الصحابي الجليل عبد الله بن سعد بن أبي السرح، هو فاتح إفريقية وقائد معركة ذات الصوري التي انتصر فيها على الروم بفضل حنكته العسكرية. كما شارك في فتح مصر، فكان قائد الميمنة في جيش عمرو بن العاص. وهو أيضًا أخو سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، من الرضاعة.
نسب عبد الله بن سعد بن أبي السرح
اسمه: عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش، القرشي.
أمه: مَهانة بنت جابر من قبيلة الأشاعرة.
أخوته: وهب بن سعد، وهو أحد شهداء غزوة مؤتة.
أبناؤه: عياض بن عبد الله بن أبي السرح.
مولده: ولد في مكة سنة 23 قبل الهجرة.
قصة ارتداد عبد الله بن أبي السرح
أسلم عبد الله بن أبي السرح قبل صلح الحديبية وحسن إسلامه وهاجر إلى المدينة المنورة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثق به، حتى أنه جعله من كتاب الوحي. ثم أزله الشيطان فارتد عن الإسلام وعاد إلى الوثنية وهرب إلى مكة. يقول ابن عباس “كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم”.
في السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة، وقد أمر النبي بقتل بعض الأشخاص حتى لو وجدهم المسلمون معلقين بأستار الكعبة. وكان عبد الله أحد الذين أمر رسول الله بقتلهم، لكنه اختبأ في بيت أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان. ثم طلب من عثمان أن يطلب له العفو من الرسول، وأخبره أنه تاب إلى الله. أخذه سيدنا عثمان وذهبا معًا إلى النبي محمد وشفع له، فعفا عنه وبايعه على الإسلام.
عاد عبد الله بن أبي السرح إلى الإسلام وحسن إسلامه من جديد، وكان إذا رأى رسول الله هرب من شدة خجله. ولم يظهر منه بعد ذلك شيء ينكر عليه، ولم يرتد مع المرتدين بعد وفاة النبي. ولم يشارك رضي الله عنه في فتنة مقتل عثمان واعتزل الجميع، فقال عنه الإمام الذهبي “وهو أحد النجباء العقلاء الكُرماء من قريش”.
شبهات حول عبد الله بن أبي السرح
تناول المشككون بعض الروايات غير صحيحة السند، بأنه رضي الله عنه كان يحرف القرآن الكريم، ويكتب غير الذي يقرأه عليه النبي. فورد أن النبي قال له اكتب “السميع العليم”، فكتبها ” العليم الحكيم”. ولما فعل ذلك قال النبي “وهو كذلك أو كذلك الله “. ولم يفهم عبد الله أن النبي إنما قصد بكلامه الإقرار بأن السميع والعليم والحكيم من أسماء الله الحسنى وصفاته. بل فهم أنه يقر بتغييره للقران الكريم، فأفتتن وقال: ما يدري محمد ما يقول، إني لأكتب له ما شئت هذا الذي كتبت يوحى إليّ كما يوحى إلى محمد”. ثم ارتد وهرب إلى مكة وقال لهم أنه حرَّف القرآن الكريم.
وهذه الرواية باطلة بإجماع أهل العلم، لأنها رواية مرسلة ونقلها بعض الأشخاص مثل الكلبي الذي لا يعتد أحد من العلماء بكلامه.
جهاده وولايته مصر
كان عبد الله بن سعد بن أبي السرح قائدًا ومجاهدًا عظيمًا، فشارك في فتح مصر تحت قيادة عمرو بن العاص. كما فتح الكثير من البلدان بعد أن ولاه عثمان بن عفان ولاية مصر سنة 27 من الهجرة. ومن فتوحاته ما يلي:
فتح إفريقية
كان البيزنطيون يسيطرون على إفريقية ( تونس حاليًا). فأرسل إليها سعد السرايا وجمع المعلومات التي تمهد لفتحها، ثم استأذن عثمان بن عفان في ذلك. وافق عثمان ودعا إلى الجهاد وجهز جيشًا كبيرًا من المتطوعين على رأسه الحارث بن الحكم وأرسله إلى عبد الله بن سعد. وكان ممن خرجوا للغزو أيضًا الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس. وعندما وصل الجيش إلى الفسطاط انضم إلى جيش عبد الله بن سعد، ليصبح 20 ألف مقاتل. وعندما وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع ومن معه.
صار الجيش الإسلامي بقيادة عبد الله بن سعد حتى وصل إلى سبيطلة والتقى بجيش جرجير حاكم إفريقية وكان تعداده 120 ألف جندي. وعندما لم يقبل جرجير باعتناق الإسلام أو دفع الجزية، دخل الجيشان في حرب استمرت عدة أيام، حتى وصل عبد الله بن الزبير بالمدد. وبعد أن قتل المسلمون جرجير وهرب الجنود البيزنطيين، دخل عبد الله بن سعد مدينة سبيطلة ونشر فيها الجنود. ثم واصل السير حتى فتح حصن الأجم جنوب القيروان، لكنه اكتفى بذلك وعاد إلى مصر.
فتح النوبة
كان عمرو بن العاص أول من حاول فتح بلاد النوبة في عهد عمر بن الخطاب، لكنه واجه شعبًا صلبًا ماهرًا في الرمي بالنبال. وكان أهل النوبة يرمون بالنبل ويصيبون أعين المسلمون، فرجع بالجيش وفيه أكثر من 150 عين مفقؤة سنة 21 من الهجرة.
وعندما تولى عبد الله بن سعد مصر، قرر فتح النوبة فخرج إليها سنة 31 من الهجرة، لكنه واجه نفس المصير. لذلك طلب منهم الاتفاق وضمن لهم استقلالهم مقابل حماية حدود مصر الجنوبية، وفتح النوبة للتجارة والحصول على الرقيق لخدمة الدولة الإسلامية. ومع الوقت اختلط أهل النوبة بالمسلمين واعتنق معظمهم الإسلام.
فتح قبرص
فتح معاوية بن أبي سفيان قبرص سنة 28 من الهجرة، لكن سنة 32 من الهجرة، نقض أهل قبرص الصلح وساعدوا البيزنطيين وأمدوهم بجيش لمحاربة المسلمين. ولما علم معاوية بالأمر قرر غزو الجزيرة من جديد والاستيلاء عليها. حيث أرسل لعبد الله بن أبي السرح في مصر، وأمره أن يخرج بمراكبه على الجهة الأخرى من الجزيرة. فهاجم معاوية من جهة وهاجم عبد الله من جهة أخرى، فقتلوا عددًا كبيرًا، وسبو أعدادًا لا حصر لها، وحصلوا على غنائم عظيمة. وترك معاوية على الجزيرة 12 ألف جندي، ونقل مجموعة كبيرة من بعلبك وجعلهم يستقرون عليها. ثم بنى المساجد أيضًا.
معركة ذات الصواري
أرسل معاوية بن أبي سفيان المراكب من الشام تحت قيادة بسر بن أرطأة، وخرج عبد الله بن أبي السرح بمراكب مصر وتولى قيادة المعركة. وكان عدد سفن المسلمين 200 سفينة، بينما وصل عدد سفن البيزنطيين إلى 1000 سفينة. التقى الأسطولان في عرض البحر سنة 35 من الهجرة، وعلى الرغم أن المسلمين عرضوا على الروم القتال في البر، لكنهم تمسكوا بالبحر لتيقنهم أنهم سوف يهزمون المسلمين فيه.
بات المسلمون أول ليلة لهم في عرض البحر وهم يصلون ويتهجدون ويدعون. وعندما حلَّ الصباح استشار عبد الله بن أبي السرح الصحابة واتفق معهم على أن يجعلوا المعركة برية. ولجأ إلى حيلة ذكية، حيث أمر الجنود بالنزول في الماء وربط السفن بسفن الروم، بحيث اجتمعت 1200 سفينة مثل القطعة الواحدة، وصارت كأنها أرض يابسة. ثم قام بصف الجنود على السفينة، وذكرهم بفضل الجهاد وتلا عليهم آيات من سورة الأنفال فاشتدت عزيمتهم.
انقض الروم على صفوف المسلمين، وتساقطت الجثث من كلا الطرفين بعدد لا يحصى. وعلى الرغم أن البيزنطيين كانوا يعتقدون أن النصر حليفهم، لكن حدث العكس وكانت الحرب قاسية عليهم أيضًا. كما حاولوا سحب السفينة الخاصة بقائد المسلمين عبد الله بن أبي السرح، حتى يتخلصوا منه ويبقى الجيش الإسلامي بلا قائد. لكن علقمة بن يزيد الغطيفي ألقى بنفسه وضرب السلسة بسيفه، فأنقذ قائد المسلمين وسفينته.
صمد المسلمون وانتصروا بشكل أذهل البيزنطيين الذين باءت آمالهم بالفشل، فتعرضوا للهزيمة وهرب قائدهم قسطنطين من أرض المعركة إلى جزيرة صقلية.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
د. عبد العزيز عبد الله الحميدي: التاريخ الإسلامي مواقف وعبر.
تاريخ الطبري.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
البلاذري: فوح البلدان.
ابن كثير: البداية والنهاية، ج7.
تاريخ الطبري، ج4.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
موقع قصة الإسلام: الفتوح في عهد عثمان بن عفان.
موقع قصة الإسلام: معركة ذات الصواري.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق