وُلد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن في قرطبة عام 229 هـ / 844 م، وهو الابن الأصغر للأمير محمد بن عبد الرحمن وحفيد عبد الرحمن الأوسط. نشأ في قصر الإمارة الأموية في قرطبة، حيث تلقى تعليمًا متقنًا في الفقه والأدب والعسكرية، مما أهله لتحمل المسؤوليات السياسية في وقت لاحق. تميزت فترة شبابه بالاضطرابات السياسية التي سبقت توليه الحكم.

 

توليه الإمارة

تولى عبد الله بن محمد حكم الأندلس بعد وفاة أخيه المنذر بن محمد في 275 هـ / 888 م، في فترة كانت الإمارة الأموية تعاني من ضعف داخلي وتفكك. وفقًا للمصادر التاريخية، كان عبد الله يبلغ من العمر 46 عامًا عند توليه الحكم، مما منحه خبرة سياسية وعسكرية سابقة. ومع ذلك، واجه تحديات جسيمة في بداية حكمه، حيث كانت سلطة قرطبة المركزية قد تضاءلت لصالح الزعماء المحليين.

 

التحديات الداخلية والخارجية

شهد عهد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن تصاعدًا خطيرًا في التمردات والانفصالية، ومن أبرزها:

ثورة عمر بن حفصون: التي استمرت طوال فترة حكمه تقريبًا، حيث سيطر ابن حفصون على مناطق واسعة من جنوب الأندلس وحظي بدعم سكان المنطقة من المولدين والمسيحيين.

تمرد بني حجاج في إشبيلية: حيث أعلن إبراهيم بن حجاج استقلال إشبيلية عن قرطبة، مما أفقد الإمارة الأموية واحدة من أهم مدن الأندلس.

توسع الممالك المسيحية: استغل ألفونسو الثالث ملك أستورياس ضعف الإمارة لتوسيع أراضيه على حساب المسلمين، كما شن غارات متكررة على المناطق الحدودية.

 

سياساته وإدارته

على الرغم من هذه التحديات، اتبع عبد الله بن محمد عدة سياسات لإدارة الأزمة:

السياسة العسكرية: شن حملات متكررة ضد المتمردين، خاصة ضد عمر بن حفصون، لكنها لم تحقق نجاحًا حاسمًا.

السياسة الدبلوماسية: تحالف مع بعض الزعماء المحليين مثل بني ذي النون في طليطلة لمواجهة خصومه.

والسياسة الدينية: حاول كسب التأييد الشعبي عبر إظهار التدين والعدل، رغم اتهامات بعض المؤرخين له بالقسوة في قمع المعارضين.

الإنجازات العمرانية: أكمل بعض التوسعات في مسجد قرطبة، وأصلح القنوات المائية في العاصمة.

 

اختيار حفيده لولاية العهد

كان عبد الله بن محمد قد عيَّن ابنه المطرف وليًا للعهد، لكنه اختلف معه لاحقًا وأمر بقتله عام 287 هـ، مما أثار صدمة في البلاط الأموي. وفي نهاية حياته، اختار حفيده عبد الرحمن الثالث خلفًا له، بعد أن رأى فيه الكفاءة لإنقاذ الإمارة من الانهيار.

تُوِّج عبد الرحمن الثالث خليفةً للأندلس عام 316 هـ، بعد أن ورث إمارة ضعيفة من جده عبد الله بن محمد. فاستطاع بحنكته العسكرية والسياسية إعادة توحيد الأندلس وقمع الثورات الداخلية، مثل ثورة عمر بن حفصون، وصد هجمات الممالك المسيحية. كما أعلن نفسه خليفةً، منافسًا للخلافتين العباسية والفاطمية، وحوَّل قرطبة إلى عاصمة عالمية للعلم والثقافة. وبلغت الدولة الأموية في عهده ذروة قوتها، حيث وسع نفوذه إلى شمال إفريقيا، وبنى مدينة الزهراء الفاخرة.

 

وفاة الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن

توفي عبد الله بن محمد في 15 رجب 300 هـ / 16 فبراير 912 م بعد حكم دام 25 عامًا، تاركًا إمارة ضعيفة ومجزأة. ومع ذلك، فإن اختياره لعبد الرحمن الثالث كخليفة أثبت حكمته السياسية. حيث استطاع الأخير لاحقًا إعادة توحيد الأندلس وتأسيس الخلافة الأموية في ذروة مجدها.

 

 

اقرأ أيضًا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه

 

 

المصادر:

ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب.

ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب.

المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات