كان الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، من السابقين إلى الإسلام، الذين آمنوا برسول الله في بداية الدعوة. وقد تعرض في سبيل إيمانه إلى إيذاء قريش فكان من المستضعفين الذين تحملوا كل أنواع التعذيب، لكنه تمسك بدين الله. شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، المشاهد كلها، كما شارك في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان ممن انضموا إلى علي بن أبي طالب في حربه ضد معاوية بن أبي سفيان، واستشهد خلال معركة صفين.

 

نسبه

اسمه: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مذحج المذحجي العنسي.

أبوه: ياسر بن عمار، جاء إلى مكة مع أخويه مالك والحارث بحثًا عن أخٍ لهم. ثم عاد إخوته وظل هو في مكة، وحالف أبا حذيفة المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، فزوجه من جاريته سمية بنت خياط.

أمه: سمية بنت خياط، جارية أبي حذيفة المغيرة، وبذلك أصبح عمار من موالي بني مخزوم.

 

تعذيب قريش لعمار بن ياسر وأهله

أسلم مع صهيب بن سنان في دار الأرقم بن الأرقم في بداية الإسلام بعد بضعة وثلاثين رجلًا، فكان من السابقين الأولين. وأسلم معه أبوه وأخوه عبد الله وأمه سمية. وعانى آل ياسر من اضطهاد قريش وتعذيبهم عناءً شديدًا.

وعن عبد الله بن مسعود قال “أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فألبسهم المشركون أدراع الحديد، وصفدوهم في الشمس، وما فيهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحد”.

وكان أبو جهل يسب سمية ويطعنها بحربته في قلبها، وظل يعذبها حتى ماتت، فصارت أول شهيدة في الإسلام.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمر على عمار وأهله وهم يعذبون ولا يستطيع فعل شيء، فكان يقول لهم “صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”. كما كان يدعوا لهم بالصبر فيقول “يا نار كوني بردًا وسلامًا على عمار كما كنت على إبراهيم. تقتلك الفئة الباغية”.

وظل بني مخزوم يعذبون عمار ولا يتركونه حتى ينال من النبي، ويتكلم عن ألهتهم بخير. فلما فعل ذلك تركوه، فذهب إلى النبي وسأله: “ما وراءك؟”، قال عمار: “شر يا رسول الله. والله ما تُرِكْتُ حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير”. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فكيف تجد قلبك”، قال: “مطمئن بالإيمان”.  فقال النبي:  “فإن عادوا فعد”.

 

نزول القرآن فيه

وفيما حدث مع عمار بن ياسر وأهله نزل قول الله تعالى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

قيل أن عمار هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى يثرب هربًا من بطش قريش. وآخى النبي بينه وبين حذيفة بن اليمان. ثم شهد كل المشاهد والغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فضله ومكانته

كان النبي يحب عمار ويقربه منه، ووردت عدة أحاديث شريفة توضح ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم “ابن سمية ما عرض عليه أمران قط، إلا أخذ بالأرشد منهما”.

كما ورد أن عمار استأذن للدخول على النبي فقال صلى الله عليه وسلم “ائذنوا له، مرحبًا بالطيب المطيب”.

وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم “ثلاثة تشتاق إليهم الجنة: علي وسلمان وعمار”.

وكان رضي الله عنه من رواة الحديث عن رسول الله، فقد روى عنه وعن حذيفة بن اليمان. وله 62 حديثًا في مسند بقي بن مخلد، و5 أحاديث في الصحيحين.

 

دوره بعد وفاة النبي

وبعد وفاة النبي شارك في حروب الردة، ولما اشتد القتال على المسلمين في معركة اليمامة، وقف على صخرة عالية ونادى في المسلمين “يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي”. وقد قطعت أذنه رضي الله عنه في ذلك اليوم.

وفي عهد عمر بن الخطاب عينه والي الكوفة، لكن سرعان ما عزله وعين مكانه أبا موسى الأشعري، بسبب شكوى أهل الكوفة منه. وقال له عمر: أساءك العزل؟ فقال: ما سرني حين استعملت، ولقد ساءني حين عزلت. فقال عمر رضي الله عنه: قد علمت ما أنت بصاحب عمل، ولكني تأولت قول الله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.

 

استشهاد عمار بن ياسر

كان عمار بن ياسر ضمن جيش علي بن أبي طالب في معركة صفين 1 صفر سنة 37 من الهجرة. وكان عدد جيش علي 120 ألف مقاتل، وجيش معاوية 100 ألف تقريبًا، وهذا أكبر من كل معارك الفتوحات العظيمة مثل اليرموك والقادسية.

استمرت المعركة 9 أيام، وسقط عدد كبير من الشهداء وصل إلى 70 ألف مسلم. كان منهم 45 ألف شهيد في جيش معاوية، و25 ألف شهيد في جيش علي منهم عمار بن ياسر. وكان يوم استشهاده عمره 93 عامًا، فقتله أبو الغادية الجهني أو أبو الغادية المزني. ثم أقبل كلا منهما يقول أنه قتله، فقال عمرو بن العاص “والله إن يختصمان إلا في النار والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة”.

وصلى عليه علي بن أبي طالب ولم يغسل، فقد روي أنه قال “ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم”.

وقد ذكر أن أصحاب النبي يوم صفين كانوا يتبعون عمار بن ياسر، ومنهم من لم يشترك في القتال حتى قُتِل عمار، وبذلك علموا أن الحق مع علي. فقد وردت أحاديث عن النبي أنه قال عن عمار “تقتله الفئة الباغية”.

 

 

 

المصادر:

الأصبهاني: معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

موقع قصة الإسلام: عمار بن ياسر.

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات