كان فتح الأندلس من أهم فتوحات الدولة الأموية في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك. وكانت المنطقة تعرف بشبه جزيرة أيبيريا، وبعدما فتحها المسلمون بقيادة طارق بن زياد أصحبت تعرف ببلاد الأندلس. كان يحكم هذه المنطقة القوط الغربيين، وكان آخر ملك لهم يدعى “لذريق أو رودريك”، وهو الذي قاد الجيش ضد المسلمين في معركة وادي لكة، وتعرض لهزيمة ساحقة، اختفى بعدها اختفاء تام، ولم يذكر اسمه في التاريخ مرة ثانية. وبدأ فتح الأندلس من عام 92 هـ، وحتى أخر عام 95 هـ، عندما وصل أمر الخليفة بالتوقف والعودة.

 

سبب فتح الأندلس

كانت هناك عدة أسباب أدت إلى فتح الأندلس كالتالي:

الرغبة في توسع حدود الدولة الأموية

بعد أن نجح موسى بن نصير في فرض سيطرته على بلاد المغرب، أخذ يفكر في وجهة غزو جديدة. وبعد أن وصل إلى المحيط الأطلسي غربًا، كان أمامه طريقين، إما ناحية الجنوب في اتجاه الصحراء الإفريقية حيث القحط والفقر، أو عبور المضيق للشمال. اختار موسى بن نصير العبور للشمال، حيث الموارد الاقتصادية الغنية.

رسالة يوليان حاكم سبتة

كان يوليان حاكم سبتة حاقدًا على لذريق، ولديه رغبة في الانتقام منه. لذلك بعث برسالة إلى طارق بن زياد والي طنجة، وعرض عليه عبور المضيق وغزو إسبانيا. قدم يوليان أيضًا عرضًا بمساعدته، كما لعب دور الوسيط بين المسلمين وأتباع الملك السابق غيطشة.

أوضاع شبه الجزيرة الأيبيرية المضطربة

كان القوط في حروب داخلية وصراع على الحكم بين أتباع الملك الحالي لذريق، والملك السابق غيطشة. كان لذريق قد ثار على الملك غيطشة وانتزع منه العرش، وهذا ما سيكلفه هزيمة كبيرة أمام المسلمين بعد تعرضه للمؤامرة.

كما كان السكان أيضًا يعانون من كل أشكال الظلم والاضطهاد، بسبب نظام الطبقية الذي كان يضع طبقة الحكام والنبلاء والأعيان في المقدمة. وكان باقي السكان يعاملون معاملة العبيد، ويعانون من كثرة الضرائب والإتاوات. ولما تولى لذريق الحكم زاد الوضع سوءً، ورفع الضرائب، فلم يعد السكان يتحملون كل هذا الظلم. لذلك لم يجد المسلمون أي مقاومة من الأهالي وغالبية الحكام.

 

حملة طريف بن مالك

أرسل طارق بن زياد رسالة إلى والي إفريقية موسى بن نصير في القيروان وأخبره بأمر يوليان. وجد ابن نصير أن الأمر يحتاج إلى مشورة الخليفة في دمشق، فبعث إليه برساله. ثم جاءه الرد من الخليفة الوليد بن عبد الملك، يأمره أن يرسل السرايا قبل الجيوش ويستطلع الأمر، حتى لا يعرض الجنود لأهوال البحر.

نفذ موسى النصيحة وأرسل حملة استطلاعية من 100 فارس و400 رجل بقيادة طريف بن مالك. خرجت الحملة على 4 مراكب أعدها يوليان، في شهر رمضان سنة 91 هـ. ونزل المسلمون في جزيرة عرفت لاحقًا بجزيرة طريف. وفيها التقى طريف بأتباع الملك غيطشة وأحد أحبار اليهود، كان اسمه “يعقوب”. وتم الاتفاق على خلق قوة قوطية معارضة للملك لذريق بمساعدة المسلمين.

ثم شنَّ طريف بن مالك عدة حملات وغارات على الساحل الجنوبي للأندلس وخاصة الجزيرة الخضراء. ووقف على وضع السكان والتحصينات، ثم حمل الغنائم وعاد إلى المغرب.

 

عبور طارق بن زياد إلى الأندلس

بعد أن عاد طريف بن مالك بالأخبار السارة، وتأكد موسى بن نصير من صدق يوليان، بدأ التجهيز للفتح. وفي رجب سنة 92 من الهجرة، جيشًا من 7 آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد. ثم عبر الجيش المضيق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وعرف المضيق لاحقًا بمضيق جبل طارق.

وفي نفس الوقت الذي عبر فيه طارق بحر الزقاق، كان لذريق ملك القوط يقاتل في الشمال لإخماد ثورة الباسك. ويقول بعض المؤرخين أن يوليان لعب دورًا كبيرًا، من خلال المعلومات القيمة التي زود بها طارق بعد عبوره. كما أن قيام تمرد في الشمال وقت عبور المسلمين ليس صدفة، بل كان لسحب لذريق بعيدًا، وفتح المجال لطارق وجيشه.

خاض طارق بن زياد عدة معارك، ونجح في فتح الجزيرة الخضراء. ثم استغاث أحد حكام المقاطعات الجنوبية بالإمبراطور  لذريق، وقال له “أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة.. النجدة، والعودة على عجل”.

 

معركة وادي لكة

لما علم لذريق بدخول المسلمين لشبه الجزيرة الأيبيرية، حشد جيشًا كبيرًا. كما طلب الدعم من جميع النبلاء حتى أبناء غيطشة أعداءه، الذين كانوا ضمن جيشه ظاهريًا فقط، وظلوا على خطتهم واتفاقهم مع المسلمين.

لما علم طارق بن زياد بقدوم لذريق أرسل إلى موسى بن نصير يطلب المدد، فأمده بـ5 آلاف بقيادة طريف بن مالك. وبحسب المصادر العربية كان عدد المسلمين 12 ألف فقط، بينما كان جيش لذريق 100 ألف جندي، وقيل أقل أو أكثر من ذلك. لكن المصادر الغربية تقول أن الأعداد كانت قليلة، فبعض المصادر تقول أن عدد المسلمين كان ألفين جندي فقط، وأن عدد جيش القوط كان 33 ألف.

التقى الجيشان في 28 رمضان سنة 92 من الهجرة، في موقع يقال له البحيرة أو وادي بكة أو وادي لكة أو وادي برباط. استمرت المعركة بشكل عنيف لمدة 8 أيام، وانتهت بهزيمة الملك لذريق بسبب تعرضه للخيانة من أتباع الملك غيشطة.

كما ذكر بعض المؤرخين الغربيين المعاصرين، أن اليهود ساهموا في انتصار المسلمين في معركة وادي لكة. حيث كانوا يتعرضون للاضطهاد ويعاملون معاملة سيئة، فوجدوا أن المسلمين فرصتهم الوحيدة للنجاة.

خسر القوط عددًا كبيرًا من الجنود خلال المعركة وتعرضوا لهزيمة كبيرة. بينما خسر المسلمون 3 آلاف جندي. وبالنسبة للملك لذريق فقد اختفى اسمه تمامًا من التاريخ بعد هذه المعركة. وهناك من يقول أنه غرق في البحيرة عندما حاول الهروب خلال المعركة.

 

استكمال فتح الأندلس

بعد الانتصار العظيم في وادي لكة، أرسل موسى بن نصير للخليفة الوليد بن عبد الملك يبشره بالفتح، ففرح الوليد وسمح له باستكمال الطريق. وقيل أن المتطوعين المسلمين بدأ يتوافدون على جيش طارق بن زياد من كل مكان.

قبل توغله، قسم طارق جيشه إلى 4 أقسام، وأرسل كل قسم إلى مدينة. ثم بدأ يفتح مدينة وراء الأخرى، قرطاجنة والجزيرة الخضراء وقرطبة وحتى طليلطلة عاصمة القوط. وفي أقل من سنة فتح المسلمون جنوب ووسط أيبيريا وثبتوا أقدامهم في الأندلس. وبدأ البربر يهاجروا للشمال ويستقروا فيه.

ثم خرج موسى بن نصير من القيروان بجيش مكون من 10 آلاف مقاتل، معظمهم من القبائل اليمنية والقيسية والشامية. اتجه إلى الغرب وأخذ طريقًا آخر غير الذي سلكه طارق بن زياد. وفتح كل المدن التي كانت في طريقه بما فيهم أشبيلية. وظل يلاحق فلول القوط حتى وصل طليلطة في اتجاه طارق بن زياد. وقضى القائدان الشتاء معًا في طليطلة سنة 95 هـ.

ومع دخول فصل الربيع، خرج طارق بجيشه إلى إقليم سرقسطة، وفتح المدن التي تقع في طريقه مثل برشلونة. وبينما كان موسى بن نصير متوجهًا إلى إقليم غاليسيا أو جليقية الواقع شمال غرب إسبانيا، وصلته رسالة من الخليفة بالتوقف والعودة. تباطأ موسى في تنفيذ الأمر وفتح جزء كبير من الإقليم ومعه طارق. لكن وصلته رسالة ثانية من الخليفة الوليد بن عبد الملك فاضطر للعودة.

 

عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق

غادر موسى بن نصير وطارق بن زياد الأندلس في أواخر عام 95 من الهجرة. وذكر المؤرخون أن ولي العهد سليمان بن عبد الملك طلب من موسى بن نصير ألا يدخل دمشق وينتظر في فلسطين حتى وفاة أخيه الوليد الذي كان على فراش الموت. وكان سليمان يريد أن ينسب إليه الفضل في فتح بلاد الأندلس. لكن موسى دخل دمشق برفقة طارق وقدم تقريرًا إلى الوليد بن عبد الملك بأمور الفتح والغنائم.

وخلال شهور قليلة مات الوليد وتسلم سليمان عرش الدولة الأموية، وانتقم من موسى بن نصير فعزله هو وأولاده. وأما طارق بن زياد فانقطعت أخباره بعد دخوله الشام. وهناك من قال أنه لم يتولى عملًا بعد ذلك، وابتعد عن مسرح الأحداث حتى وفاته سنة 720 هـ.

 

 

 

اقرأ أيضًا: فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب

 

 

المصادر:

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

محمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس.

ابن عذاري: البيان المُغِّرب في أخبار الأندلس والمغرب، الجُزء الثاني.

ابن القوطية: تاريخ افتتاح الأندلس.

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات