الصحابي الجليل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، كان من أشد أعداء الإسلام وأكثرهم كراهية لرسول الله وللمسلمين. فقد نشأ في بيت أبيه أبي الحكم عمرو بن هشام، أكبر صناديد الكفر والشرك، وزعيم قريش في غزوة بدر. لكن بعد أن هداه الله إلى الإسلام، تبدلت أحواله، وأصبح من كبار الصحابة الذين جاهدوا في سبيل الله.
نسب عكرمة بن أبي جهل
اسمه: عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
لقبه: الراكب المهاجر.
أبوه: أبو الحكم عمرو بن هشام، المعروف بأبي جهل.
أمه: أم مجالد بنت يربوع من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
زوجته: أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية.
أولاده : عمر بن عكرمة ، قتل بمعركة اليرموك، وقيل بمعركة بأجنادين.
إخوته: أبو علقمة، أبو حاجب، علقمة، صخرة، الحنفاء، أسماء، جويرية.
نشأة عكرمة بن أبي جهل
ولد سيدنا عكرمة في مكة المكرمة، سنة 24 قبل الهجرة. ونشأ في بيت المغيرة، وهي عائلة ثرية ذات حسب ونسب. فكبر على العز والترف والغنى، وأهتم والده بتعليمه القراءة والكتابة. كما تعلم فنون الفروسية، وكان بارزًا على أقرانه في تصويب السهام ورمي الربح، كما أتقفن فنون الكر والفر، واشتهر بالشجاعة.
عداوته للإسلام
شارك الصحابي الجليل عكرمة بن أبي جهل في المعارك ضد المسلمين قبل إسلامه. وكان ضمن المقاتلين المشركين في غزوة بدر تحت قيادة والده أبي جهل. وخلال المعركة رأى سيدنا عبد الله بن مسعود يرتقي على صدر والده ليقتله. لكن اضطر للانسحاب من المعركة وعاد إلى مكة، تاركًا جثة أبيه خلف، فدفنها المسلمون في “القليب” وهو بئر ألقيت فيه جثث الكفار في بدر.
وفي غزوة أحد، عاد ليثأر لأبيه وجلب معه زوجته أم حكيم، لتقف في صفوف النساء وتحرض الرجال على القتال. وكان هو على ميسرة الجيش، بينما كان خالد بن الوليد على الميمنة.
ويوم الخندق كان على رأس جيش الأحزاب، وكان ضمن الفرسان الذين حاولوا اختراق الخندق وتجاوزه.
عكرمة بن أبي جهل والرسول
عندما جاء النبي والمسلمون لفتح مكة سنة 8 من الهجرة، اجتمعت قريش وقرروا إخلاء المكان أمامهم، لضعف قوتهم مقابل قوة المسلمين. لكن عكرمة بن أبي جهل ومعه مجموعة من شباب قريش، قرروا التصدي للجيش الإسلامي، فتعرضوا لهزيمة ساحقة.
وقرر الرسول أن يعفوا عن جميع أهل مكة، إلا أربعة منهم على رأسهم عكرمة. وأمر بقتلهم حتى لو وجدهم المسلمون معلقون بأستار الكعبة. فهرب عكرمة إلى اليمن، خوفًا من تعرضه للقتل.
قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل
يحكي عبد الله بن الزبير قصة إسلام عكرمة، ويقول: أسلمت أم حكيم زوجة عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح على جبل الصفا. ثم ذهبت إلى رسول الله وقالت له: يا رسول الله إن عكرمة قد هرب إلى اليمن وخشى أن تقتله، فأمنه. فقال صلى الله عليه وسلم “هو آمن”.
فرحت أم حكيم وخرجت تلحق بزوجها قبل سفره إلى اليمن. وأخذت معها غلام رومي، فراودها عن نفسها. فقامت بإلهائه حتى قدمت إلى جماعة واستغاثت بهم، فضربوه وقيدوه. ثم أكملت طريقها حتى أدركت زوجها على ساحل من سواحل تهامة، وكان قد ركب البحر.
وبعدما ركب السفينة تعرضوا لعاصفة، فقال لهم صاحبها “أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا”. فقال عكرمة “لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليَّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه آتي محمدًا فأضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوًا كريمًا.
في هذه اللحظات وصلت زوجته أم حكيم، وأخذت تلح عليه قائلة “يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك. فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك محمدا رسول الله. قال: أنت فعلت؟، قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك، فرجع معها”. ثم أخبرته بما فعله الغلام الرومي معها، فقتله، وكان ما زال على شركه ولم يدخل الإسلام بعد.
ضربت زوجة عكرمة بن أبي جهل أروع مثالًا للمسلمة العفيفة. حيث ورد في رواية عبد الله بن الزبير، أن عكرمة طلب أن يجامعها فامتنعت. وقالت له أنا مسلمة، وأنت كافر، فقال لها “إن امرًا منعك مني لأمر كبير.
عندما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عكرمة داخلًا عليه برفقة زوجته، فرح للغاية. وقال عكرمة “يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني”، فقال النبي “صدقت، فأنت آمن”. فقال عكرمة “فإلى ما تدعو يا محمد؟. قال النبي “أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل، وتفعل، حتى عَدَّ خصال الإسلام”. فقال عكرمة “والله ما دعوت إلا إلى الحق، وقد كنت فينا أصدقنا حديثًا، وأوفرنا برًا”.
ثم قال عكرمة للنبي “علمني شيئًا أقوله”، فقال صلى الله عليه وسلم “قل، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”. فنطق بالشهادة وأسلم، ثم وعد النبي بأن كل نفقة أنفقها في صدٍ عن سبيل الله، سينفق ضعفها في سبيل الله، وكل قتال كان ضد الإسلام، سيقاتل ضعفه في سبيل الله.
جهاده في سبيل الله
ظل الصحابي الجليل عكرمة بن أبي جهل، يجاهد في سبيل، حتى استشهد في النهاية. ففي عهد أبي بكر الصديق، أرسله على جيش إلى أهل عمان لمحاربة المرتدين. ثم أرسله مرة ثانية لقتال المرتدين في اليمن. وبعد انتهاء حروب الردة خرج إلى الشام للمشاركة في الفتوحات.
استشهاد عكرمة بن أبي جهل
شارك في معركة اليرموك مع خالد بن الوليد، وقاتل بكل ما يملك من قوة، قتال الظامئ على الماء البارد. ولما اشتدت المعركة على المسلمين، نزل عن حصانه، واخترق صفوف الروم. فلما رآه خالد بن الوليد قال له “لاتفعل يا بن العم فإن قتلك سيكون على المسلمين شديد”. فرد عليه “تنحى عنى يا خالد جاهدت بنفسى ضد رسول الله! أفأستبقيها الآن عن الله ورسوله!”.
ثم صاح بأعلى صوته ونادى في جيش المسلمين، من يبايع على الموت؟. فبايعه عمه الحارث بن هشام بن المغيرة، وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين. وظلوا يقاتلون أشد القتال، حتى أصيبوا جميعًا، واستشهدوا.
استشهد عكرمة بن أبي جهل في غزوة اليرموك، سنة 15 من الهجرة، في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقد ورد في قصة استشهاده، أن الحارث بن هشام طلب الماء، فلما نظر إليه عكرمة دفعه إليه، فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة، فقال عكرمة ” ادفعوه إلى عياش”. ثم ماتوا جميعًا دون أن يتذوقوه.
لقد نفذ عكرمة العهد الذي قطعه لرسول الله، فمات وفي جسده بضعة وسبعين إصابة، ما بين طعنة ورمية وضربة.
المصادر:
العسقلاني: فتح الباري.
أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص417.
ابن عساكر:. تاريخ دمشق.
محمد بن سعد البغدادي (1990)، الجزء المتمم لطبقات ابن سعد (الطبقة الرابعة من الصحابة ممن أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك)، تحقيق: عبد العزيز عبد الله السلومي، الطائف: مكتبة الصديق، ص. 323.
موقع إسلام ويب: وقفة مع إسلام عكرمة بن أبي جهل.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *