كانت غزوة بني النضير في شهر بيع الأول سنة 4 من الهجرة. وبنو النضير قبيلة يهودية، سكنت يثرب حتى القرن السابع الميلادي، وكان عددهم تقريبًا 1500 شخص. وزعيمهم هو حيي بن أخطب، من أحبار اليهود ووالد زوجة رسول الله أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب.

بعد وصول النبي إلى المدينة المنورة ذهب إليه حيي وأخيه أبو ياسر ليروا علامات النبوة، وطلبوا من النبي الكشف عن ظهره حتى يروا خاتم النبوة. خرج الاثنان من عند رسول الله وهم متأكدين من نبوته، لكنهم فضلوا عدواته رغم ذلك. عقد النبي معهم معاهدة، لكنهم نقضوا عهدهم فطردهم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قتل حيي بن أخطب مع يهود بني قريظة.

 

سبب غزوة بني النضير

قصة يهود بني النضير مع الرسول توضح غدر اليهود على مر العصور. فبعد هزيمة المسلمين في معركة أحد، تجرأ اليهود عليهم وكشفوا عن نوياهم وما تضمره قلبوهم. وبدأوا يتواصلون مع المنافقين والمشركين وتعاونوا معهم ضد النبي وأصحابه. قابل النبي نقضهم للعهد بكل صبر، خاصة بعد مأساة بئر معونة ووقعة الرجيع التي قُتِل فيها 70 صحابيًا. تألم رسول الله ألمًا شديدًا لموت أفاضل الصحابة، الذي تسبب فيه المشركين واليهود.

لم يكتف اليهود بالوشاية للمشركين، لكن سولت لهم نفوسهم السيئة قتل النبي صلى الله عليه وسلم.  وقالوا لبعضهم “أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد بها فيلقيها على رأس محمد فيشدخ بها رأسه؟ فقال عمرو بن جحاش وهو أشقاهم: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليُخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه”.

وفي يوم ذهب إليهم رسول الله يطلب منهم المساعدة في دفع دية رجلين من بني عامر. قتل الرجلين الصحابي عمرو بن أمية الضمري، خلال عودته من بئر معونة، ولم يعلم بأنهما كانا عند رسول الله. وكانت المعاهدة بين اليهود والرسول تنص على مساعدته في هذه الأمور.

لم يظهر اليهود رفضهم واستقبلوا النبي ببشاشة وأظهروا له المحبة، فجلس واستند إلى جدار أحد بيوتهم. كان معه أيضًا بعض الصحابة مثل أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وبينما هم جالسون، صعد يهودي إلى السطح لينفذ خطة اغتيال النبي. لكن نزل جبريل عليه السلام، وأعلم النبي بنواياهم، فقام وذهب مسرعًا، ولحق به الصحابة، وأخبرهم بغدر يهود بني النضير.

 

دور المنافق عبد الله بن أبي سلول

بهذه الطريقة نقض يهود بني النضير العهد، فأرسل إليهم النبي محمد بن سلمة يقول لهم “اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدته بعد ذلك منكم ضربت عنقه”. فأمهلهم النبي 10 أيام لجمع أغراضهم والرحيل عن المدينة، وبدأوا بالفعل يتجهزون للرحيل.

لكن المنافق عبد الله بن أبي سلول تواصل معهم، وأخبرهم ألا يخرجوا وسوف ينضم إليهم ويدافع عنهم، هو ومعه 2000 رجل. عاد الأمل لليهود مرة ثانية، وأرسل زعيمهم حيي بن أخطب للنبي أنهم لن يخرجوا من المدينة. فأنزل الله قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

 

 حصار وغزوة بني النضير

لم يكن النبي والمسلمون يرغبون في القتال مع اليهود، بسبب الأحداث المشتعلة وأعدائهم الذين يحاوطون بهم من كل مكان. لكن اليهود هم اليهود نفسهم في كل عصرٍ وزمان، الغدر من شيمهم، فعندما شعروا بضعف المسلمين انقضوا عليهم وخانوا العهد. وعندما وصل رد زعيمهم حيي بن أخطب، لم يجد النبي مفر من قتالهم، فكبر وكبر المسلمون خلفه ونهضوا لقتالهم رغم قلتهم.

وضع النبي عبد الله بن أم مكتوب على المدينة، وخرج هو والصحابة إلى يهود بني النضير، بعد أن سلم اللواء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. حاصرهم النبي، فاحتموا داخل حصونهم، وكانت بساتينهم ونخيلهم تساعدهم، فأمر النبي بقطعها وحرقها.

انتظر يهود بني النضير مساعدة المنافق عبد الله بن أبي سلول والمنافقين الذين معه، لكنه خذلهم، ولم يكن لهم عونًا مثلما وعد. فأنزل الله قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

استمر حصار بني النضير 6 ليالٍ فقط، ثم قذف الله في قلوبهم الرعب، فألقوا أسلحتهم واستسلموا، وأخبروا النبي أنهم سيخرجون من المدينة. سمح لهم رسول الله أن يخرجوا هم وذريتهم، ولهم من متاعهم ما تحمل الإبل إلا السلاح، فوافقوا. لكن قبل خرجوهم خربوا بيوتهم، حتى لا ينتفع بها المسلمين، ثم حملوا أولادهم ونسائهم على 600 بعير. ذهب بعضهم إلى خيبر والبعض الآخر إلى الشام، ولم يدخل الإسلام منهم سوى رجلان.

 

انتقام بني النضير

خرج يهود بني النضير من المدينة المنور وتوجهوا إلى خيبر محملين بنار الحقد والانتقام. وأخذوا يخططون للانتقام والثأر، فاختاروا وفدًا من 20 يهوديًا وعلى رأسهم حيي بن أخطب، وأرسلوهم إلى القبائل العربية.

بدأ الوفد بقبيلة قريش وذكروهم بهزيمتهم في غزوة أحد، وأشعلوا نار الغضب في صدورهم، حتى أخذوا موافقتهم على قتال المسلمين. ثم ذهبوا إلى قبيلة غطفان، ونجحوا في إقناعهم بالحرب مقابل الحصول على كل تمر خيبر لمدة سنة.

خرجت مكة وحلفاؤها بجيش مكون من 4 آلاف مقاتل، وخرجت غطفان وحلفاؤها من بني سليم وأسد وفزارة وغيرهم في 6 آلاف مقاتل. ونجح يهود بني النضير في تجهيز جيش من 10 آلاف مقاتل وذهبوا إلى حصار المدينة، فيما عرف بغزوة الخندق أو جيش الأحزاب.

لم يكتف بني النضير في تأليب العرب، لكنهم حاولوا اختراق جبهة المسلمين الداخلية من خلال يهود بني قريظة. ونجحوا أيضًا في جعل بني قريظة ينقضون عهدهم مع النبي، وحصلوا على مساعدتهم.

رغم كل مكائدهم لم يفلحوا في تنفيذ خططهم، ونجح المسلمون في التغلب عليهم، رغم عددهم الذي لا يتجاوز 3 آلاف وعدم جاهزيتهم للحرب. لكن الله أيدهم بنصره، فأرسل جنده وقذف الرعب في قلوب المشركين والكفار.

 

نتيجة غزوة بني النضير

انقلب غدر اليهود عليهم، وهزمهم المسلمين بقوة إيمانهم رغم قلتهم، فخرجوا من بيوتهم مقهورين.

أخذ المسلمون أموالهم وكل شيء لم يقدروا على حمله، ووزعها النبي على المهاجرين، حتى يخفف الحمل عن الأنصار الذين اقتسموا أرزاقهم معهم. وأعطى من الأنصار سهل بن حنيف وأبو دجانة، لفقرهما.

فضح الله أمر المنافقين بين المسلمين فأنزل فيهم القرآن.

كانت غزوة بني النضير عبرة ليهود بني قريظة، لكنهم لم يعتبروا.

 

دروس وعبر

أثبت الله عزو وجل قدرته العظيمة على تبديل الأحوال وتغيير الأمور. كان المسلمون يظنون أن اليهود محصنين في حصونهم ولن يستطيعوا خرقها، لكنها لم تمنعهم من الله، وآتاهم من حيث لم يحتسبوا، فسلط عليهم الرعب والخوف فاستسلموا.

أهم درس من هذه الغزوة، أنه مهما كان كيد الكائدين فكيد الله أكبر. حاول يهود بني النضير نصب مكيدة للنبي واغتياله، لكن الله خرب بيوتهم بأيديهم وأخرجهم منها خائفين ومذعورين.

 

 

المصادر:

ابن كثير: البداية والنهاسة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

سيرة ابن هشام.

موقع موضوع: أسباب ونتائج غزوة بني النضير.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات