يُعد عبد الله بن علي  العباسي أو بن عبد الله بن العباس (ت. 147هـ/764م) أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في المرحلة التأسيسية للدولة العباسية، رغم إهمال التاريخ لسيرته نسبيًا. كان هذا القائد العسكري الفذ عم الخليفتين السفاح والمنصور، وأحد أركان الثورة العباسية. وذلك قبل أن يتحول إلى منافس خطير على السلطة في صراع دموي مع أبي جعفر المنصور.

 

نشأته وانضمامه للدعوة العباسية

نشأ عبد الله بن علي في كنف الأسرة العباسية التي كانت تعد العدة سرًا لإسقاط الدولة الأموية. يذكر الطبري في تاريخه أنه كان من أوائل المنضمين للدعوة العباسية في مرحلتها السرية. حيث شارك في تجنيد الأنصار في مناطق الشام والجزيرة الفراتية. وتميز عبد الله بعلاقاته الواسعة مع قبائل هذه المناطق، مما جعله أحد أهم قادة الثورة العباسية في المنطقة الشمالية.

 

دور عبد الله بن علي العباسي في إسقاط الدولة الأموية

برز عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس كأحد أهم القادة العسكريين الذين ساهموا بشكل حاسم في إسقاط الدولة الأموية. وقبل اندلاع الثورة العلنية، كان لعبد الله دور رئيسي في مرحلة التأسيس السري للدعوة العباسية. ووفقاً لما ذكره الطبري في تاريخه، كلفه إبراهيم الإمام، الزعيم السري للحركة العباسية، بمسؤولية تنظيم الدعوة في مناطق الشام والجزيرة الفراتية. تمتع عبد الله بن علي بميزة فريدة تمثلت في معرفته الوثيقة بقبائل هذه المناطق وقدرته على كسب ولائها. مما ساعد في تهيئة الأرضية المناسبة للثورة المسلحة.

عندما انتقلت الدعوة العباسية من السرية إلى العلنية عام 129هـ/747م، تولى عبد الله بن علي قيادة الجبهة الشمالية. يذكر ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” أن عبد الله بن علي قاد سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة ضد الحاميات الأموية في مناطق الجزيرة الفراتية وشمال العراق. وكانت استراتيجيته تعتمد على تحييد القبائل الموالية للأمويين أولاً، قبل التوجه لمواجهة الجيش الأموي النظامي.

وبلغت مساهمات عبد الله بن علي ذروتها في معركة الزاب الكبرى عام 132هـ/750م، التي تعتبر الضربة القاضية للدولة الأموية. قاد عبد الله الجيش العباسي الرئيسي في هذه المعركة الحاسمة ضد قوات الخليفة الأموي مروان الثاني. ونجح في تحقيق انتصار كبير، كان سببًا في انهيار بني أمية وصعود نجم بني العباس.

 

ملاحقته فلول الأمويين

بعد الانتصار الحاسم في معركة الزاب، كلفه الخليفة الجديد أبو العباس السفاح بمهمة ملاحقة فلول الأمويين والقضاء على أي محاولة لاستعادة سلطتهم. قام عبد الله بن علي بحملة عسكرية دامية في الشام ومصر، تمكن خلالها من القضاء على معظم الأمراء الأمويين الباقين. وتثير هذه الحملة جدلًا تاريخيًا واسعًا، حيث يرى بعض المؤرخين أنها تجاوزت الحدود العسكرية إلى الإبادة المنظمة. بينما يبررها آخرون كإجراء ضروري لضمان استقرار الدولة الجديدة.

كما اتبع عبد الله بن علي سياسة متشددة تجاه القبائل التي كانت تدعم الأمويين، خاصة في مناطق الشام. وفقًا للطبري، فقد قام بنقل ولاءات هذه القبائل قسرًا إلى العباسيين، مستخدمًا مزيجًا من القوة العسكرية والترغيب المادي. هذه السياسة أسفرت عن نتائج متباينة، حيث نجحت في كسر شوكة الموالين للأمويين، ولكنها خلفت أيضًا استياءً كامنًا في بعض المناطق.

 

الصراع بين عبد الله بن علي وأبي جعفر المنصور

شكل الصراع بين عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر المنصور أحد أهم الصراعات الداخلية في بداية العهد العباسي. كان هذا الصراع تجسيدًا للتنافس على السلطة بين أركان الثورة العباسية بعد نجاحها. حيث مثل عبد الله بن علي جناح القوة العسكرية الثورية، بينما مثل المنصور جناح الحكم الإداري المركزي.

يعود أصل الخلاف بين الرجلين إلى أيام الثورة العباسية نفسها. فبحسب ما يذكر الطبري في تاريخه، كان عبد الله بن علي يرى نفسه أحق بالخلافة كونه الأكبر سنًا والأكثر خبرة عسكرية بين أبناء الأسرة العباسية. كما أن انتصاراته العسكرية الحاسمة ضد الأمويين، خاصة في معركة الزاب الكبرى، عززت من اعتقاده بأحقيته في الحكم. في المقابل، كان أبو جعفر المنصور يتمتع بثقة أخيه الخليفة أبي العباس السفاح، الذي رأى فيه الأكثر كفاءة لإدارة الدولة الناشئة.

بلغ الصراع ذروته بعد تولي أبي جعفر المنصور الخلافة عام 136هـ (754م). ويذكر ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” أن عبد الله بن علي رفض مبايعة المنصور علنًا، معتبرًا أن البيعة له تمت تحت ضغط وتزوير. وازداد الموقف تعقيدًا عندما بدأ عبد الله بن علي يتلقى تأييدًا من بعض القبائل العربية في الشام والجزيرة، التي كانت غير راضية عن سياسات المنصور المركزية.

وفي عام 137هـ (755م)، أعلن عبد الله بن علي تمرده العلني على الخليفة المنصور. وجمع جيشًا كبيرًا من أنصاره في الشام والجزيرة، مستغلًا شعبيته الكبيرة بين قوات هذه المناطق.

اضطر المنصور إلى إرسال قوات كبيرة بقيادة أبي مسلم الخراساني لمواجهة التمرد. التقي الجيشان عند نصيبين في موقعة تاريخية حاسمة. وأبدى عبد الله بن علي مهارة عسكرية فائقة، لكن تفوق أبي مسلم التكتيكي وخبرته العسكرية الطويلة حسمت المعركة لصالح المنصور. وكانت هزيمة عبد الله بن علي في نصيبين بداية النهاية لتمرده.

ويمثل هذا الصراع مرحلة انتقالية مهمة في التاريخ العباسي، حيث:

تحول نظام الحكم من تقاسم السلطة بين قادة الثورة إلى حكم مركزي قوي.

ترسيخ مبدأ الوراثة في الخلافة بدلًا من الأقدمية أو الكفاءة العسكرية.

بداية سياسة القضاء على المنافسين المحتملين داخل الأسرة العباسية نفسها.

 

نهاية عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس

بعد هزيمته في نصيبين، حاول عبد الله بن علي الهرب والاختباء. ويروي ابن الأثير كيف تنقل بين عدة مدن في العراق قبل أن يلجأ إلى أخيه سليمان بن علي في البصرة. ظل مختفيًا هناك لمدة عشر سنوات، بينما واصل المنصور ملاحقة أنصاره والقضاء على أي بقايا لتمرده.

وفي عام 147هـ (764م)، اكتشف المنصور أخيرًا مكان اختباء عبد الله بن علي. ويذكر الطبري أن المنصور أظهر في البداية تسامحًا ظاهريًا، حيث استقبله في بغداد وأكرمه. لكن سرعان ما سجنه في قصر بالأنبار، حيث توفي بعد فترة قصيرة في ظروف غامضة. وتشير معظم المصادر التاريخية إلى أنه مات مسمومًا بأمر من المنصور. وقيل حفر أساس الحبس وأرسل عليه الماء فوقع على عبد الله في سنة 147 هـ.

 

 

اقرأ أيضًا: الخليفة مروان بن الحكم

 

المصادر:

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

تاريخ ابن خياط.

إسلام ويب: عبد الله بن علي.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات