غزوة مؤتة أو سرية مؤتة كانت أول معركة للمسلمين خارج شبه الجزيرة العربية مع الروم والغساسنة. قاتل واستشهد فيها قادة الدولة الإسلامية الثلاثة الذين عينهم رسول الله على الجيش. وتعرض المسلمون لمحنة عظيمة، لكنهم استطاعوا النجاة بفضل ذكاء وحنكة سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
متى كانت غزوة مؤتة؟
وقعت غزوة مؤتة في جمادى الأول سنة 8 من الهجرة، في بلدة مؤتة التابعة لمحافظة الكرك. وعلى الرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يشارك فيها لكنها سميت غزوة، وذلك لأنه من أعطى الأمر بها وجهزها. وقعت الغزوة بين المسلمين من جهة والروم والغساسنة من جهة.
والغساسنة قبائل عربية، كانت تسكن الجنوب في اليمن، ثم هاجروا بعد انهيار سد مأرب. بعد هجرتهم نزلوا عند عين ماء يقال لها “غسان”، ومن هنا أخذوا لقب الغساسنة. رحلت هذه القبائل إلى جنوب الشام، تقريبًا عام 400 م، وسيطروا على جنوب شرق الشام وصحراء الأردن. بعد ذلك أسسوا دولة لهم بين الساسانيين وسوريا، وتحالفوا مع الروم.
سبب غزوة مؤتة
بعد أن هزم المسلمين جيش الأحزاب وعقدوا صلح الحديبية مع قريش، أرسل النبي الرسائل إلى ملوك الدول المجاورة، ودعاهم للإسلام. وكان أول من بعث إليهم برسل، ملك بصرى، وأرسل له رسالة مع الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي. لكن اعترض طريقه والي البلقاء، شرحبيل بن عمرو الغساني، وضربه حتى قتله.
عندما وصل الخبر إلى النبي، غضب غضبًا شديدًا، لأن ما حدث ضد العرف الخاص بالرسل. فكان معروف وقتها أن الرسل لا يقطع طريقها ولا تقتل، ورأى صلى الله عليه وسلم، أن هذا بمثابة إعلان حرب على المسلمين، فجهز جيشًا لمحاربة الروم.
تجهيز الجيش للمعركة
جهز النبي جيشًا من 3 آلاف محارب، وسلم القيادة لزيد بن حارثة، وإن قُتِل يتسلم أمر الجيش جعفر بن أبي طالب، وإن قُتِل جعفر أيضًا، فالأمر لعبد الله بن رواحة. وقال لهم صلى الله عليه وسلم، “اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء”.
خرج الجيش بقيادة زيد بن حارثه، حيث عقد النبي لواءً أبيضًا وسلمه له، ونزلوا في منطقة معان. كان عدد المسلمين 3 آلاف فقط، بينما كان عدد جيش الروم 100 ألف مقاتل بيزنطي، بالإضافة إلى 100 ألف من الغساسنة العرب والنصارى، ونزلوا بمآب في أرض البلقاء.
تفاجأ المسلمون بالعدد الكبير لجيش الروم، ولم يعرفوا كيف يواجهوا هذا الجيش وعددهم 3 آلاف فقط. اقترح البعض أن يعرضوا الأمر على رسول الله، كي يمدهم بالرجال، أو يأمرهم بالتقدم. وهنا تحدث الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة في الجيش وقال “يا قوم والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة”.
أحداث المعركة
بعد أن نزل المسلمون ليلتين في معان، تحركوا وعسكروا في مؤتة، وجعلوا على الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة العذري. وقرر زيد بن حارثة بدء الهجوم على البيزنطيين بعد صلاة الفجر. وكان اليوم الأول والثاني في صالح المسلمين، لأنهم باغتوا قوات الروم، الذين لم يتوقعوا أن يبدأ هذا الجيش الصغير الهجوم عليهم.
نجح المسلمون في قتل عدد من جيش الروم، لكن انقلب الأمر عليهم في اليوم الثالث، وهجم عليهم الروم، فقُتِل زيد بن حارثة. أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وقاتل بكل قوته حتى قطعت يده اليمنى، فأمسك الراية بشماله حتى قطعت أيضًا، فاحتضنها بين عضديه، حتى استشهد. يقول عبد الله بن عمر: “وجدنا جعفر قتيل، وبه 50 طعنة وضربة”. وقال النبي صلى الله عليه وسلم، ” رأيت جعفر يطير مع الملائكة”، وكان هذا عوضًا من الله له. بعد استشهاد جعفر، تسلم الراية عبد الله بن رواحة، وظل يقاتل بشجاعة حتى استشهد أيضًا.
دور خالد بن الوليد في غزوة مؤتة
بعد استشهاد القادة الثلاثة الذين عينهم رسول الله، اختار الناس خالد بن الوليد قائدًا لهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر الناس في المدينة بأحداث المعركة قبل أن تأتيه الأخبار فقال “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم”.
قاد خالد بن الوليد جيش المسلمين وهو منهار، ونجح بمهارته الحربية في تخليص المسلمين من مصير صعب. استطاع رضي الله عنه في الصمود طوال النهار أمام جيش الروم، وقاتل ببسالة منقطعة النظير. وقال رضي الله عنه في صحيح البخاري “لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية”.
وفي اليوم الثاني وضع خطة عبقرية، تعتمد على الحرب النفسية لجيش الأعداء. وكانت الخطة كالتالي:
قام بتغير أوضاع الجيش وغير الرايات، وأعاد ترتيبه من جديد، فجعل الميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة. وكان ذلك حتى يعتقد الروم أن هناك مدد جاء إليهم، فيهابوا المسلمين.
أمر الجنود بنثر الغبار خلف الجيش، حتى يظن الروم أن هناك جيش قادم.
جعل جميع أفراد الجيش يكبرون ويهللون، فكان الصوت عظيمًا وقذف الله الرعب في قلوب الروم.
وكان آخر جزء في المكيدة الحربية، هو انسحاب خالد بن الوليد من غزوة مؤتة. فجعل الجيش ينسحب إلى الخلف رويدًا رويدًا وبطريقة منظمة، فظن الروم أن هذه خطة لسحبهم إلى الصحراء، ولم يطاردوا المسلمين. وبهذه الطريقة عاد المسلمون إلى المدينة سالمون، بفضل ذكاء سيف الله المسلول وحنكته الحربية.
شهداء مؤتة
كان عدد قتلى المشركين في غزوة مؤتة كبير للغاية، فقد وصل إلى 3350 قتيل. أما شهداء المسلمين في مؤتة فلم يتعدوا 12 شهيدًا، وهم:
زيد بن حارثة.
عامر بن سعد.
مسعود بن الأسود.
جابر بن أبي صعصعة.
وهب بن سعد.
سراقة بن عمرو.
عبادة بن قيس.
الحارث بن النعمان.
عمرو بن سعد.
أبو كلاب بن أبي صعصعة.
نتائج غزوة مؤتة
عندما عاد الجيش إلى المدينة، اعتبره الناس هزيمة كبيرة وفرار من الحرب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله”. وعاد المسلمون إلى الروم في السنة التالية بجيش قوامه 30 ألف مجاهد، وانتصروا عليهم في غزوة تبوك.
ذهب صلى الله عليه وسلم إلى أسماء بنت عميس زوجة ابن عمه جعفر بن أبي طالب، وقال لها “ائتيني ببني جعفر” فقبلهم وبكى”، وصاحت زوجته واجتمع عليها النساء. ثم قال لأهله “لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعامًا، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم”.
لم ينتصر المسلمون في مؤتة، لكنهم نجحوا في كسب الثقة وكسر هيبة الروم لدى القبائل العربية. لقد عاد جيش قوامه 3 آلاف مقاتل بكامل قواته وعتاده دون ضرر يذكر، رغم أنهم واجهوا 200 ألف مقاتل، وهذا نصر عظيم.
المصادر:
ابن حجر: فتح الباري.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
سيرة بن هشام.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *