كان عبد الرحمن الغافقي من القادة الغزاة الشجعان، تولى الأندلس مرتين وكان له تأثير كبير على مجرى الأحداث. قبل ولايته مرت الأندلس بفترة مضطربة بسبب تأجج نار العصبية القبلية بين العرب من ناحية، وبين العرب والبربر من ناحية أخرى. فالعرب كانوا يتنافسون فيما بينهم على المناصب، بالإضافة إلى اعتقادهم بأن لهم الأحقية والأفضلية على البربر الأمازيغ. وهذا التنافس لم يحدث من قبل، فلم يكن يفرق القادة السابقون منذ عهد الخلفاء الراشدين بين العرب والعجم في جميع البلاد التي فتحوها في المشرق والمغرب. وظلت الأندلس على هذا الوضع حتى جاء عبد الرحمن الغافقي الذي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح.

 

نسبه ونشأته

هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مخش بن زيد بن جبلة بن ظهير بن العائذ بن عائذ بن غافق بن الشاهد بن علقمة بن عك بن عدنان. فهو من قبيلة عك اليمنية، وكان يكنى أبا سعيدة. ولد الغافقي في اليمن، ووصل الأندلس زمن موسى بن نصير وابنه عبد العزيز.

كان حسن الخلق والسيرة، ورعًا صبورًا عادلًا. وقد تربى على أيدي الصحابة الكبار، وكان من أهم التابعين. وقال عنه الذهبي: “عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس وعاملها لـهشام بن عبد الملك”.

وقد روى الغافقي عن ابن عمر، وروى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز.

 

فترة ولايته الأولى

كان الغافقي قائد عسكري قوي، صاحب رؤية وبصيرة. فلم يكن يدخل معركة قبل التجهيز لها؛ تجهيز المسلمين معنويًا وتجهيز السلاح والعتاد. وقد شارك مع والي الأندلس السمح بن مالك الخولاني في معركة تولوز، التي تعرض فيها المسلمين للهزيمة أمام قوات دوق أقطانيا. وبعد استشهاد الخولاني في المعركة، تولى الغافقي إدارة الأمور وانسحب بالجيش. وخلال فترة ولايته المؤقتة، استطاع تثبيت وضع المسلمين في الأماكن التي سيطروا عليها في سبتمانيا. بالإضافة إلى نجاحه في إخماد نار التمرد في الولايات الشمالية.

وظل الغافقي مسيطرًا على الأمور حتى وصل والي الأندلس الجديد عنبسة بن سحيم الكلبي. ثم توالى الكثير من الولاة على الأندلس، حتى قيل أنهم كانوا 6 ولاة خلال 5 سنوات فقط. وخلال هذه الفترة زادت حدة التوتر بين العرب والبربر وبين القبائل العربية نفسها.

 

 عبد الرحمن الغافقي خلال ولايته الثانية

بدأ عبد الرحمن الغافقي ولايته الثانية بمصالحة قبائل المضرية واليمانية. كما أخمد تمرد البربر في الولايات الشمالية. وبعد ذلك تفرغ للفتوحات، فحشد جيش المسلمين، وبدأ يتجه إلى الشمال، ففتح المدن وحصد الغنائم. وظل الغافقي يتجه نحو الشمال حتى وصل فرنسا، فجهز شارل مارتل جيشًا كبيرًا لمواجهته.

وقد قال عنه بن عذارى: “ثم ولي الأندلس عبد الرحمن هذا ثانية، فأقام واليًا سنتين وسبعة أشهر وقيل وثمانية أشهر، واستشهد في أرض العدو في رمضان سنة 114 هـ”.

التقى الجيشان في معركة بلاط الشهداء، والتي كانت في شهر رمضان سنة 114 من الهجرة. وقد استمرت 9 أيام بدون أي نتيجة. وفي اليوم العاشر كاد ينتصر المسلمون بعدما هجموا على جيش شارل مارتل. لكن شارل أرسل فرقة من فرسانه لمهاجمة المسلمين من الخلف، وهنا ارتبكت صفوفهم. ورغم محاولة عبد الرحمن الغافقي الثبات، لكن خرجت الأمور عن السيطرة، وظل يقاتل حتى قُتِل.

وعندما دخل الليل اتفق قادة الجيش على الانسحاب بعد استشهاد قائدهم. وفي اليوم التالي انتظر الفرنجة تجدد القتال، ولم يعرفوا بأمر الانسحاب حتى ظنوا أنه كمين.

وحسب المصادر الغربية، كان المسلمون يحملون الكثير من الغنائم التي حصلوا عليها من فتوحات المدن قبل المعركة. وفي اليوم الأخير من القتال، قرر شارل مهاجمة الغنائم وكانت خلف معسكر المسلمين. فلما رأى الجنود المسلمين تعرض الغنائم للنهب، انسحبوا للخلف لحمايتها وتسببوا في الهزيمة.

 

 

 

المصادر:

الزركلي: الأعلام.

ابن عذارى: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب – الجزء الأول والثاني.

ابن حزم: جمهرة أنساب العرب.

محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الجزء الأول.

المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات