلم يكن الهدف هنا السرقة بكل اختيار وطواعية، بل اضطر الناس لذلك خوفًا من الموت.
وقد ورد في قصة عام الرمادة، أن بعض الرقيق قد سرقوا ناقة وذبحوها وأكلوها، ولم ينفذ أمير المؤمنين عليهم حد السرقة. بل جعل سيدهم يدفع ثمن الناقة إلى صاحبها. ومن هنا تأسى الفقهاء بعمر وقالوا: أنه لا قطع في المجاعة.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات.
عبد السلام آل عيسى: النواحي المالية في خلافة عمر رضي الله عنه دراسة نقدية للرّوايات ص: 349-354.
ابن كثير: البداية والنهاية.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
موقع قصة الإسلام: عام الرمادة.
موقع إسلام ويب: عمر رضي الله عنه في مواجهة عام الرمادة.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *