كان فتح خراسان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، متممًا للفتح الإسلامي لبلاد فارس. وقد تم الفتح سنة 22 من الهجرة تقريبًا، على يد القائد المسلم الأحنف بن قيس. لقد كانت خراسان المحطة الأخيرة والتي بفتحها أُغلِق دفتر الفرس إلى الأبد وانتهت الإمبراطورية الفارسية.

وقد قسم عمر بن الخطاب الجيش الإسلامي المتوجه إلى فتح فارس إلى ثلاثة أقسام: قسم قَدِم من الكوفة لفتح المنطقة الشمالية ونجح في فتح جرجان وطبرستان. وقسم لفتح منطقة الجنوب، وقد فتح إقليم فارس وسجستان ومكران. والقسم الثالث جاء من البصرة وتوجه إلى عمق الدولة الفارسية متجهًا إلى أقصى الشرق حيث خراسان.

وبفتح خراسان أصبحت الدولة الإسلامية على حدود الصين. لكن قبل فتحها، كان يجب على الجيش الإسلامي فتح عدة مدن ومناطق، حتى يصير أمرها أسهل. لذلك فتح المسلمون المناطق التالية أولًا:

 

فتح الأهواز

بعد أن تعرض يزدجرد كسرى فارس لمؤامرة من حاكم الرّيّ هرب منها إلى خراسان. ثم استقر بمرّو وجعل منها قاعدة لحكمه، وبدأ يحشد الناس ويجمع الجيوش لقتال المسلمين. بينما استقر الهرمزان في الأهواز، لذلك خرج بقوة عسكرية من تستر، وهاجم القرى الممتدة بين البصرة وفارس.

انطلق الجيش الإسلامي بقيادة النعمان بن مقرن المزني من الكوفة لمواجهة الهرمزان، ثم أرسل إليه أبو موسى الأشعري مددًا من البصرة بقيادة سهل بن عدي. عبر النعمان نهر دجلة وسار إلى الأهواز، واصطدم بالهرمزان في ناحية “أربك” وانتصر عليه. انسحب الفرس إلى تستر، فحاصرها المسلمون عدة أشهر، ثم اقتحموها بمساعدة أحد سكانها. كما أسروا الهرمزان وأرسلوه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، فأعلن إسلامه. بعد ذلك حاصر المسلمون السوس، وشنوا هجومًا عليها حتى استسلم أهلها.

 

فتح نهاوند

بعد هزيمة الفرس في عقر دارهم بالأهواز، وقبلها خسارة أراضيهم في المنطقة العربية، تحركت المشاعر القومية الفارسية. لقد شعر الفرس بضياع هيبتهم، وبدأوا في التواصل مع يزدجرد، كي يثأر لهم. فقام بحشد جيش وهو في مرّو، وقيل جمع 100 ألف مقاتل، وقيل 150 ألف مقاتل، من خراسان وأصفهان وهمذان وطبرستان والسند وجرجان.  ثم عين على الجيش ذا الحاجب مردان شاه، وسارو إلى نهاوند.

لما وصلت أخبار الفرس إلى عمر، جهز جيشَا بقيادة النعمان بن مقرن وأرسله إلى نهاوند. ثم عين 7 قادة خلفًا للنعمان إذا استشهد في القتال، تأسيًا بما فعله النبي في غزوة مؤتة. بعد ذلك أرسل المدد إلى نهاوند بقيادة ابنه عبد الله بن عمر، كما أرسل أبا موسى الأشعري بثلث قوات البصرة، وحذيفة بن اليمان بثلث قوات الكوفة.

خرج النعمان من السوس بالجيش القادم من الكوفة وكان عدده 30 ألفًا، وسار إلى نهاوند. واصل الزحف إلى أسبيهذان وعسكر فيها قرب الجيش الفارسي، الذي وجده محصنًا بالخنادق. بدأ الفرس الأمر بطلب التفاوض، فأرسلوا إلى النعمان يبعث إليهم رجلًا، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة. عرض الفرس على المسلمين الانسحاب من بلادهم مقابل المال، لكن لم يقبلوا بهذا العرض. فلم يكن هدف المسلمين المال، بل نشر الدين الإسلامي في أقصى بقاع الأرض.

بعد فشل المفاوضات، استعد الطرفان للحرب، ودارت بينهما معركة شرسة لمدة يومين. وعندما شعر الفرس بقرب انتصار المسلمين وتفوقهم، انسحبوا إلى المدينة وتحصنوا بها. لما رأى النعمان أن الفرس لن يخرجوا من المدينة، وأن قواته لا تستطيع الدخول إليهم، لجأ إلى حيلة ذكية. حيث عقد مجلسًا عسكريًا للتشاور، فقرروا اللجوء إلى خطة تجعل الفرس يخرجون من تحصيناتهم.

خصص النعمان قوة عسكرية، يكون عملها الكر والفر حتي تجعل الفرس يخرجون إليهم. وفي نفس الوقت يتخفى باقي الجيش في أماكن لا يراها العدو. وعندما يحصل التحام، تتظاهر هذه القوة بالخسارة وينسحبون حتى يأتي الفرس خلفهم، ومن ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي.

نهاية الفرس في نهاوند

كان القعقاع بن عمرو على رأس القوة العسكرية، فنفذوا المهمة بنجاح. ثم دارت معركة ضارية لم يشهدها كلا الطرفين من قبل، واستمرت من منتصف النهار إلى الليل. خسر المسلمون خلال المعركة عددًا كبيرًا من القدة مثل النعمان بن مقرن، وعمرو بن معد يكرب، وطليحة بن أسد. وظل الفرس يقاتلون باستماتة حتى انهاروا تمامًا، ولما هرب قسم منهم ونجا بحياته، استسلمت حامية نهاوند.

دخل المسلمون المدينة، وعقدوا الصلح مع أهلها مقابل الجزية. ثم أرسلوا إلى عمر بن الخطاب يبشروه بالفتح. وعرفت معركة نهاوند بفتح الفتوح، لأنها كانت نهاية الفرس، فلم تقم لهم قائمة منذ ذاك اليوم.

 

فتح همذان

بعد انتصار نهاوند صار نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو إلى همذان، فصالحهم حاكمها على الجزية. لكنه نقض العهد، فأمر عمر بن الخطاب، نعيم بالعودة إلى همذان مع 12 ألف مقاتل. ولما رأى أهل المدينة استيلاءه على المناطق المجاورة طلبوا الصلح مرة ثانية.

 

فتح أصبهان

ثم أرسل عمر جيشًا آخر إلى أصبهان ودارت معركة كبيرة، قتل فيها شهريار بن جاذويه. ولما تعرض أهل أصبهان للهزيمة بعد القتال والحصار، تم الصلح مقابل الجزية. ثم فتح أبو موسى الأشعري قاشان وقم.

 

فتح الرّيّ وطبرستان وأذربيجان

تجمع أهل الرّيّ وأذربيجان في منطقة بواج روذ لقتال المسلمين، فتوجه إليهم نعيم وانتصر عليهم. ثم سار في اتجاه الري وانضم إليه في الطريق الفرخزاد أحد القادة الفرس، بسب حقده على حاكم الرّيّ. تجمع أهل جرجان وطبرستان وقومس ودنباوند لقتال المسلمين. لكن نجح نعيم بن مقرن في هزيمتهم بمساعدة الفرخزاد، مقابل ولايته للرّيّ على أن يدفع الجزية.

بعد ذلك حصل المسلمون على قومس وجرجان وطبرستان دون قتال مقابل الجزية، وعلى أذربيجان بعد قتال وطلب أهلها للصلح. ثم انتشرت الجيوش الإسلامية في إقليم فارس وفتحوا منطقة وراء الأخرى بعد معارك صغيرة.

 

فتح كرمان وسجستان

توجه سهل بن عدي إلى منطقة كرمان، فتقاتل مع أهلها وانتصر عليهم، ونجح في فتحها. وتوجه عاصم بن عمرو التميمي إلى سجستان فقاتل أهلها وانهزموا أمامه، حتى طلبوا الصلح، فصالحهم على الجزية. ثم تجمعت الجيوش وسارت في اتجاه نهر السند، فوجدوا أهل مكران قد تجمعوا لقتالهم. وبعد معركة صغيرة هزمهم المسلمون وطاردوهم، ثم أقاموا في مكران.

 

فتح خراسان

كان يزدجرد كسرى الفرس قد جلس على العرش بعد فتح المسلمون للعراق، لذلك ظل يهرب من مدينة إلى أخرى. وبعد فتح المسلمون الرّيّ هرب منها إلى خراسان واستقر في مرو. لذلك توجه القائد الأحنف بن قيس إلى خراسان سنة 22 من الهجرة، وكان رضي الله عنه، من أمهر وأذكى العرب، واسمه الحقيقي الضحاك بن قيس، لكنه لٌقِب بالأحنف لاعوجاج في ساقه.

نجح الأحنف في فتح بهراة، ثم توجه إلى مرو الشاهجان وفتحها بعد قتال أهلها، وهرب يزجرد منها إلى مرو الروذ. طارد الأحنف كسرى وتوجه إلى مرو الروذ وفتحها، فهرب يزدجرد إلى بلخ.

وصل مدد من الكوفة إلى بلخ، وتقاتلوا مع يزدجرد قبل وصول الأحنف، فانتصروا عليه وفتحوا المدينة. ثم أرسل الأحنف إلى خليفة المسلمين بخبر الفتح، فأمره ألا يتجاوز النهر.

لم يجد يزدجرد وسيلة لإيقاف المسلمين سوى الاستعانة بملك الصين وملك الصغد وخاقان الترك. وبعد أن قدموا له الإمدادات عبر بجنوده النهر، ونزل في بلخ ثم سار إلى مرو الروذ، وكان يتواجد فيها الأحنف. حشد الأحنف 20 ألف مقاتل وسار بهم في اتجاه الفرس، وجعل الجبل خلفهم والنهر يفصل بينهم وبين الفرس والترك. استمر القتال أيامًا دون أن يحقق أي طرف منهم النصر، حتى يأس الترك ورأوا أنه لا سبيل لهزيمة المسلمين.

هرب يزدجرد إلى مناطق الترك، وعاش بينهم لبقية حياته، ونجح المسلمون في فتح خراسان بعد أن صالحوا أهلها مقابل الجزية.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الطبري: تاريخ الطبري.

ابن كثير: البداية والنهاية.

موقع قصة الإسلام: فتح خراسان.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات