كانت غزوة فتح خيبر فتحًا عظيمًا على المسلمين وكسرًا لشوكة اليهود، الذين لم يتركوا فرصة للغدر إلا اغتنموها. لقد كانت خيبر بيئة مليئة بالكراهية والحقد على النبي وأصحابه، خاصة بعد هجرة يهود بني النضير إليها. وعندما أمِن النبي جانب قريش بعد صلح الحديبية، سنحت له فرصة الانتقام وأخذ الثأر من بني النضير.
متى كانت غزوة خيبر؟
وقعت غزوة خيبر بين المسلمين واليهود في السنة السابعة من الهجرة، قيل في شهر محرم، وقيل في صفر أو ربيع الأول. وكان فتح خيبر بعد عقد صلح الحديبية بين النبي وبين قبيلة قريش، تقريبًا بعشرين يومًا. وخرج معه حوالي 1800 مقاتل وهم الذين شاركوا في صلح الحديبية، وسلم الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
سبب غزوة خيبر
كان سبب غزوة خيبر ودافع النبي لهذا الفتح المبين هو التخلص من قوة اليهود بعد أن قيد قريش بصلح الحديبية. لقد كان اليهود وقريش جزء كبير في جيش الأحزاب، ولعب يهود خيبر دورًا كبيرًا في توحيد القبائل العربية وجمع جيش كبير حاصر المدينة في غزوة الخندق. ويهود خيبر هم يهود بني النضير الذين طردهم النبي صلى الله علي وسلم من المدينة، بسبب غدرهم ومحاولتهم اغتياله وهو ضيف في ديارهم. لكنهم حملوا حقدهم في قلوبهم، وأصبحوا قوة في خيبر تهدد المسلمين. فرأى النبي وجوب التخلص منهم ومن شرورهم حتى يتفرغ لنشر الدعوة الإسلامية.
لماذا سميت غزوة خيبر؟
سميت غزوة خيبر بهذا الاسم نسبة إلى مدينة خيبر موطن اليهود. اشتهرت المدينة بحصونها المنيعة، والمياه التي تجري تحت الأرض، وطعامها الوفير الذي يجعلها صامدة على حصار سنوات. كانت خيبر مدينة غنية بفضل عمل اليهود بالربا مع البلدان المجاورة، وبها 10 آلاف مقاتل يجيدون القتال والرمي.
وكانت حصون خيبر عائق كبير أمام جيش المسلمين، حيث اشتهر اليهود دائمًا بحصونهم المنيعة التي يختبؤون خلفها. وبذلك فكانوا أهل حصون وسلاح وماء وطعام وفير يكفيهم حتى لو حاصرهم المسلمين لسنوات. ولم يكن لدى المسلمين أدنى خبرة في التعامل مع الحصون في القتال، فشكل هذا عائقًا أمامهم. وكان اليهود لا يظنون بغزو النبي لهم بسبب حصونهم، فقالوا:” محمد يغزونا؟، هيهات، هيهات”.
كانت خيبر بؤرة عداوة للمسلمين، وهم الذين جمعوا الأحزاب والأعراب وتواصلوا مع المنافقين، ونجحوا في استمالة يهود بني قريظة إليهم في حربهم. فلم يجد النبي طريقة للتعامل معهم سوى التخلص منهم بشكل نهائي، حتى تهدأ الجزيرة العربية، ويعيش المسلمين في سلام.
قصة غزوة خيبر
كان المسلمون بعد صلح الحديبية مفعمين بالإيمان، مستبشرين بالفتح الذي بشرهم الله به في قوله تعالى ﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾.
لم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم بخروج المنافقين معه إلى الغزو، وخرج معه فقط أصحاب الشجرة الذين بايعوه في بيعة الرضوان. وقد وعد الله المؤمنين الذين حضروا الحديبية بغنائم كثيرة في فتح خيبر، وخصها لهم دون غيرهم.
قاد النبي جيش المسلمين في غزوة خيبر وساروا حتى نزلوا بوادي يقال له “الرجيع” بين يهود خيبر وقبيلة غطفان التي كانت تدعمهم. فنزل النبي بينهم حتى يمنع وصول مساعدات غطفان إليهم. ولما سمعت غطفان بذهاب النبي إلى حلفائهم خرجوا بالفعل لمساندتهم، لكنهم رجعوا مسرعين إلى ديارهم خوفًا من ذهاب المسلمين إليهم.
وعندما أصبح الجيش على مشارف خيبر، وقف النبي ودعا الله قائلًا: “اللهم رب السماوات السبع وما أظلَلْن، ورب الأرَضين السبع وما أقلَلْن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها”.
وعندما رأى اليهود المسلمين فزعوا من هول المفاجأة، وهربوا إلى حصونهم، بينما كانت معنويات الصحابة مرتفعة، وعلى استعداد لبذل أنفسهم في سبيل الله.
أحداث المعركة
حاصر المسلمين خيبر، وأخذ النبي يلهب حماستهم للقتال، فقال لهم ” لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله”. تحمس الصحابة وتمنوا جميعهم أن ينالوا هذه المكانة العظيمة، وعندما أصبحوا قال صلى الله عليه وسلم ” أين علي بن أبي طالب؟”، وكان علي رضي الله عنه يشتكي عينيه. بصق النبي في عينيه ودعا له فشفاه الله وسلمه الراية. وأوصاه أن يدعوا اليهود إلى الإسلام قبل القتال، فقال له ” فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النعم”.
كانت خيبر مليئة بالحصون الكبيرة والصغير، فلم يعرف المسلمون من أي حصن يبدؤون. لم يستجب يهود خيبر لدعوتهم إلى الإسلام، وأخرجوا أقوى مبارز لديهم، وكان اسمه مرحبًا. خرج له الصحابي عامر بن الأكوع، لكنه قتل نفسه بالخطأ، فأحبط الصحابة وقالوا أحبط عمله، فقال النبي ” بل له أجران”.
ارتفعت الروح المعنوية لليهود وطلب “مرحبًا” أن يخرج له منافس جديد، فخرج له علي بن أبي طالب وانتصر عليه وقتله. تزعزع اليهود وشعروا بالرعب لقتله، لأنه كان رجلًا قويًا يظنون أن لا أحدًا يقدر عليه، فخاب أملهم. ثم خرج أخوه ياسر ليثأر له، فقتله الزبير بن العوام، وعاد الحماس للمسلمين.
حاصر المسلمون حصن ناعم، وتواصل القتال عدة أيام، حتى تسلل اليهود من الحصن ليلًا، وذهبوا إلى حصن الصعب بن معاذ، فاحتله المسلمون.
مجاعة المسلمين في خيبر
انتقل جيش المسلمين لحصار حصن الصعب بن معاذ، وكان هذا الحصار شديدًا عليهم فتعرضوا للجوع. لم يكن هناك ما يأكله الجيش، فذبح أحد الرجال الحمير وكانت وقتها غير محرمة، وتأكلها العرب في ظروف معينة. عندما رأى النبي النار، وعلم بقصة ذبح الحمير نهى عن أكلها وقال “لا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا”.
على الرغم من أن لحم الحمير أصبح جاهزًا، وكان الصحابة ينتظرون تناوله حتى يسدوا جوعهم، لكن امتنعوا جميعًا عن أكله بمجرد نهي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم لجأ جيش المسلمين في خيبر إلى الله عز وجل، كي يفتح لهم أبواب رحمته. دعا النبي الله “اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا”، وكان الصحابة يؤمنون خلفه.
فتح خيبر
بعد لجوء المسلمين إلى الله، نجحوا في فتح حصن الصعب بن معاذ في اليوم التالي. كان الحصن مليئًا بالطعام والشراب، فأكلوا وشبعوا واستكملوا حربهم. ثم انتقلوا إلى حصن الزبير وكان حصن منيع فوق قمة جبل، لا تقدر عليه خيل ولا رجال. استمر الحصار 3 أيام، وعندما قطع النبي عنهم الماء بفضل استسلام واحد منهم، خرجوا من جحورهم وحاربوا، حتى هزموا شر هزيمة.
ظل اليهود ينتقلون من حصن إلى آخر، والمسلمون ينتصرون عليهم. وعندما لم يجد يهود خيبر سبيل للنجاة خرجوا للمفاوضة، وسألوا النبي أن يبقيهم مقابل نصف ما يخرج من أرض خيبر. وافق النبي على ذلك، على أن يخرجهم منها متى شاء.
نتائج غزوة خيبر
فتح الله على المسلمين أرض خيبر، وغنموا ما فيها من غنائم كثيرة، كما وعدهم الله بها.
سمع يهود فدك ما حدث مع يهود خيبر، فجاؤوا إلى النبي يطلبون الصلح، فحقن دمائهم وأبقاهم في أراضيهم مقابل نصف الثمر. ثم استسلم يهود وادي القرى، ثم يهود تيماء.
كانت السيدة صفية بنت حيي بن أخطب من جملة السبي، فأعتقها النبي وتزوجها.
استشهد 16 رجلًا من المسلمين في خيبر، وقيل 18 شهيدًا. وقُتِل من اليهود 93 قتيلًا.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن حجر: فتح الباري:
سيرة بن هشام.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *