كان الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة، الذين كان يرجع إليهم الناس في أمور دينهم بعد وفاة رسول الله. وكان رضي الله عنه عابدًا خاشعًا لله، فقد قال “لو أن رجلاً من أهل النار أخرج إلى الدنيا لمات أهل الدنيا من وحشة منظره، ونتن ريحه. ثم بكى بكاءً شديدًا”.
نسب عبد الله بن عمرو بن العاص
اسمه: عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
كنيته: أبو محمد، وقيل أبو نصير، وقيل أبو عبد الرحمن.
أبوه: عمرو بن العاص، داهية العرب.
أمه: ريطة بنت منبه السهمية.
إخوته: محمد بن عمرو بن العاص.
سيرة عبد الله بن عمرو بن العاص
كان الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو، من أسرة ثرية وذات شأن، فهو ابن عمرو بن العاص. أسلم قبل إسلام أبيه وهاجر إلى المدينة قبل سنة 7 من الهجرة. فكان سيد من سادات قريش، ثم سيد من سادات المسلمين. وكان أصغر من أبيه بـ 12 سنة فقط.
قال بعض المؤرخين، أن اسمه في الجاهلية كان عبد العاص، ثم غيره رسول الله لعبد الله. بعد هجرته إلى المدينة المنورة، ظل يلازم النبي، ويكتب عنه الأحاديث، في وثيقة عرفت بـ “الصحيفة الصادقة”. وكان يقرأ القرآن الكريم، وعلى علم بالتوراة، لذلك كان غزير العلم، مجتهدًا في العبادة.
جهاده
بعد وفاة رسول الله، شارك عبد الله بن عمرو، في فتوحات الشام، وكان يحارب تحت راية أبيه في معركة اليرموك. كما شارك في موقعة صفين، ضمن جيش معاوية بن أبي سفيان، لكنه انسحب ولم يقاتل، وذكرت بعد المصادر، أنه ندم لمشاركته. شارك أيضًا في فتوحات إفريقية، بعد عزل أبيه عن مصر في خلافة عثمان بن عفان.
يقول رضي الله عنه “شهدنا أَجْنَادين ونحن يومئذ عشرون ألفًا وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله ففاءت فئة إلى فِحْل في خلافة عمر، فسار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فِحل”.
روايته للحديث
كان عبد الله بن عمرو من رواة الحديث عن رسول الله، وأُسِند إليه 700 حديث. اتفق البخاري ومسلم على 7 أحاديث، وانفرد البخاري بـ 8 أحاديث، ومسلم بـ 20 حديث. وروى عن النبي وعن أبيه عمرو بن العاص، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بكر الصديق، وغيرهم.
وروى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع، وعطاء بن يسار، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
ومن الأحاديث التي رواها عن رسول الله، ما يلي:
“الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ”.
وقوله سمعت رسول الله يقول “من قال عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار”.
قال أيضًا، سمعت رجلًا يسأل النبي: أي الإسلام خير، فقال صلى الله عليه وسلم، “تُطْعِمُ الطّعَامَ، وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ”.
وصف عبد الله بن عمرو بن العاص
كان الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، طويلًا، سمينًا، عظيم البطن. كما كان عظيم الساقين، وأحمر الوجه. لكنه أصيب بالعمى في آخر حياته. وكان صاحب علم كثير، رفيع القيمة والقدر بين الصحابة.
وفاة عبد الله بن عمرو بن العاص
اختلف المؤرخون في العام الذي توفي فيه عبد الله بن عمر على أقوالٍ كثير. قيل أنه مات سنة 57 هـ، بالطائف، وقيل سنة 67 هـ، بمكة، وقيل سنة 69 هـ، بمصر، وقيل سنة 65 هـ، بالشام.
نبذة عن والده عمرو بن العاص
كان عمرو بن العاص قبل إسلامه معاديًا للنبي وأصحابه، ثم أسلم سنة 8 هـ، على يد النجاشي في الحبشة بعد صلح الحديبية. بعد ذلك ركب البحر واتجه إلى رسول الله في المدينة المنورة، وخلال رحلته تصادف مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وهما أيضًا في طريقهما إلى النبي. أعلن الثلاثة إسلامهم في شهر صفر سنة 8هـ، وفرح رسول الله فرحًا شديدًا وقال “إن مكة قد ألقت إلينا بأفلاذ كبدها”.
كان رسول الله يحب عمرو بن العاص ويقربه منه ويعطيه مهام كثيرة. وعندما وصل إلى النبي أن قبيلة قضاعة تجهز لغزو المدينة، أمره بالخروج إليهم في شهر جمادى الآخر سنة 8 هـ. ترأس سيدنا عمرو 300 من المهاجرين والأنصار، ومعه 30 فارسًا، ثم جاء إليه مدد بعد ذلك. تقاتلت سرية المسلمين مع قبيلة قضاعة وحلفائها في ذات السلاسل، وانتصروا عليهم.
وفي فتح مكة أمره النبي بهدم صنم سواع أشهر أصنام العرب، فكسره وعاد إلى النبي. وفي نفس السنة أرسله النبي إلى ملوك عمان ليدعوهم إلى الإسلام، فأسلم أهل عمان، ثم عينه النبي والي الصدقات والزكاة. وظل عمرو في عمان حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
دوره في عهد الخلفاء الراشدين
في عهد أبي بكر الصديق شارك في حروب الردة، فنزل على بلاد بني عامر وحاربهم، ثم ذهب إلى قضاعة وانتصر عليهم. ثم اتجه إلى الشام وشارك في الفتوحات وحضر أجنادين واليرموك وفتح بيت المقدس.
وفي عهد عمر بن الخطاب توجه بجيشه إلى مصر مخترقًا صحراء سيناء، فوصل العريش يوم عيد الأضحى سنة 18 هـ. نجح في فتح الأقاليم وحصن بابليون ثم اتجه إلى الإسكندرية، وحاصرها 4 أشهر حتى أنعم الله عليه بالفتح في 28 ذو القعدة سنة 20 هـ.
ثم عينه الخليفة عمر والي مصر، فقام بالعديد من الإصلاحات والأعمال، أهمها التخطيط لمدينة الفسطاط. وظل والي مصر حتى خلعه عثمان بن عفان سنة 23 هـ، لكنه عاد مرة أخرى والي مصر سنة 39 هـ، عندما عينه عليها معاوية بن أبي سفيان.
وفي عهد علي بن أبي طالب كان عمرو بن العاص من الصحابة الذين تمسكوا بأخذ الثأر من قتلة عثمان. ثم انضم إلى معاوية في الشام وبايعه ووقف معه في معركة صفين ضد علي. تقاتل الفريقان، وعندما مالت الكفة لصالح جيش علي رضي الله عنه، تدخل عمرو بن العاص بذكاء ودهاء. قيل أنه هو من أشار على معاوية بن أبي سفيان أن يجعل الجنود يرفعون المصاحف على أسنة الرماح. وهذه الحركة تعني اللجوء إلى تحكيم القرآن الكريم بين الطرفين. وافق علي بن أبي طالب على التحكيم وعاد إلى الكوفة، ثم وكل أبا موسى الأشعري، ووكل معاوية عمرو بن العاص. وكان مقر التحكيم في دومة الجندل بشهر رمضان سنة 37 هـ.
توفي عمرو بن العاص، سنة 43 من الهجرة. واختلف في عمره عند وفاته، قيل مات وهو عنده 90 سنة، وقيل 99 سنة، وقيل 70 سنة. مات بمصر ودفن فيها بالقرب من المقطم.
المصادر:
الكندي: الولاة والقضاة.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكرى الخطط والآثار.
موقع قصة الإسلام: عبد الله بن عمرو.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *