أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز، هو ثامن خلفاء بني أمية، والخليفة الثالث عاشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم. كان إمامًا عابدًا تقيًا زاهدًا طالبًا للعلم. عرف بعمر بن عبد العزيز أو عمر الثاني تشبيهًا له بجده أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تميزت خلافته بالعدل وعزل الولاة الظالمين ورد المظالم. كما أعاد العمل بنظام الشورى، لذلك اعتبره العلماء خامس الخلفاء الراشدين. وخلال خلافته التي استمرت تقريبًا سنتين ونصف، اهتم بالعلوم الشرعية وتدوين الأحاديث النبوية الشريفة.
نسب عمر بن عبد العزيز
اسمه: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
كنيته: أبو حفص.
لقبه: خامس الخلفاء الراشدين.
أبوه: عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وكان من أفضل رجال وأمراء بني أمية. وكان أميرًا على مصر أكثر من 20 عامًا.
أمه: أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
جده: أمير المؤمنين عر بن الخطاب، وكان جده لأمه.
إخوته لأمه وأبيه: أبو بكر، محمد، عاصم.
إخوته لأبيه: الأصبغ، سهل، سهيل، أم الحكم، زيّان، وأم البنين.
زوجاته وذريته
فاطمة بنت عبد الملك: وهي ابنة عمه، ابنة الخليفة عبد الملك بن مروان، وأخت الخلفاء: الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك. وجدها الخليفة مروان بن الحكم. ولما تزوجها عمر بن العزيز، صارت أيضًا زوجة خليفة.
وقال فيها عمر: بنت الخليفة والخليفة جدها
أخت الخلائف والخليفة زوجها
وقيل عنها: “لا نعرف امرأة بهذه الصفة إلى يومنا هذا سواها”. وقد أنجبت له إسحاق ويعقوب وموسى.
لميس بنت علي بن الحارث: ولدت له عبد الله، بكر، وأم عمار.
أم عثمان بنت شعيب بن زيان: ولدت له إبراهيم.
أم ولد: وأنجبت له عبد الملك، الوليد، عاصم، يزيد، عبد الله، عبد العزيز، زيان، أمينة، وأم عبد الله.
واختلف العلماء في عدد أبناء عمر بن العزيز، فمنهم من قال أنه كان له 14 ابنًا ذكرًا، و3 إناث، مثل ابن قتيبة. أما ابن الجوزي فقال كان له 12 ذكرًا، و 6 إناث.
نشأة عمر بن عبد العزيز
ولد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز سنة 61 من الهجرة في المدينة المنورة. وهناك من يقول أنه ولد في حلوان بمصر، ولكن هذا الرأي ضعيف، لأن والده عبد العزيز تولى مصر سنة 65 من الهجرة، بعدما استولى عليها مروان بن الحكم وأخذها من يد عبد الله بن الزبير بن العوام.
نشأ عمر بن العزيز في المدينة المنورة، بين أخواله من آل الخطاب. وكان قريبًا من خاله عبد الله بن عمر ويحبه. ولما أرسل أبوه عبد العزيز لأمه أم عاصم أن تلحق به خلال ولايته لمصر، طلب منها ابن عمر أن تتركه معه يتربى بين يديه في المدينة المنورة. وقال لها “خلفي هذا الغلام عندنا، فإنه أشبهكم بنا أهل البيت”.
ولما وصلت إلى مصر، ولم يرى عبد العزيز ابنه، سألها “أين عمر”، فأخبرته بما قاله عبد الله بن عمر، ففرح بذلك وقد كان رجلًا صالحًا. ولما علم عمه الخليفة عبد الملك بن مروان ببقائه في المدينة عند أخواله، فرض له 1000 دينار كل شهر.
تربى عمر بين أسرة عمر بن الخطاب، وبين صحابة النبي الكرام، فتأثر بهم. وكان شديد الإقبال على طلب العلم ومجالسة علماء المدينة المنورة التي كانت منارة العلم والصلاح وزاخرة بالفقهاء والعلماء. وقد حفظ القرآن الكريم في صغره، بفضل قوة ذاكرته وصفاء نفسه وتفرغه لطلب العلم. وكان يبكي كلما ذكر أمامه الموت، رغم حداثة سنه.
طلبه العلم
تربى عمر بن عبد العزيز في مجتمع زاخر بالعلم والتقوى، لا يزال فيه عدد من صحابة رسول الله الكبار رضوان الله عليهم. فنشأ بين أيدي كبار علماء المدينة وفقهائها، وقد اختار له ولده ( صالح بن كيسان) ليقوم بتربيته وتعليمه.
تولى صالح تربيته، وكان يحرص على حضوره الصلوات في المسجد. فلما تأخر يومًا عن صلاة الجماعة، سأله “ما يشغلك؟”، قال: “كانت مرجّلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري”. فقال صالح: “بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟”.
ثم كتب صالح بن كيسان إلى والده عبد العزيز يذكر له ذلك، فبعث أبوه رسولًا، ولم يكلمه حتى حلق رأسه.
وذات يوم مرَّ أبوه بالمدينة المنورة خلال موسم الحج، فسأل صالح عن ابنه، فقال له: “ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام”. كما كان حريصًا على التشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، في صلاته، فكان يتم الركوع ويخفف القيام والقعود.
وكان من شيوخه أيضًا: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب. وقد وصل عدد شيوخ عمر إلى 33 شيخًا، 8 منهم من الصحابة، و25 من التابعين.
كان عمر يجل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وينهل من علمه ويتأدب بأدبه. وكان دائم التردد عليه، حتى بعدما أصبح أمير المدينة. كما عبر عن إعجابه الشديد به وقال “لَمجلسٌ من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إليّ من ألف دينار”. وكان عبيد الله أحد الفقهاء السبعة، ومفتي المدينة في زمانه.
وقد كان عمر بن عبد العزيز من رواة الحديث، فقد روى عن أنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وغيرهم. وروى عنه: أبناؤه عبد الله وعبد العزيز، ورجاء بن حيوة، ويحي بن سعيد الأنصاري، ومسلمة بن عبد الملك، وغيرهم.
مكانته العلمية
اتفق العلماء والمترجمين على أن عمر بن عبد العزيز كان من أئمة زمانه، وقد أطلق عليه البعض وصف إمام، مثل الإمامين مالك وسفيان بن عيينة.
قال عنه الذهبي: “كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا، عارفًا بالسنن، كبير الشأن، حافظًا، قانتًا لله أوَّاهًا منيبًا، يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري”.
وقد احتج العلماء بأقواله وأفعاله، وورد ذكره في كتب الفقه للمذاهب الأربعة. فاستدل الحنفية بصنعه في كثير من المسائل، وذكره الشافعية والمالكية في كتبهم، وقد احتج به مالك بن أنس في الموطأ في كثير من الفتاوى. وقال عنه أحمد بن حنبل: “لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز”.
وقد أجمع العلماء والفقهاء على أن عمر بن عبد العزيز هو المجدد الأول في الإسلام. قال الإمام أحمد بن حنبل: يروى في الحديث: إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز”.
وكان يلقب بـ “الأشج”، أو “أشج بني مروان”، لأنه عندما كان صغيرًا دخل اصطبل أبيه، فضربه فرس في وجهه فشجه. وقد قال عمر بن الخطاب: “إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً”. لذلك لما رآه أخوه الأصبغ قال: “الله أكبر! هذا أشج بني مروان الذي يملك”.
وكان عبد الله بن عمر يقول: “إن آل الخطاب يرون أن بلال بن عبد الله بوجهه شامة، فحسبوه المبشر الموعود، حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز”.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم: سيرة عمر بن عبد العزيز.
أبو الفرج الجوزي: سيرة عمر بن عبد العزيز.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق