الصحابي الجليل عياض بن غنم الفهري رضي الله عنه، واحد من أهم قادة الفتوحات الإسلامية في العراق والشام والجزيرة الفراتية وأرمينية. كانت حياته مليئة بالجهاد والغزو، فقضى عمره يتنقل من فتح إلى فتح، وكان من أشراف قريش. بالإضافة إلى شجاعته في ميادين القتال، فقد اشتهر بكرمه الشديد أيضًا.

 

نسب عياض بن غنم

اسمه: عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وقيل أنه أشعري وهو ابن عم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

 

متى أسلم عياض بن غنم؟

أسلم سيدنا عياض رضي الله عنه، قبل صلح الحديبة تقريبًا وهو ابن خمسة وأربعين عامًا. وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكثير من المشاهد والغزوات، فشهد الخندق، وذكر البعض أنه شهد أيضًا بدر وأحد. وقال ابن سعد في الطبقات، أنه شهد الحديبية وما بعدها من غزوات، وكان أحد الأمراء الخمسة في معركة اليرموك.

 

سيرة عياض بن غنم

كان رضي الله عنه عابدًا زاهدًا شديد التقوى والورع. لا يمد يده على مال المسلمين، ولا يستخدم نفوذه كي يولي أهله وقرابته. فقد روي أنه لما ولاه أبو عبيده بن الجراح على أجزاء من الشام، ذهب إليه بعض من قومه يطلبون العطاء. فما كان منهم سوى أنه أكرمهم فأعطى كل واحد منهم 10 دنانير من ماله الخاص، فسخطوا منه لأنهم يطمعون في المزيد.

وقد روي أنهم قالوا له “ما عذرك الله إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله فقال: أتأمروني أن أسرق مال الله فوالله لأن أشق بالمنشار أو أبرى كما يبرى السفن أحب إلي من أن أخون فلسًا. فقالوا له: قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك فولنا أعمالاً من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ونصيب ما يصيبون من المنفعة”.

رد عياض عليهم قائلًا: “والله إني لأعرفكم بالفضل والخير ولكن يبلغ عمر بن الخطاب أني قد وليت نفرًا من قومي فيلومني. فقالوا: قد ولاك أبو عبيدة بن الجراح وأنت منه في القرابة. فقال عياض: إني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة بن الجراح”. فانصرف قومه وهم يلومون عليه عدم إعطائهم مال أو ولاية.

كما اشتهر رضي الله عنه بالجود والكرم حتى أنه عُرِف “بزاد الراكب”. فكان يطعم الناس، وإذا لم يجد في بيته شيئًا ذبح بعيره. ومات رضي الله عنه دون أن يترك شيئًا لأهل بيته.

 

فتوحات عياض في العراق

كانت فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أول خطوة بعد انتهاء حروب الردة. فبعدما نجح في السيطرة على الجزيرة العربية واليمن وأعاد الأمور مثلما كانت في عهد رسول الله، تفرغ للفتوحات. ولعب كثير من القادة دور بارز في على رأسهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد وعياض بن غنم. جهز أبو بكر جيشين وأرسلهما إلى العراق:

جيش خالد بن الوليد: وكان في اليمامة، وبعد انتصاره أرسل إليه أبو بكر بغزو العراق من جنوبها الغربي. وأمره أن يدعوا الناس إلى الإسلام، فإن امتنعوا فرض عليهم الجزية، فإن امتنعوا قاتلهم. وأكد عليه أن يضم إليه المسلمين في طريقه، وألا يكره أحدًا على الانضمام له، وألا يأخذ في جيشه من ارتد حتى وإن عاد إلى الإسلام. وخرج جيش خالد إلى العراق في محرم وقيل رجب سنة 12 من الهجرة. ثم أرسل إليه أبو بكر سرايا وإمدادات لمساعداته.

الجيش الثاني: بقيادة عياض بن غنم، وكان موجود بين النيباج والحجاز، وهي قرية في منتصف الطريق بين مكة والبصرة. فكتب إليه أبو بكر أن يدخل العراق من شمالها الشرقي. وأمره أن يبدأ بالمصيخ على حدود الشام والعراق، ويسير حتى يصل إلى جيش خالد بن الوليد.

ثم أرسل أبو بكر لخالد وعياض، بأن من يسبق منهما إلى الحيرة فهو أمير عليها. فقد كانت الحيرة بمثابة قلب العراق، وقريبة إلى المدائن عاصمة الفرس، ومهمة عسكريًا للقوات الإسلامية المتواجدة في الشام.

 

فتوحات عياض بن غنم في الجزيرة الفراتية

كان أهل الجزيرة الفراتية يجهزون للتعاون من البيزنطيين للهجوم على المسلمين في حمص. وبلغ عمر بن الخطاب أنهم يجهزون جيشًا من 30 ألفًا لمساعدة الروم، لذلك أرسل لسعد بن أبي وقاص في الكوفة أن يرسل القعقاع بجيش إلى الجزيرة. خرجت 3 جيوش من الكوفة وتوجهت إلى أهل الجزيرة الفراتية لردعهم، وكان عياض بن غنم القائد العام لهذه الجيوش.

نجح المسلمون في ردع أهل الجزيرة فانسحبوا من حصار حمص وعادوا إلى أراضيهم. كان عياض أيضًا قائد المسلمين في حصار حلب، كما استخلفه أبو عبيدة بن الجراع على فتوح كافة الجزيرة، فأقره عمر بن الخطاب.

 

فتوحات أرمينية

بعدما انتهى المسلمون من فتح الجزيرة الفراتية سنة 17 أو 19 من الهجرة، وجدوا أنفسهم على حدود أرمينية. وهذا يعني أن الجزيرة الفراتية تقع جنوب أرمينية مباشرة وتمثل مخاطر كبيرة على البلاد التي فتحها المسلمون وطردوا منها الروم. وبهذه الطريقة تكون أرمينية قاعدة أمامية للروم يمكن أن يهجموا منها مباشرة على المسلمين. لذلك لم يكن هناك سبيل سوى فتح أرمينيا لتأمين الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، وأيضًا كي تكون قاعدة لانطلاق الفتوحات إلى الشمال حيث يتمركز الروم.

في سنة 22 من الهجرة، فتح المسلمون أذربيجان وصاروا على الحدود الشرقية لأرمينية. لذلك بدأوا يفكرون في فتحها وتقدموا نحو مدينة باب الأبواب من كورة أران لمطاردة فلول الجيش الفارسي المنسحب، حتى لا يعيدوا تنظيم صفوفه ويعودون لمهاجمتهم.

تشجع المسلمون بعد انتصاراتهم المتتالية  وفتحهم للجزيرة الفراتية وأذربيجان، فتوغلوا داخل حدود أرمينيا. وكان الصحابي الجليل عياض بن غنم الفهري أول من توجه إلى أرمينية فاجتاز الدَّرب وهو الطريق ما بين طرسوس وبلاد الروم. وأخذ يفتح مدينة وراء الأخرى وتوجه أولًا إلى أرزن وبدليس وفتحها عن طريق الصلح مع ملكها مقابل الجزية، وتركه ملكًا على قومه حتى يموت.

بعد ذلك توجه عياض إلى أخلاط، ولم يقبل ملكها اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، لكن ابنته “طاريون” اعتنقت الإسلام هي وزوجها “يرغون”. ثم اقنعت والدها بالتنازل عن العرش وبعدها قتلته، وانضمت بجيشها إلى المسلمين ودارت معركة كبيرة كللت بالنصر. وبعد أن جعلها عياض على قومها عاد إلى العراق. ثم استكمل فتوحات أرمينية عثمان بن أبي العاص، وبعده سراقة بن عمرو. ونجح المسلمون في فتح باب الأبواب وموقان.

 

متى توفي عياض بن غنم؟

بعد رحلة مليئة بالجهاد في سبيل الله، فتح خلالها الكثير من البلدان في العراق والشام والجزيرة الفراتية وأرمينية، مات عياض بن غنم سنة 20 من الهجرة. وكان عمره حين مات 60 سنة.

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة أخبار الصحابة.

الزركلي: الأعلام.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

موقع قصة الإسلام: عياض بن غنم.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات