كانت غزوة الطائف مكملة لغزوة حنين، فبعد أن انتصر المسلمون يوم حنين بفضل من الله تعالى، هرب جيش ثقيف وهوازن إلى الطائف وتحصنوا بها، ولاحقهم النبي صلى الله عليه وسلم.
أسباب غزوة الطائف
وقعت غزوة الطائف في شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة، في نفس الشهر الذي وقعت فيه غزوة حنين. وكانت غزوة حنين بين المسلمين مهاجرين وأنصار وطلقاء مكة الذين أسلموا يوم الفتح، وبين قبائل هوازن وثقيف وحلفائهم.
بعد فتح مكة ملأ الحقد قلوب هوازن وثقيف، وشعروا بقوة المسلمين التي تضاعفت عن السابق. لذلك بدأ مالك بن عوف النصري، وهو رجل من هوازن، يعد العدة ويجمع القبائل لمهاجمة المسلمين. ونجح بالفعل في تجهيز 30 ألف مقاتل وذهب بهم إلى منطقة حنين، والتقى بالمسلمين الذين بلغ عددهم 12 ألف مجاهد في سبيل الله.
كادت ثقيف وهوازن تنتصر على المسلمين يوم حنين، بفضل خطة مالك بن عوف، الذي جعل جزء من جيشه يختبئ بين الأشجار. وبالفعل باغتوا المسلمين وفرَّوا في اتجاه مكة، لكن استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يلم شملهم مرة ثانية. وانقلبت دفة الحرب وأنزل الله جبريل وجيش من الملائكة يقاتلون في صفوف المسلمين. قال تعالى ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.
انتصر المسلمين بنعمة من الله، وهربت ثقيف وهوازن إلى الطائف وتحصنوا بها، وحصل المسلمون على غنائمهم التي تركوها في أرض المعركة. وكانت هوازن وثقيف خسرت كثير من مقاتليها في المعركة بالإضافة إلى خسارتها المادية. ثم لاحقهم النبي وحاصرهم داخل مدينة الطائف.
حصار غزوة الطائف
سار النبي بجيشه المكون من 12 ألف مقاتل لغزو الطائف حتى يقضي على القوات الهاربة يوم حنين. حيث لجأت قبائل ثقيف وهوازن بقيادة مالك بن عويف إلى التحصن داخل الطائف، التي كانت تتمتع بأسوارها المنيعة.
حاصر المسلمون الطائف عدة أيام، لكن لجأ أهل المدينة إلى رميهم بالسهام، حتى قتلوا 12 شهيدًا من المسلمين. لذلك اقترح الحباب بن المنذر على النبي أن يبتعدوا عن الحصن حتى لا يصاب المجاهدين بسهام الكفار. استجاب النبي لهذه النصيحة، وعسكر بالجيش في مكان أبعد حول الطائف، وظل يحاصرها.
حاول المسلمون بقيادة النبي إيجاد طرق حتى ينجحوا في اختراق حصون الطائف، فاقترح سيدنا سلمان الفارسي صناعة منجنيق. وبالفعل صنع سلمان سلاح المنجنيق، كما صنع المسلمون دبابة من الخشب، كي يختبئ تحتها الجنود من سهام أهل الطائف. وصل المحاربين إلى الأسوار وضربوها بالمنجنيق، وكسروا جزءًا من السور. ثم بدأ المسلمون يتسلون الأسوار، لكن تفاجئوا بإلقاء أهل الطائف عليهم أشواك حديدة ضخمة محمرة من شدة النار التي اشتعلت تحتها.
تقهقر المسلمون وأصيب عدد منهم في هذا الهجوم، ثم لجأوا إلى حيلة أخرى تضعف معنويات ثقيف وهوازن، وقاموا بإحراق نخيلهم. ناشد أهل الطائف النبي أن يتوقف عن إحراق النخيل وتوسلوا إليه، فأمر المسلمين بالتوقف. ثم نادى فيهم وقال “أيما عبد نزل من الحصن ولجأ إلينا فهو حر”، فاستجاب لندائه بضعة عشر رجلًا، فأعتقهم صلى الله عليه وسلم.
فك الحصار
استمر المسلمون في حصار الطائف 40 يومًا دون جدوى، لأن أهلها كانوا أعدوا ما يكفيهم من المؤن سنة كاملة. وبعد استشارة النبي لنوفل بن معاوية الديلي، قرر إنهاء الحصار، وأمر عمر بن الخطاب أن يعلم المجاهدين بذلك. عاد جيش المسلمين إلى المدينة المنورة وهم يرددون “آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون”.
ويروي عمر بن الخطاب قصة فك الحصار، حيث قال “حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا، فقال :إنا قافلون إن شاء الله، قال أصحابه: نرجع ولم نفتتحه ، فقال لهم رسول الله: اغدوا على القتال، فغدوا عليه فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدا، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يفتح النبي الطائف ورأى ضرورة العودة، لأن الأمور في مكة لم تكن مستقرة، فما زال أهلها حديثو عهد بالإسلام، والمؤلفة قلوبهم كُثُر. كما أن المدينة المنورة كانت أيضًا بلا حماية لفترة طويلة. عندما نادى عمر بن الخطاب بإنهاء الحصار، اعترض بعض الصحابة، وصَعُبَ عليهم عدم إكمال الفتح. وافق النبي رأيهم واستمر الحصار يومًا إضافيًا، فنزلت عليهم سهام الكفار، وتعرضوا لإصابات بالغة. هذه المرة عرضوا على النبي المغادرة، فضحك صلى الله عليه وسلم، وأمر بالرحيل.
توزيع الغنائم
بعد عودة النبي من حصار الطائف، ذهب إلى وادى الجعرانة قرب مكة، ووزع الغنائم. قسم النبي الغنائم إلى قسمين، قسم للجيش وكان تقريبًا أربعة أخماس الغنيمة، وخمس للدولة. أعطى النبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأكبر إلى المسلمين الذين أسلموا حديثُا، وكان معظمهم من المؤلفة قلوبهم. أعطاهم النبي وأجزل عليهم العطاء، فكان يعطي الرجل 100 ناقة دفعة واحدة. وبهذه الطريقة ألف النبي قلوبهم للإسلام، فحسُن إسلامهم، وأصبحوا من حماة الإسلام.
وكان ممن أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة، أبي سفيان، صفوان بن أمية، حكيم بن حزام، وعيينة بن حصن. وهنا حزن الأنصار حزنًا شديدًا، لأنهم رأوا أن النبي أعطى المؤلفة قلوبهم الذين تركوه في حنين، بينما هم ثبتوا معه، وكانوا أول من أسرع إليه. بالإضافة إلى أنهم شهدوا بيعة الرضوان، وأول من دخل إلى الإسلام.
خطب النبي في الأنصار خطبة طيب فيها قلوبهم، فقال فيها “أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاءِ وَالْإِبِلِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ الله إلى رِحَالِكُمْ، الْأَنْصارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ”.
فرح الأنصار وسكنت قلوبهم، فتركوا أمور الدنيا وأموالها لحديثي الإسلام، ونالوا شرف عودة النبي معهم إلى المدينة، رغم فتحه لمكة.
إسلام هوازن بعد غزوة الطائف
بعد أن وزع النبي غنائم حنين على المسلمين في وادي الجعرانة، فوجئ بمجيء وفد من 12 رجلًا من قبيلة هوازن، وكانوا ممن حضروا حنين وهربوا إلى الطائف وتحصنوا بها. كان هذا الوفد يمثل كل بطون هوازن باستثناء ثقيف، جاؤوا ليعلنوا إسلامهم أمام النبي.
وقف الوفد أمام النبي وقالوا: “يا رسول الله، إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا مَنّ الله عليك”. ثم قام رجل من بني سعد بن بكر، وذكر النبي بصلتهم به، لأنهم هو الذين أرضعوه، وقال له: “يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو أنا أرضعنا الحارث بن أبي شمر الغساني، أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه، وأنت خير المكفولين”.
كانت نية وفد هوازن من إسلامهم واضحة، فقد جاؤوا إلى النبي ليستردوا ما سلب منهم من أموال وسبايا. وكان النبي وزع الغنائم من سبايا وذهب وفضة على المسلمين حديثي الإسلام، كي يؤلف قلوبهم، ولو أخذها منهم لارتدوا عن الإسلام.
أراد النبي إسلام هوازن دون خروج مسلمين آخرين عن الإسلام، لأن الغنيمة أخذت في حرب وهي من حق المحاربين. فوجد أن حل هذه المشكلة يجب أن يتم بعقلانية تامة. فخير النبي هوازن بين السبي والأموال، وكلمهم بلطف ولين، فاختاروا السبي. ثم أعاد النبي سبيه وسبي بني هاشم، وطلب من باقي المسلمين إعادة السبي اقتداءً به، فوافق البعض ورفض آخرون. فعرض عليهم النبي أن يعطيهم زيادة في الغنائم القادمة، فوافقوا، فعاد سبي هوازن وأسلموا.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
موقع قصة الإسلام: غزوة الطائف.. غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *