كانت غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب بين المسلمين في المدينة وبين القبائل العربية التي تجمعت واتفقت على التخلص من المسلمين. وكان يهود بني النضير هم العنصر المحرض لهذه الغزوة، لكن الله أيد المسلمين بجنوده وحقق لهم النصر، رغم قلتهم.

 

سبب غزوة الخندق

كانت غزوة الخندق في شهر شوال سنة 5 من الهجرة، بين المسلمين بقيادة النبي محمد وبين القبائل العربية مثل قريش، وأحابيش، وغطفان، وبني مرة وأشجع، وفزارة، وبني أسد وسليم، وهذيل وخزاعة، وغيرهم.

وكان سبب غزوة الخندق أو الأحزاب هم يهود بني النضير، الذين ذهبوا إلى القبائل العربية وحرضوهم على النبي وأصحابه، انتقامًا لإخراجهم من المدينة. ففي شهر ربيع الأول سنة 4 من الهجرة، وقعت غزوة بني النضير. وغزاهم النبي لأنهم نقضوا العهد معه، فآووا أعداءه، وتآمروا لقتله.

ذات يوم ذهب النبي إلى بني النضير يستعين بهم في دفع دية رجلان من بني كلاب قتلهما الصحابي عمرو بن أمية الضمري، خلال عودتهما من لقاء النبي، ولم يكن لديه علم بذلك. استقبله يهود بني النضير بكل بشاشة، وقرروا الغدر به واغتياله. وكانت خطتهم هي إلقاء صخرة عليه من فوق الجدار الذي كان يستند إليه. لكنه صلى الله عليه وسلم، علم نيتهم، فخرج مسرعًا وتبعه أصحابه. ثم أرسل إليهم محمد بن سلمة، وأعطاهم 10 أيام كي يخرجوا من المدينة، لكنهم لم يخرجوا فحاصرهم النبي 15 ليلة، حتى استسلموا وخرجوا.

رحل يهود بني النضير إلى خيبر بحقدهم على المسلمين، وأخذوا يخططون للانتقام. فأرسلوا وفدًا من 20 رجلًا، وذهبوا أولًا إلى قريش ثم إلى باقي القبائل العربية، وأخذوا موافقتهم على القتال.

 

خروج الأحزاب للمعركة

نجح وفد يهود بني النضير في تحريك جيوش القبائل العربية، فخرجت قريش وأحلافها من كنانة في 4 آلاف مقاتل. وخرجت قبائل غطفان وحلفائها من بني سليم وأسد في 6 آلاف مقاتل، مقابل الحصول على كل تمر خيبر لمدة سنة كاملة. بعد عدة أيام وصل جيش الأحزاب المكون من 10 آلاف مقاتل، وتجمعوا حول المدينة المنورة.

كان المسلمون في المدينة على علم بكل ما يفعله بني النضير ومن تحريضهم للقبائل العربية. وبمجرد وصول المعلومات إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بدأ في اتخاذ التدابير لحماية المدينة.

 

حفر الخندق

عقد النبي اجتماع عاجل حضره كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، للتشاور في الأمر. واقترح الصحابي الجليل سلمان الفارسي على النبي بحفر خندق، وقال “يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟”.

نال رأي سيدنا سلمان إعجاب المسلمين الحاضرين، وقال المهاجرون يوم الخندق “سلمان منا”، وقالت الأنصار “سلمان منا”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “سلمان منا أهل البيت”. وكان حفر خندق في الحروب أمر جديد على العرب، وبذلك يكون النبي أول من استخدم الخندق في تاريخ حروب العرب والمسلمين.

ركب النبي فرسه وخرج مع مجموعة من الصحابة يتنقلون بين الجهات الأربعة للمدينة. كان صلى الله عليه وسلم، يبحث عن المكان الأضعف الذي يمكن اختراقه من قبل جيش الأحزاب. فجل جبل “سلع” خلف ظهورهم، وقرر حفر الخندق من “المذاد” إلى جبل “الذباب”.

كان هذا المكان في شمال المدينة، وهو اختيار ممتاز لحفر الخندق، لأن باقي جهات المدينة كانت محصنة. ففي الجنوب كانت البيوت متلاصقة وأسوارها عالية، وفي الشرق كانت حرة واقم، وفي الغرب كانت حرة الوبرة.  وكان يهود بني قريظة في الجنوب الشرقي يحمون ظهور المسلمين بموجب اتفاقية النبي معهم.

 

تحديات حفر الخندق

لم يكن حفر الخندق بالأمر السهل، فقد واجه المسلمون تحديات كثيرة وصعبة. كانت الرياح شديدة، والجور بارد للغاية، والصحابة يحفرون بأيديهم، وينقلون التراب على ظهورهم. بالإضافة إلى الخوف الكبير من اقتحام جيش الأحزاب في أي وقت للمدينة.

قسم النبي مساحة الحفر على الصحابة، ووضع كل 10 رجال لحفر 40 ذراعًا، وخصص كل جانب لجماعة يحفرون فيه. خلال ذلك كانت هناك مجموعة أخرى من الصحابة يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة، وكان على رأسهم عباد بن بشر.

شارك النبي الصحابة الكرام في حفر الخندق، وشاركهم الجوع أيضًا. قال أبو طلحة “شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجوعَ فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله  عن حجرين”. وكان النبي أيضًا يردد أبيات وكلمات بن رواحة، كما كان الصحابة يستعينون بترديد كلمات تشجعهم وتخفف عنهم المشقة.

كما كان الصحابة رضوان الله عليهم، يستأذنون النبي من أجل قضاء حوائجهم، ثم يعودن للعمل ثانية. وظل العمل على حفر الخندق طوال النهار، وبالليل كان الصحابة يعودون إلى أهليهم. وخصص النبي مجموعة من الصحابة للحراسة، حتى لا يخترق الأحزاب الخندق على غفلة. وعندما علم النبي بقدوم جيش الأحزاب، أمن النساء والأطفال في حصن بني حارثة قبل الخروج، حتى يطمئن المحاربون على ذويهم.

 

 معجزات غزوة الخندق

عندما كان الصحابة يحفرون في الخندق، تعثروا في حفر صخرة كبيرة، فضربها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. ثم بشر الصحابة بفتح فارس والشام واليمن، فقال في الضربة الأولى “الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة”.  ثم قال في الضربة الثانية: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض”. وقال في الضربة الثالثة “الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة”. وكانت هذه البشارة بمثابة تشجيع كبير وتخفيف عن الصحابة.

وردت أيضًا بعض الأحاديث التي تروي بعض معجزات النبي في غزوة الخندق، وكان منها تكثير الطعام. كان القوت قليل والمدينة تتعرض لمجاعة، فإذا كان الطعام يكفي رجلين، ببركة النبي كان يكفي عشرات الرجال ويفيض.

 

وصول الأحزاب

عندما وصل جيش الأحزاب وحاصروا المدينة قال المؤمنين ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.

أما المنافقون فانسحبوا من شدة خوفهم، فقال بعضهم “كان محمد يعدنا بكنوز قيصر وكسرى، ونحن الآن لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط”. واستأذن بعضهم بالرجوع إلى بيوتهم لأنها عورة، فأنزل الله فيهم قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾.

استخلف النبي على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج المسلمون في 3 آلاف مقاتل، وكان الخندق بينهم وبين جيش الأحزاب. تفاجأ جيش المشركين بالخندق، فكان مكيدة لم يعرفوها من قبل، واضطروا لحصار المسلمين. حاول الكفار إيجاد ثغرة يعبرون منها، لكن دون جدوى، وكانوا إذا اقتربوا ضربهم المسلمون بالنبل. وظلوا يحاولون اختراق الخندق أيامًا طويلة، لكن كافح المسلمون كفاحًا عظيمًا ومنعوهم من التقدم.

 

نقض بني قريظة للعهد

لم يعد أمام جيش الأحزاب سوى الجهة التي يسكن فيها يهود بني قريظة، فذهب إليهم زعيم يهود بني النضير، وظل خلف زعيمهم حتى ضمه إلى الأحزاب. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى من غدرهم، فجعل الزبير بن العوام يراقبهم، فعلم بنقضهم للعهد معه.

قابل النبي غدرهم بثبات، وشدد الحراسة على المدينة، وجعلهم يكبرون حتى يرهبوهم. ثم قام بنو قريظة بإرسال 20 بعيرًا محملة بالتمر والشعير لجيش الأحزاب، لكن نجح المسلمون في مصادرتها وإرسالها للنبي.

اشتد الحصار على المسلمين بسبب يهود بني قريظة وتعرضوا لمحنة عظيمة، واشتد كربهم وخوفهم. فذهبوا إلى النبي وقالوا: يا رسول هل من شيءٍ نقوله، قال “نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا”. ودعا النبي وقال “اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم”.

تزايدت محاولات المشركين في اقتحام الخندق، وحاول مجموعة من الفرسان منهم خالد بن الوليد تجاوز جزء ضيق منه. وخلال ذلك أصيب بعض الصحابة منهم الطفيل بن النعمان، كما أصيب سعد بن معاذ، ومات بعدها بفترة.

 

هزيمة الأحزاب في غزوة الخندق

نجح النبي صلى الله عليه وسلم، في إدخال الشك بين يهود بني قريظة وجيش الأحزاب. فقد ورد أن رجلًا من قبيلة غطفان يسمى نعيم بن مسعود، ذهب للنبي وأسلم. فطلب منه النبي العون، فوضع نعيم خطة للوقيعة بين بني قريظة والأحزاب ونجح في الأمر. وعندما لم يعد بني قريظة يمثلون ورقة رابحة في يد الأعداء، انكسرت شوكتهم وتقهقروا.

شتت الله شمل الأعداء، وأدخل الشقاق والخلاف بينهم، وأرسل عليهم الريح البارد، وأنزل جنوده عليهم، فألقى الرعب في قلوبهم. ثم أرسل إليهم الملائكة، فأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وأكثرت التكبير من حولهم، فأصابهم الذعر وتفرقوا ورحلوا.

 

نتائج غزوة الخندق

انتصر المسلمون وزادت قوتهم وهيبتهم عن السابق، فقويت شوكتهم في وجه أعدائهم.

تحول موقف المسلمين من الدفاع إلى الهجوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” اليوم نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم”.

كشف حقد بني قريظة وما يضمروه للمسلمين. وكانت غزوة بني قريظة من أهم نتائج غزوة الخندق.

 

 

المصادر:

ابن هشام: السيرة النبوية.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات