عبد الملك بن مروان هو الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية، ويُعد المؤسس الثاني للدولة الأموية. تسلم عبد الملك الخلافة بعد وفاة أبيه مروان بن الحكم، وكان العالم الإسلامي مليء بالفتن والثورات. فوجد نفسه يقاتل في أكثر من جبهة، ضد عبد الله بن الزبير، وثورة التوابين، والمختار الثقفي، لكنه في النهاية استطاع السيطرة على الأمور وأنهى خصوم بني أمية. وكان حكيمًا فقيهًا وسياسي بارع، نظم الدولة الأموية ووضع قواعد إدارية جديدة ساعدت على انتعاش الدولة.
نسبه
اسمه: عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
كنيته: أبو الوليد، وأبو الملوك.
أبوه: مروان بن الحكم رابع خلفاء الدولة الأموية في دمشق.
أمه: عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية.
زوجاته: عاتكة بنت يزيد، ولادة بنت العباس العبسية، أم هشام بنت إسماعيل بن هشام، عائشة بنت موسى بن طلحة التيمية، أم أيوب بنت عمرو بن عثمان، وأم المغيرة بنت المغيرة.
أبناؤه: الوليد، سليمان، مروان الأكبر، يزيد، مروان، معاوية، الحكم، هشام، سعيد، محمد، مسلمة، عبد الله، المنذر، الحجاج، عنبسة، عائشة، أم كلثوم، وفاطمة.
نشأته
ولد عبد الملك بن مروان عام 26 من الهجرة في المدينة المنورة خلال خلافة عثمان بن عفان. وهو أول من أُطِلق عليه عبد الملك في الإسلام، وقيل أن مروان بن الحكم أولى من سمى عبد الملك وعبد العزيز.
وكان قبل خلافته عابدًا زاهدًا فقيهًا، فمدحه العلماء، وقال نافع “لقد رأيت المدينة ما فيها شاب أشد تشميرًا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان”. وكان من رواة الحديث فقد روى عن أبيه مروان بن الحكم، وعن جده معاوية بن أبي سفيان، وعن أم المؤمنين أم سلمة، وأيضًا عن جماعة من التابعين.
كما كان عبد الملك محبوبًا ومرغوبًا فيه بين بني أمية، فقد ورد أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسًا مع عمرو بن العاص، فلما مرَّ عليهما، قال معاوية “ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته”.
شهد عبد الملك على مقتل عثمان بن عفان وكان ابن 10 سنوات، ثم ولاه جده معاوية على هجر، ثم تولى ديوان المدينة بعد وفاة زيد بن ثابت. شارك أيضًا في الفتوحات، فقد شارك في غزو إفريقيا مع معاوية بن حديج، وكان أيضًا على رأس حملة خرجت إلى الروم عام 42 هـ.
كانت علاقة عبد الملك حسنة بآل الزبير، فقال عن عبد الله “ما على الأرض اليوم خيرًا منه”، كما كانت علاقته طيبة بأخيه مصعب. وكان ذلك خلال خلافة معاوية بن أبي سفيان، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم معاوية بن يزيد.
دوره في حياة أبيه
لكن بعد موت معاوية ين يزيد تصارعت الأحداث، فعبد الله بن الزبير طالب بالخلافة في الحجاز، وظهرت ثورة التوابين في العراق مطالبين بثأر الحسين. وحتى بني أمية في الشام انقسموا فيما بينهم بسبب الخلافة، لكن سرعان ما تداركوا الوضع واجتمعوا في الجابية واختاروا مروان بن الحكم.
وحتى القبائل العربية انقسموا فالقيسية انضموا إلى عبد الله بن الزبير وعلى رأسهم الضحاك بن قيس وكان أمير الشام وله سلطة واسعة في الدولة الأموية. أما اليمينية وعلى رأسهم حسان بن مالك الكلبي ففضلوا الولاء لبني أمية.
تسلم مروان بن الحكم الخلافة الأموية ونجح في السيطرة على الشام ومصر، وقبل سيطرته على العراق وأخذها من يد مصعب بن الزبير مات بعد سنة واحدة من استلامه العرش.
أما عبد الملك بن مروان، فقد وقف بجانب والده، وتولى فلسطين، وخلال ذهاب أبيه لاسترداد مصر تولى أمر دمشق. ثم مات مروان وكانت العراق والحجاز ما زالت تحت يد ابن الزبير. وقبل موته عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز. على الرغم من أن مؤتمر الجابية كان قد تم الاتفاق فيه على أن تكون الخلافة بعد مروان لـ خالد بن معاوية بن يزيد، ثم عمرو بن سعيد الأشدق. لكن مروان استطاع اقناع الكلبيين بأن خالد لن يستطيع الصمود أمام عبد الله بن الزبير.
خلافة عبد الملك بن مروان
في اليوم الذي توفي فيه مروان بن الحكم، تمت مبايعة عبد الملك، وكان ذلك عام 65 من الهجرة. لكن انقسم العلماء فيما بينهم، فهناك من ظل على بيعته لبني أمية مثل الحسن البصري. وهناك من خرجوا على عبد الملك مثل سعيد بن جبير. وهناك من بايع بن الزبير، وآخر فريق من العلماء اعتزلوا كل ذلك.
ووجد عبد الملك العالم الإسلامي مقسم بين أربع جماعات: الحجاز والعراق مع ابن الزبير، والشام ومصر مع الأمويين، وحركة العلويين في العراق بقيادة المختار الثقفي، وجماعة الخوارج.
التخلص من التوابين
كان عبيد الله بن زياد مكلفًا من مروان بن الحكم بقتل زفر بن الحارث الذي انضم إلى ابن الزبير في مرج راهط. وأيضًا حثه على السير إلى العراق ووعده بأن يكون أمير ما يفتتحه. استكمل عبد الملك ما بدأه أبوه وأرسل عبيد الله للتخلص من أعداء بني أمية. لكنه اصطدم أولًا بالتوابين وهم مجموعة من الشيعة كانوا قد كتبوا للحسين بن علي أن يأتي إلى الكوفة ثم تخلوا عنه وتركوه وحيدًا في كربلاء. وبعد استشهاده شعروا بالندم وأنه يجب التكفير عن ذنبهم بأخذ ثأر الحسين. وكان على رأسهم سليمان بن صرد الخزاعي وسموه أمير التوابين.
كان عدد التوابين 16 ألف مقاتل، ولما علموا بقدوم عبيد الله بن زياد بجيش الشام، تخاذلوا وانصرفوا كعادتهم ولم يبقى سوى 3 آلاف مع الخزاعي. التقى الجيشان في معركة غير متكافئة في أرض الجزيرة، فانهزم التوابين وهرب من تبقى إلى الكوفة وانضموا إلى المختار الثقفي زعيم الشيعة.
التخلص من المختار الثقفي
قويت حركة المختار وانضم إليه الأشتر النخعي، وخرجوا على أمير الكوفة التابع لابن الزبير، وكان يدعى عبد الله بن مطيع. طردوا عامل الكوفة، ثم تتبع المختار قتلة الحسين وقتل عددًا منهم. بعد ذلك أرسل جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد عند نهر الخازر قرب الموصل. وتعرض بن زيادة لهزيمة كبيرة سنة 67 هـ.
سيطر المختار على شمال العراق والجزيرة وعين العمال وأخذ الخراج، وانضم إليه بعض المعادين لبني أمية. وبدا الأمر كأنه أنشأ دولة خاصة به بين دولة ابن الزبير في الحجاز ودولة بني أمية في الشام.
ترك عبد الملك بن مروان المجال لعبد الله بن الزبير للقضاء على المختار. وانتظر أن يقضي أحدهما على الآخر، ليكون الأمر في صالحه بالنهاية. وبالفعل قاتله مصعب بن الزبير في حروراء وقتله وانتهى أمره بعد أن تخلى عنه أهل العراق.
استرداد العراق
وبعد 4 سنوات كان عبد الملك قد استتب له أمر الشام والجزيرة بعد أن تصالح مع زفر بن الحارث الكلابي الذي كان معتصمًا بقرقيسياء. ثم تخلص من منافسه على الخلافة عمرو بن سعيد الأشدق. وأصبح الوضع ملائمًا لاسترداد العراق من مصعب بن الزبير، ومالت الكفة الصالح الأمويين بسبب خيانة أهل العراق الذين كاتبوا عبد الملك وتخلوا عن مصعب فلم يبقى معه سوى 7 رجال بعد مقتل ابن الأشتر.
حاول عبد الملك تجنب القتال مع مصعب بسبب صداقتهم القديمة وأرسل إليه الرسل. لكن مصعبًا لم يتخلى عن أمانة أخيه وقال “إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبًا أو مغلوبًا”. وقُتِل مصعب بن الزبير في جمادى الآخر سنة 72هـ، ثم عادت العراق للدولة الأموية وعين عبد الملك أخاه بشرًا عليها.
التخلص من عبد الله بن الزبير
بعد مقتل مصعب لم يبقى لابن الزبير سوى الحجاز، وافتقر إلى المال والرجال لكنه لم يترك رايته حتى آخر نفس. لذلك جهز عبد الملك بن مروان جيشَا من 20 ألف مقاتل وجعل عليه الحجاج بن يوسف الثقفي وأرسله لابن الزبير في مكة.
حاصر الحجاج ابن الزبير ونصب المنجنيق على جبل قبيس ووجهه على الكعبة. وعندما دخل موسم الحج لم يستطع بن الزبير الحج بالناس فحج بهم ابن عمر. طلب الناس من الحجاج أن يوقف ضرب الكعبة بالمنجنيق حتى يستطيعوا الطواف فامتثل حتى انتهى الحج. ثم نادى الحجاج في الناس أن يعودوا إلى بلادهم لأنه سيعاود ضرب المنجنيق. وبالفعل ضرب الكعبة، فانصرف الناس عن ابن الزبير حتى ابناه حمزة وخبيب، اللذان أخذا الأمان من الحجاج.
تعرض أهل مكة لجوع شديد، واضطر ابن الزبير إلى ذبح حصانه حتى يطعم أصحابه، الذين خذلوه وتركوه وحده في ميدان القتال. وعندما وجد نفسه وحيدًا، ذهب إلى أمه أسماء بنت أبي بكر واشتكى لها فقالت له “أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان أمية. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن”. فقبل عبد الله رأسها، وعزم على مواصلة القتال.
بعد أيام قليلة اقتحم الحجاج بن يوسف الثقفي مكة، وقتل الكثير من أهلها ومن أصحاب ابن الزبير. وظل عبد الله يقاتل حتى قتل بعد حصار دام أكثر من 8 شهور. لم تكن وفاة عبد الله بن الزبير عادية، حيث قطع الحجاج رأسه وأرسلها لعبد الملك بن مروان، وصلب باقي جسده. وكانت وفاته في 17 جمادى الأول سنة 73 من الهجرة، وانتهت دولته بعد 9 سنوات.
إدارة عبد الملك بن مروان للدولة
أظهر عبد الملك الشجاعة والقدرة في القضاء على خصومه السياسيين، وأيضًا أظهر براعة في تنظيم أمور الدولة. واقتضى بجده معاوية في تسيير الأمور واختيار الرجال في الإدارة والسياسة مثل الحجاج بن يوسف الثقفي.
اعتمد عبد الملك على أهل بيته في إدارة الدولة خاصة إخوته عبد العزيز وبشر ومحمد. وكان يباشر أعمال الدولة بنفسه ويراقب الجميع مهما كانت مكانتهم، حتى الحجاج لم يسلم منه رغم قيمته الكبيرة في الدولة الأموية. فلما اشتكى أنس بن مالك خادم رسول الله إلى عبد الملك من الحجاج غضب غضبًا شديدًا وأرسل إلى الحجاج يتوعده.
وكان من أهم أعمال عبد الملك بن مروان أنه أصدر عملة إسلامية لأول مرة ووحد أوزانها، بعد أن كانت الدولة الإسلامية تعتمد على الدينار البيزنطي. كما أنه عرب دواوين الخراج التي كانت حكرًا على غير العرب، وكان لهذه الخطوة أثر كبير على الاقتصاد والحضارة الإسلامية. وأيضًا استكمل الفتوحات على الجبهة الشرقية والبيزنطية والإفريقية.
ومن أعماله أيضًا بناء قبة الصخرة، حيث تم الانتهاء منها في 72 من الهجرة. وفي عهده بنى الحجاج مدينة واسط العراقية بين الكوفة والبصرة. وبنى حسان بن النعمان الغساني مدينة تونس سنة 82 هـ، لتكون قاعدة عسكرية بحرية.
وفاة عبد الملك بن مروان
قبل وفاته عهد بالخلافة إلى أبناءه الوليد وسليمان، بعدما مات أخيه عبد العزيز قبله. وتوفي في النصف الأول من شهر شعبان سنة 86 من الهجرة. وصلى عليه الوليد ثم أخذ البيعة لنفسه.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة الأموية.
علي محمد الصلابي: الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المجلد الأول.\الصلابي: خلافة عبد الملك بن مروان.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: خلافة عبد الملك بن مروان.
محمود شاكر: التاريخ الإسلامي العهد الأموي.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
البلاذري: أنساب الأشراف.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق