تعد غزوة حنين من أهم غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث اجتمع فيها أهل المدينة وأهل مكة في صفٍ واحد ضد أعداء الإسلام. لقد كان إسلام قريش سببًا كافيًا لإشعال نار غضب القبائل المجاورة، الذين أعدوا العدة للنيل من المسلمين.
متى كانت غزوة حنين؟
وقعت غزوة حنين في 13 شعبان سنة 8 من الهجرة، وكانت بين المسلمين وقبيلتي ثقيف وهوازن. وسميت غزوة حنين بهذا الاسم نسبة إلى وادي حنين الذي دارت المعركة فيه، وكان يقع بين مكة والطائف.
سبب غزوة حنين
بعد فتح مكة وإسلام أهلها زادت قوة المسلمين وهيبتهم في الجزيرة العربية، وهذا ما سبب قلقًا للقبائل المجاورة لقريش. فجمع مالك بن عوف النصري جميع القبائل من أجل محاربة المسلمين. ومن هذه القبائل ثقيف وهوازن، وبني هلال، وجشم ومضر. جهز مالك الجيش وخرج به، وعندما علم النبي بأمرهم خرج إليهم كي يلتقي بهم خارج مكة، حتى لا يتعاون أهلها معه، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام.
عدد المسلمين في غزوة حنين
كان عدد المسلمين في غزوة حنين 12 ألف مقاتل، حيث خرج النبي بكامل القوات العسكرية، حتى يستطيع مقاومة الأعداد الكبيرة لهذه القبائل. وكان جيش المسلمين يتكون من فاتحين مكة المهاجرين والأنصار، ومن المسلمين الطلقاء الذين أسلموا عند الفتح. لقد تعمد النبي أخذ أهل مكة معه، حتى لا ينقلبوا عليه ويستعيدوا السيطرة على مكة، إذا هُزِم في الحرب. وبهذا تكون شاركت قريش في غزوة حنين في صف الإسلام والمسلمين لأول مرة.
جهز النبي الجيش بأحدث الأسلحة، فلم يكتف بالأسلحة التي فتح بها مكة، بل ذهب إلى تجار السلاح، وعقد صفقة معهم. وكان من هؤلاء التجار نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وصفوان بن أمية. فقال له صفوان “أغصب يا محمد”، فقال له النبي “بل عارية مضمونة” فأخذ منهم السلاح بالإيجار والضمان. كما اهتم صلى الله عليه وسلم بالحراسة الليلية للجيش، حتى لا يباغتهم جيش الأعداء، وسلم المهمة لأنس بن أبي مرثد.
بهذه الطريقة استعان النبي بسلاح الأعداء يوم حنين، كما أرسل بن أبي حدرد ليدخل بين جيش هوازن ويسمع أخبارهم ويعلم النبي بخطواتهم. فدخل بينهم وسمع تعليمات قائدهم مالك بن عوف، وأخبر النبي بكل ما قاله، وحتى خروج هوازن بأموالهم ونسائهم وأطفالهم.
وكان جيش هوازن يتكون من 30 ألف مقاتل، وتولى القيادة مالك بن عوف، الذي جعل جميع المقاتلين يأخذون أموالهم ونسائهم وذريتهم في أرض المعركة، حتى يقاتلون لآخر قطرة دم ولا يفرون من القتال. وكان ضمن جيش هوازن دريد بن الصمة، وهو شيخ كبير عمره 160 سنة، لكنه كان على دراية بأمور القتال والسلاح. أنكر دريد على مالك أمر خروج النساء والأطفال والأموال إلى أرض المعركة. وهو من أشار عليه ألا يواجه النبي وجهًا لوجه، وقال له “إذا لقيت محمدًا وجهًا لوجه فاعلم أنك مهزوم”. واقترح على مالك أن يعمل كمينًا للنبي ويختبئ بين أشجار حنين.
يوم حنين
خرج النبي بجيش كبير، فاغتر المسلمين بعددهم، وقال بعضهم لن نهزم اليوم. عندما وصل النبي بالجيش على قمة الجبل ورأى الوادي مليء الأشجار، شعر بخطورة الموقف وأن هوازن تنصب كمينًا لهم. فأرسل صلى الله عليه وسلم، أنس بن أبي مرصد ليراقب الوادي نهارًا كاملًا. ولما عاد أخبر النبي أنه لم يرى شيئًا، فتأكد النبي من عدم وجود كمين.
كانت الكتيبة الأولى بقيادة خالد بن الوليد، والثانية بقيادة الزبير بن العوام، والثالثة بقيادة علي بن أبي طالب. نزلت كتيبة خالد بن الوليد أولًا إلى الوادي، وبمجرد نزولهم خرج عليهم جيش هوازن من بين الأشجار، فارتبك المسلمون وبدأ يعودون إلى الخلف في اتجاه مكة.
فرَّ الجميع ولم يثبت مع النبي سوى عدد قليل من أصحابه، وأجمع العلماء أنهم كانوا عشرة من الصحابة فقط. وكان ممن ثبتوا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل، وأسامة بن زيد، وأبو سفيان بن الحارث.
فنادى النبي بأعلى صوته “إلىَّ عباد الله أنا رسول الله”، فرد عليه عمه العباس وكان صوته عاليًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم “نادِ عليهم يا عباس”، فقال العباس: ماذا أقول؟، فقال النبي “قل يا أصحاب بدر”. وأنزل الله في هذه القصة قوله تعالى ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾.
عودة المسلمين للقتال
تجمع المسلمون من جديد حول رسول الله، ونزل صلى الله عليه وسلم من على فرسه وركب بغلته وذهب إلى جيش هوازن وهو يقول “أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب”. ثم أخذ النبي قبضة من تراب وألقاها على جيش هوازن، وقال العباس: ما رأيت أحدًا من هوازن إلا ويفرك عينيه أو فمه. ثم اشتد القتال مرة ثانية، ولجأ المسلمون إلى الله سبحانه وتعالى. قال تعالى ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.
أنزل الله سبحانه وتعالى سيدنا جبريل ومعه الملائكة إلى أرض المعركة، فرآهم الكفار على هيئة فرسان بيض، ورآهم المسلمون على هيئة نمل أسود على أجساد الكفار. وفي هذه الأثناء كان سيدنا خالد بن الوليد ساقطًا على الأرض وجسده ممزق بالطعنات، ولما رآه النبي تفل في يده ومسح جسده، فبرأ.
هزيمة جيش هوازن وتوزيع الغنائم
انتصر المسلمون في غزوة حنين، وهلع جيش هوزان وبدأ يفر من أرض المعركة. وتركوا خلفهم كل أموالهم، عشرات الآلاف من الإبل والغنم والأبقار، ومن الذهب والفضة. وعندما فروا جميعًا ورأى المسلمون الغنيمة، ذهب أبو سفيان إلى النبي ليأخذ نصيبه، فأعطاه 100 ألف من الذهب و 100 ألف من الفضة، ثم طلب لأبنائه فأعطاه النبي.
ثم جاء صفوان بن أمية وكان من المؤلفة قلوبهم، فأعطاه النبي 100 ألف من الذهب ومثلهم من الفضة، و100 ألف من الإبل. ويقول صفوان “وما زال محمدًا يعطيني حتى أحببته”. وكان نصيب النبي صلى الله عليه وسلم ما بين جبلين إبلًا. فنظر إليهم رجل من الأعراب، فقال له النبي: “أتعجبك؟”، قال الرجل “نعم”، فقال صلى الله عليه وسلم “هي لك”. ذهب الأعرابي إلى قومه فرحًا، وقال لهم “إن محمدًا يعطي عطاءً من لا يخشى الفقر أبدًا”.
نتائج غزوة حنين
قُتِل من هوازن عدد كبير، وكان ممن قًتِلوا دريد بن الصمة، فقال النبي “إلى النار وبئس المصير، إمام من أئمة الكفر، إن لم يُعِنْ بيده فإنه أعان برأيه”.
وكان عدد شهداء المسلمين في غزوة حنين أربعة شهداء: يزيد بن زمعة بن الأسود، سراقة بن الحارث، أيمن بن أم أيمن، أبو عامر الأشعري.
حصل المسلمون على غنيمة كبير، حوالي 6 آلاف من النساء والأولاد، وعدد لا يحصى من البقر والإبل والغنم والذهب والفضة. وكان من بين السبايا أخت النبي من الرضاعة شيماء بنت حليمة السعدية مرضعة النبي. فقالت للنبي “أختك شيماء بنت حليمة”، فنزع النبي برده وبسطه لها كي تجلس عليه.
ظهور النية الحقيقة لمن أسلم ظاهرًا، حيث صرح بعضهم يوم حنين بالكفر عندما شعروا بالهزيمة. ومنهم من شمت في المسلمين، ومنهم من حاول قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
المصادر:
العسقلاني: فتح الباري.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
موقع موضوع: بحث عن غزوة حنين.
موقع قصة الإسلام: غزوة حنين تداعيتها ونتائجها.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق