لم يكن فتح أرمينيا في عهد عثمان بن عفان المرة الأولى التي يحاول فيها المسلمون غزو هذه البلاد. فقد كانت المرة الأولى في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما أرسل عياض بن غنم بجيش لإتمام فتح الجزيرة الفراتية سنة 18 من الهجرة. ونجح الجيش في الوصول إلى أرمينية وفتح مدن مثل الخابور وسنجار وماردين وقسمًا من أرمينية البيزنطية وصالح أهلها على الجزية. وفي سنة 21 من الهجرة، توجهت حملة أخرى إلى باب الأبواب بقيادة سراقة بن عمرو وصالح أميرها على الجزية أيضًا. وفي عهد عثمان بن عفان عاد المسلمون لفتح باقي أجزاء أرمينية بقيادة حبيب بن مسلمة الفهرى.

لكن خلال فتنة عبد الله بن الزبير انتفضت أرمينية على الحكم الإسلامي. وبعدما استتب الأمر لبني أمية أعادوا إرسال الجيوش إليها وضموها مجددًا إلى الدولة الإسلامية وفتحوا أجزاء جديدة.

 

خلفية تاريخية عن وضع الأرمن

كانت أرمينيا تعتنق الديانة المسيحية منذ سنة 301 م. وكانت تقع بين الإمبراطورية الساسانية والامبراطورية البيزنطية، لذلك كانت عرضة لتنازع الطرفين عليها طوال الوقت. فأحيانًا كان يسيطر الفرس على الجزء الأكبر، وأحيانًا أخرى يرجع البيزنطيون ويستحوذون عليها من جديد. ولم تكن أرمينية ميدانا لصراع الفرس والروم فقط، بل طمع فيها أيضًا أمم أخرى مجاورة مثل الخزر. وبين جميع هذه الأطراف كان أمراء الأرمن وسكانها يتنازعون فيما بينهم، وبعضهم يدين بالولاء للفرس، والبعض الآخر يخلص للروم.

وبالنظر إلى طبيعة التكوين السكاني، سنجد أن أرمينيا كانت تتشكل من كثير من الأقوام كالتالي:

الخزر: قوم من أصل تركي ومن أكبر الأقوام التي سكنت المنطقة، وكانوا يتمركزون في المنطقة الشمالية الغربية على ساحل بحر قزوين. ورغم أنهم أتراك لكن كانت لهم لغة خاصة لا يتكلم بها غيرهم. كما كانت علاقتهم وطيدة مع الدولة البيزنطية ويقفون معها ضد الفرس.

الكرد: وكانوا من جملة السكان، وبدأ ظهورهم في أرمينية في القرن التاسع الميلادي. وقيل أنهم وفدوا إليها من أذربيجان، وتذكر بعض المصادر أنهم وفدوا من شرق إيران وتجمعوا في المنطقة المعروفة اليوم بكردستان، ثم اندمجوا مع السكان وصاروا أمة واحدة.

الأرمن: وهم سكان أرمينية الأصليين وينتسبون إلى العرق الأري. وقيل أنهم ينحدرون من نفس الشعب الذي انحدر منه الإغريق، ثم انقسموا إلى قسمين: قسم سكن الجنوب الشرقي للقفقاس، وقسم آخر استوطن المنطقة المحيطة بجل أرارت بما فيها مدينة قاليقلا.

اللكز: وهم قوم استوطنوا سلسلة جبال القفقاس وجبال القبق، واشتهروا بأجسامهم وأشكالهم الضخمة.

الصغديون: كانوا يسكنون مدينة صغدبيل قبالة تفليس، وهم إيرانيون يرجع أصلهم إلى بلاد فارس.

الدودانية: كانوا قوم جاهلية لا يعرف لهم أصل، وادعوا بأنهم ينتسبون إلى العرب.

الضارية: وكانوا مسيحيين يسكنون بين قلعة باب اللان وتفليس، وقيل أن أصلهم من العرب.

 

أسباب فتح أرمينيا

بعدما انتهى المسلمون من فتح الجزيرة الفراتية سنة 17 أو 19 من الهجرة، وجدوا أنفسهم على حدود أرمينية. وهذا يعني أن الجزيرة الفراتية تقع جنوب أرمينية مباشرة وتمثل مخاطر كبيرة على البلاد التي فتحها المسلمون وطردوا منها الروم. وبهذه الطريقة تكون أرمينية قاعدة أمامية للروم يمكن أن يهجموا منها مباشرة على المسلمين. لذلك لم يكن هناك سبيل سوى فتح أرمينيا لتأمين الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، وأيضًا كي تكون قاعدة لانطلاق الفتوحات إلى الشمال حيث يتمركز الروم.

في سنة 22 من الهجرة، فتح المسلمون أذربيجان وصاروا على الحدود الشرقية لأرمينية. لذلك بدأوا يفكرون في فتحها وتقدموا نحو مدينة باب الأبواب من كورة أران لمطاردة فلول الجيش الفارسي المنسحب، حتى لا يعيدوا تنظيم صفوفه ويعودون لمهاجمتهم.

 

فتح أرمينيا في عهد عمر بن الخطاب

تشجع المسلمون بعد انتصاراتهم المتتالية  وفتحهم للجزيرة الفراتية وأذربيجان، فتوغلوا داخل حدود أرمينيا. وكان الصحابي الجليل عياض بن غنم الفهري أول من توجه إلى أرمينية فاجتاز الدَّرب وهو الطريق ما بين طرسوس وبلاد الروم. وأخذ يفتح مدينة وراء الأخرى وتوجه أولًا إلى أرزن وبدليس وفتحها عن طريق الصلح مع ملكها مقابل الجزية، وتركه ملكًا على قومه حتى يموت.

بعد ذلك توجه عياض إلى أخلاط، ولم يقبل ملكها اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، لكن ابنته “طاريون” اعتنقت الإسلام هي وزوجها “يرغون”. ثم اقنعت والدها بالتنازل عن العرش وبعدها قتلته، وانضمت بجيشها إلى المسلمين ودارت معركة كبيرة كللت بالنصر. وبعد أن جعلها عياض على قومها عاد إلى العراق. ثم استكمل فتوحات أرمينية عثمان بن أبي العاص، وبعده سراقة بن عمرو. ونجح المسلمون في فتح باب الأبواب وموقان.

 

فتح أرمينيا في عهد عثمان بن عفان

بعد استشهاد عمر بن الخطاب سنة 23 من الهجرة، تولى خلافة المسلمين عثمان بن عفان وأخذ قرار فتح أرمينية بشكل نهائي وضمها لحدود الدولة الإسلامية. لذلك كتب إلى معاوية بن أبي سفيان عامله على الشام والجزيرة الفراتية، أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى الأراضي الأرمينية. وكان حبيب له أثر جميل وباع طويل في فتوحات الشام، فخرج ومعه 6 آلاف وقيل 8 آلاف من أهل الشام والجزيرة الفراتية.

وصل حبيب إلى قاليقلا وأقام فيها، فخرج إليه سكانها لقتاله، لكنه هزمهم فتراجعوا داخلها وطلبوا الجزية أو الجلاء. ثم قام معاوية بن أبي سفيان بتسكين ألفيّ رجل بقاليقلا وأعطاهم أراضي وجعلهم مرابطين بها

وبعد شهر بلغه أن بطريرك بلاد أرميناقس وكان يدعى المورديان، قد جمع جيشًا مكونًا من 80 ألف من الروم والترك، لقتال المسلمين. استغاث حبيب بمعاوية بن أبي سفيان، فكتب إلى الوليد بن عقبة أن يرسل له الإمدادات. وخرج 6 آلاف وقيل 12 ألف مقاتل، من الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي، وباغتوا الروم ليلًا، فهزموهم هزيمة ساحقة، وقتلوا قائدهم المورديان.

سار حبيب وسلمان إلى مربالا فأتاه بطريرك أخلاط بما على أهلها من مال. وبعده جاء صاحب مكس وأصحاب عدد من القرى والبلدان يعرضون الصلح ويقدمون الجزية. ثم فتح قرية أردشاط، وحاصر دُبيل فقاتله أهلها حتى استسلموا وطلبوا الصلح. ثم فتح المسلمون سراج طير وبغروند ومدينة النشوى والسيسجان وجرزان وتفليس والكثير من المدن والقرى.

 

 فتح عموم أرمينية

نجح مسلمة في بسط نفوذ الدولة الإسلامية على نهر الفرات وأودية نهر الرس والمناطق الجبلية المرتفعة وقاليقلا وتفليس والبيلقان وأعاد فتح الأبواب. لكن كان بعض القادة الأرمن يدينون بالولاء للامبراطورية البيزنطية رغم الاختلاف المذهبي مثل تيودور الرشتوني الذي عينه هرقل قربلاطًا على أرمينية البيزنطية. تصدى تيودور لبعض الحملات الإسلامية، لكن لما فتح المسلمون الجبال الأرمينية وأثبتوا قدرتهم العسكرية تخلت عنه بيزنطة ولم يعد قادرًا على الصمود. لذلك اضطر إلى إجراء مفاوضات مع المسلمين، وتم الاتفاق بشروط معينة مثل، الاعتراف باستقلال الأرمن وبسيادتهم على أراضيهم. على أن يعينوا حاكمًا أرمينيًا عامًا. وتقديم 15 ألف جندي أرمني لخدمة الدولة الإسلامية. وألا يساعد الأرمن أعداء المسلمين، وأن يدافع عنهم المسلمين ضد أي غزو بيزنطي.

وبعد ذلك توقفت حركة الفتوحات بسبب اضطراب الأحوال الداخلية في نهاية عهد عثمان بن عفان. واستعاد البيزنطيون سيطرتهم مرة ثانية على أرمينية لفترة من الوقت حتى عصر الدولة الأموية.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الحموي: معجم البلدان.

المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر.

البغدادي: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع.

محمد سهيل طقوش: تاريخ الخلفاء الراشدين.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات