الصحابي الجليل عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، كان من السابقين إلى الإسلام. حيث أسلم أبناء أبي بكر مثله مبكرًا، وكان لعبد الله دورًا مهمًا خلال الهجرة النبوية، فقدم المساعدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبيه. ولد في مكة المكرمة، ولم تذكر كتب السير والتراجم الكثير عن نشأته وحياته في الجاهلية.
نسب عبد الله بن أبي بكر الصديق
اسمه: عبد الله بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بنِ كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشيّة التيميّة.
أمه: قتيلة بنت عبد العزى.
إخوته: عبد الرحمن بن أبي بكر، محمد بن أبي بكر، عائشة بنت أبي بكر، أسماء بنت أبي بكر، أم كلثوم بنت أبي بكر.
زوجته: عاتكة بنت زيد بن عمرو، وهي أخت الصحابي الجليل سعيد بن زيد.
أبناؤه: لم تذكر كتب السيرة أي شيء عن أبناء عبد الله بن أبي بكر.
شعر عبد الله بن أبي بكر في عاتكة
تزوج الصحابي الجليل عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، من السيدة عاتكة بنت زيد، وكان يحبها للغاية. وكانت عاتكة أخت الصحابي سعيد بن زيد، وابنة عم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب. اشتهرت بفصاحتها وبلاغتها، وكانت من أفاضل نساء الصحابة وأكثرهنَّ تعبدًا. أمره أبو بكر بتطليقها، لأنه منشغل بها عن كل أموره، فطلقها. ثم شعر بالندم لفراقه لها، فقال:
أَعَاتِكُ لاَ أنسَاكِ مَا ذَرَّ شَــارِقُ
وَمَا لاَحَ نَجْمٌ في السَّمَاءِ مُحَلّقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْىٌ وَمَنْصِبٌ
وَخَلْقٌ سوىٌّ في الحَيَاةِ ومصدقُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلي طَلَّقَ اليَومَ مِثْلَهَا
وَلاَ مِثْلهَا في غَيْرِ شَيْءٍ تُطلَّـــقُ
عندما سمع أبو بكر كلامه عنها، حزن عليه ورقَّ قلبه، فأمره بمراجعتها، فراجعها وعاد إليها. ثم قال:
أعاتك قد طلقت فِي غير ريبة
وروجعت للأمر الَّذِي هُوَ كائن
كذلك أمر اللَّه غاد ورائح
عَلَى الناس فيه ألفة وتباين
وما زال قلبي للتفرق طائرًا
وقلبي لما قد قرب اللَّه ساكن
ليهنك أني لا أرى فيه سخطة
وأنك قد تمت عليك المحاسن
وأنك ممن زين اللَّه وجهه
وليس لوجه زانه اللَّه شائن
وظلت عاتكة زوجة عبد الله حتى مات وهي في بيته، واثناء احتضاره قال لها ” لك حائطي، ولا تتزوجي بعدي”، فوافقت على ذلك. ورثته قائلة:
رزئت بخير الناس بعد نبيهم
وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفك عيني حزينة
عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فله عينا من رأى مثله فتى
أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضه
إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
لكن بعد انقضاء عدتها خطبها عمر بن الخطاب، فعاتبها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبعد استشهاد عمر تزوجت الزبير بن العوام، ثم استشهد أيضًا. فقالت “لا أتزوج بعد ذلك إني لأحسبني لو تزوجت جميع أهل الأرض لقتلوا عن آخرهم”. وذُكِر أن عبد الله بن عمر قال “من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة بنت نفيل”.
دور عبد الله بن أبي بكر خلال الهجرة
كان لعبد الله رضي الله عنه دور مهم خلال هجرة أبيه ورسول الله إلى المدينة المنورة. فقد كان يراقب تحركات قريش وبحثهم عن النبي خلال وجوده في غار ثور. وكان يجلس في مجالس زعماء قريش بالنهار ويسمع كلامهم، ثم يذهب خلال الليل إلى الغار ويخبر النبي بما قالوا. مما ساعد رسول الله في وضع خطة جيدة وآمنة للهجرة. كما كان أيضًا يحضر الطعام معه، ويجلس معهما في الغار حتى الصباح؛ ليؤنس وحشتهما.
روايته للحديث
لم يكن عبد الله بن أبي بكر الصديق من رواة الحديث، فلم يرو غير حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله (إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ خَمْسِينَ سَنَةً صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةً أَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ: الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ، فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً مُحِيَتْ سَيِّئَاتُهُ وَكُتِبَتْ حَسَنَاتُهُ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً غَفَرَ اللهُ لَهُ ذَنْبَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكَانَ أَسِيرَ اللهِ فِي الْأَرْضِ، وَشَفَعَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ)، رواه الشوكاني، في الفتح الرباني.
جهاده
حضر عبد الله رضي الله عنه عدة غزوات مع رسول الله. فشهد فتح مكة سنة 8 من الهجرة. ثم شهد يوم حنين في نفس العام، بين المسلمين وقبائل ثقيف وهوازن. وأخيرًا حصار الطائف أيضًا في نفس العام.
وفاة عبد الله بن أبي بكر الصديق
أصيب رضي الله عنه بسهمٍ خلال حصار الطائف سنة 8 من الهجرة، ثم اندمل الجرح ومضى الوقت، وظل متأثرًا به. لكنه مات بعد وفاة رسول الله بأربعين يومًا، في شوال سنة 11 من الهجرة، بسبب هذا الجرح. دفنه أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر، وعمر بن الخطاب وطلحة.
وقد وردت عدة روايات حول وفاته، منها أنه اشترى كفن لرسول الله، لكنه لم يكفن به، فقال “لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي”. لكنه بعد ذلك رفض أن يكفن بها وأعطاها صدقة، لأنه رأى لو كان فيها خير لاختارها الله كفنًا لرسوله.
أخته الشقيقة
كانت ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق، هي الأخت الشقيقة لعبد الله، فأمهما قتيلة بنت عبد العزى. أما السيدة عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي أختهم من أبيهم، وأمها أم رومان بنت عامر.
وكانت أسماء رضي الله عنها من الصحابيات السابقين الأولين في الإسلام. ولدت قبل الهجرة بـ 27 سنة، وهي وزوجة الزبير بن العوام، وأم عبد الله بن الزبير. عُرِفت رضي الله عنها بقوة شخصيتها وتحملها وصبرها، وكان لها دور مهم خلال الهجرة النبوية.
نبذة عن أبيه أبي بكر الصديق
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أول من أسلم من الرجال، فقد كانت فطرته سليمة تأبى عبادة الأصنام، وكان على دراية بالديانات بسبب أسفاره. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟”.
كان أبو بكر رضي الله عنه من أشراف مكة ورؤساء قريش في الجاهلية، يتمتع بحب وتقدير أهل قريش، حتى إذا قال شيء صدقوه دون نقاش. كان يشبه رسول الله في معظم صفاته؛ يعطي المحتاج، ويصل الرحم، ويكرم الضيف، ويعين صاحب الحق.
تولى خلافة المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث وقع اختيار المهاجرين والأنصار عليه. وفي عهده كانت حروب الردة، ثم سير الجيوش لفتوحات الشام والعراق، وجمع القرآن الكريم.
ثم مرض أبو بكر مرضًا شديدًا في شهر جمادى الآخر سنة 13 هجريًا، وظل مريضًا 15 يومًا حتى مات يوم الاثنين 22 جمادى الآخر، عن عمر 63 سنة. دفن بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وحزن أهل المدينة على وفاته حزنًا شديدًا.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
بن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *