كان فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب، خطوة طبيعية بعد فتوحات الشام. فبعد فتح فلسطين، انسحب الروم إليها واحتموا بها، فأشار عمرو بن العاص على خليفة المسلمين عمر بضرورة فتحها لحماية ظهر الجيش الإسلامي. وقد ورد أن عمرو قال “إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا، وأعجزها عن القتال والحر”.

وكان عمرو رضي الله عنه، على علم بأحوال مصر وأهلها، بسبب سفره إليها في الجاهلية من أجل التجارة. ورأى الظلم الذي يمارسه البيزنطيون على الشعب، وأن الطرفين ليسوا على وفاق، مما يشكل فرصة عظيمة لوقوف أهل مصر بجانب الجيش الإسلامي، رغبة في التخلص من الروم.

 

متى تم فتح مصر؟

كان فتح مصر بين عامي 19 هـ، و 21 هـ، على يد عمرو بن العاص، الذي نجح في انتزاع حكمها من يد البيزنطيين. وبعد أن كانت مصر تحت وطأة الروم، دخلت تحت عباءة الإسلام. ثم دخل أهل مصر الدين الإسلامي، وتحولت مصر لدولة إسلامية عظيمة.

 

أسباب فتح مصر

كانت مصر تتمتع بأهمية اقتصادية وسياسية، تجعلها محط أنظار كل الدول الكبيرة. فقد كانت مليئة بالخيرات والموارد التي يسرقها البيزنطيين ويرسلونها إلى روما، بينما يعاني الشعب المصري من الفقر. فكان فتحها سبيلًا لإنعاش اقتصاد الدولة الإسلامية، وتوفير موارد من أجل عملية الفتوحات.

ومن الناحية العسكرية، بعد أن فتح المسلمون الشام والعراق، كانت وجهتهم إلى مصر، من أجل التخلص من خطر البيزنطيين بشكل نهائي. فبعد فتح بيت المقدس هرب الأرطبون مع عدد من قادته إلى مصر، لإعادة تنظيم صفوفه، ومهاجمة المسلمين.

كان فتح مصر ضروريًا أيضًا من أجل نشر الإسلام بها وبأفريقيا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أول من دعا المقوقس إلى الإسلام، ومن بعده أبو بكر وعمر،  لكن دون جدوى. بالإضافة إلى أن مصر ذكرت في القرآن عدة مرات، وعلى أرضها كان أنبياء الله يوسف وموسى، وأم المؤمنين مارية القبطية، والسيدة هاجر أم نبي الله اسماعيل.

 

خروج الجيش لفتح مصر

بعد أن اقتنع عمر بن الخطاب برأي عمرو بن العاص في فتح مصر، أرسل معه 4 آلاف وقيل 5 آلاف جندي. وطلب الخليفة أن يكون خروج الجيش سرًا، فسار عمرو بجيشه في قلب صحراء سيناء على طول الساحل. وذكرت بعض المصادر، أن عمر بن الخطاب أراد رجوع الجيش من الطريق، فأرسل رسالة إلى عمرو وهو برفح، لكنه لم يقرأها إلا بعد دخوله حدود مصر. وقال البعض أن هذه حيلة ذكية منه، حتى يدخل مصر دون أن يخالف كلام الخليفة.

 

فتح العريش والفرما

وصل عمرو بن العاص بالجيش إلى مصر في عيد الأضحى سنة 18 من الهجرة. وعندما لم يجد القوات البيزنطية، واصل المسير حتى وصل الفرما. علم المقوقس حاكم مصر بوصول الجيش الإسلامي، فتحصن في حصن نابليون، لخوفه من عدم وقوف المصريين بجانبه، ولعلمه بعدم مقدرته على محاربة جيش المسلمين.

حاصر عمرو الفرما شهرًا وقيل شهرين، وجرت مناوشات بينه وبين الحامية البيزنطية. لكنه نجح في اقتحامها في 19 محرم سنة 19 من الهجرة. وذكر بعض المؤرخين أن عمرو حصل على مساعدة سكان المدينة الذين كانوا من العرب المسيحيين ومن المصريين الأصليين. وقيل ان بنيامين الأول بطريرك الإسكندرية، طلب من الشعب مساعدة الجيش الإسلامي، حتى يتخلصوا من ظلم الروم.

وبفتح الفرما، نجح عمرو بن العاص في تأمين خط التواصل مع الشام، وضمان وصول إمدادات، أو حتى الهرب في حالة تعرضه للهزيمة. غادر الفارما بعد أن هدم أسوارها حتى لا يتحصن بها البيزنطيين، لأنه لا يملك جنودًا يضعهم لحمايتها.

 

فتح بلبيس

بعد فتح الفرما توغل عمرو بالجيش داخل مصر، وانضم إليه على الطريق بدو الصحراء، طمعًا في الغنيمة. صار بالجيش وفتح سنهور وتنيس في طريقه، حتى وصل إلى بلبيس وحاصرها شهرًا. وكان داخل بلبيس أرطبون وابنة المقوقس “أرمانوسة”، التي كانت في طريقها إلى قيسارية للزواج من ابن هرقل.

وذكر الواقدي أن صاحب حلب كان قد أسلم، فارتدى ملابس الروم، وسار حتى وصل إلى أرمانوسة وأقنعها أنه جاء ليأخذها إلى الشام. وكان الغرض توصيل أخبار الروم إلى عمرو بن العاص، لكنها كشفت أمره واستغاثت بوالدها المقوقس.

اقترح كبار رجال الدولة على المقوقس جمع جيش وإرساله إلى بلبيس لحماية أرمانوسة، لكنه رفض. وقيل أنه أرسل بالفعل قوة عسكرية، لكنهم انهزموا وقتل المسلمون عددًا كبيرًا منهم، ودخلوا بلبيس. ثم أرسل عمرو ابنة المقوقس إليه ومعها كل ممتلكاتها، وكان برفقتها قيس بن سعد بن عبادة. وعرض قيس الإسلام على المقوقس مرة ثانية، وقال له “أَيُّهَا المَلِك، لَا بُدَّ لَنَا مِنْكُم”، فوعده المقوقس بعرض الأمر على قومه.

 

فتح أم دنين

كانت أم دنين واقعة على النيل شمال حصن بابليون، وهي قرية محصنة بالقرب منها مرفأ سفن يعتبر قلب مصر. فسارع المقوقس بالسفر من الإسكندرية إلى حصن بابليون ليدير العمليات العسكرية بنفسه، وأدرك خطأه الكبير بعدم الوقوف في وجه الجيش الإسلامي. سارت مناوشات بين المسلمين وحامية المدينة لعدة أسابيع، سقط خلالها عدد من الشهداء، بينما لم يتناقص عدد البيزنطيين.

سارع عمرو بن العاص في طلب الإمدادات من عمر بن الخطاب، لأنه لن يستطع استكمال الفتح بالعدد الذي معه. ولما تأخرت الإمدادات، ولم يصل حصار أم دنين إلى نتيجة، قرر عمر تقسيم الجيش إلى قسمين. قسم لحصار أم دنين، وقسم سار لفتح عين شمس. وخلال ذلك وصل الزبير بن العوام بجيش مكون من 4 آلاف مقاتل، وقيل 10 آلاف مقاتل، وقيل 12 ألف مقاتل. وكان ضمن الجيش كبار الصحابة مثل عبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، فارتفعت الروح المعنوية للمسلمين. ونجحوا في هزيمة حامية أم دنين وفتحها، فهرب جنودها إلى حصن نابليون.

 

معركة عين شمس

عسكر عمرو بالجيش في عين شمس من أجل الاستعداد لفتح حصن بابليون. ووضع خطة ذكية، حتى يستدرج الجيش البيزنطي خارج أسوار الحصن، فاستفزهم للخروج إليه. بالفعل خرج ثيودور قائد الجيش البيزنطي ومعه 20 ألف مقاتل. بينما قسم عمرو الجيش إلى 3 أقسام، وجعل قسم بأم دنين، وقسم شرق العباسية بقيادة خارجة بن حذافة السهمي، وقسم بقيادته خرج لمواجهة الجيش القادم.

انخدع الروم وظنوا أن المسلمون هربوا، ونجح عمرو في تنفيذ تكتيك الكماشة. أطبق الجيش الإسلامي على البيزنطيين من كل جانب، وقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفر الناجون وبعض الموجودين داخل بابليون إلى مدينة نقيوس شمال منف. وبعد هذا الانتصار الكبير، نقل عمرو معسكر الجيش شمال الحصن وهو الموقع الذي عرف لاحقًا بالفسطاط. ثم سار إلى منف ونجح في السيطرة عليها.

 

فتح الفيوم

تذكر المصادر القبطية أن فتح الفيوم كان قبل حصن بابليون. فبعد انتصارات المسلمين المتتالية وفتحهم لأم دنين، هرب حاكم الفيوم إلى نيقوس. أرسل عمرو قوة عسكرية لفتح الفيوم ونجحت في ذلك، كما فتحت مدينة أبويط أيضًا. لكن المصادر الإسلامية، ذكرت أن فتح الفيوم كان بعد حصن نابليون، وأن المسلمون كانوا يجهلون مكان الفيوم لمدة سنة، حتى دلهم عليها المصريون.

 

فتح حصن نابليون

سار عمرو بن العاص إلى حصن بابليون في شوال سنة 19 من الهجرة، وكان يقع مقابل جزيرة الروضة في النيل، قرب منف. وكان الحصن منيعًا بسبب قوة وارتفاع أسواره وأبراجه، بالإضافة إلى أنه محاط بمياه النيل والخنادق. لكن عندما رأى الروم دخول المصريين في الإسلام وانضمامهم إلى جيش المسلمين، حتى أنهم أصبحوا معاونون وأدلاء، هرب الحكام إلى الإسكندرية وتركوا الحصن تحت حماية الحامية.

استمر المسلمون في حصار الحصن، ورشقوه بالسهام والحجارة، بينما ضربهم البيزنطيين بالمنجنيق. ولما رأى المقوقس أن المسلمين لن ييأسوا أو يتراجعوا، خرج على رأس وفد من أجل التفاوض. أرسل الرسل إلى عمرو بن العاص، لكنه أعادهم بعد يومين إلى المقوقس برسالة يخيره فيها بين الإسلام أو الجزية أو القتال.

لم يقبل المقوقس بالإسلام أو دفع الجزية، لكنه ظل يطالب بالصلح، فأرسل إليه عمرو وفد برئاسة عبادة بن الصامت. استقبل المصريون الوفد بشكل جيد، وأخبرهم عبادة أن دفع الجزية يضمن لهم حماية أرواحهم وأموالهم وحرية عقيدتهم؛ مما شجع المقوقس على الخضوع. لكن الأعيرج قائد الحصن رفض كل سبيل إلى الصلح أو الهدنة أو التفاوض، فظلت المناوشات بين الطرفين جارية.

في النهاية، وافق المقوقس على الجزية، لكن بشرط تجميد العمليات العسكرية إلى أن يحصل على موافقة الامبراطور في القسطنطينية. غادر المقوقس إلى الإسكندرية وانتظر رد الامبراطور الذي رفض دفع الجزية، ورأى أن المسلمين أقل عددًا وأنهم لن يستطيعوا فتح الحصن. كما اتهم المقوقس بالخيانة وتسليم مصر للمسلمين ونفاه بعد أن شهَّر به.

وبعد أن علم المسلمون برفض الامبراطور للصلح في ذي الحجة سنة 19 من الهجرة، استأنفوا القتال. ونجح الجيش الإسلامي في اقتحام الحصن في 21 ربيع الآخر سنة 20 من الهجرة. واعتلى الزبير بن العوام وبعض المقاتلين سور الحصن وكبروا، فظن الأهالي أن المسلمون دخلوا، فهربوا.

 

ماذا قال عمرو بن العاص عندما فتح مصر؟

عقد عمرو الصلح مع أهل الحصن ورد إليهم ما أخذه بالعنوة من السبايا. وقال لهم “هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملَّتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلبهم وبرِّهم وبحرهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يُساكنهم النُّوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصُلح….”. ثم حصل عمرو على مساعدة المصريين وانضموا إليه في قتال الروم والتخلص منهم. وانقسم أهل مصر إلى قسمين: قسم مع المسلمين، وقسم مع الروم بقيادة ثيودور. وأصبح كل قسم يقاتل الآخر، فبات الأمر أشبه بحربٍ أهلية.

 

فتح الإسكندرية

كانت الإسكندرية مدينة منيعة، وأسوارها أشد قوة من حصن نابليون، وبها 50 ألف جندي. كما يحميها البحر من الناحية الشمالية، وبه الأسطول البيزنطي الذي يمدها بالإمدادات. ومن الناحية الغربية تحيط بها ترعة الثعبان، فلم يجد المسلمون طريقًا سوى الشرق. ومع ذلك لم ييأس عمرو بن العاص وضرب الحصار على المدينة، وعسكر بجيشه في مكان بعيد عن رمي المنجنيق.

طال الحصار شهورًا طويلة، وانتظر عمر بن الخطاب خبر النصر حتى خشى أن تكون خيرات مصر أغرت الجنود فتخاذلوا. ثم كتب إلى عمرو أن يخطب في جنوده وأن يجعلهم يخلصوا النية ويصبروا على قتال عدوهم. وبعد حصار دام 4 أشهر ونصف، نجح المسلمون في اقتحام الإسكندرية في 28 من ذي القعدة سنة 20 من الهجرة. هرب البيزنطيون، وخضع السكان إلى المسلمين، فأعطاهم عمرو الأمان مثل حصن نابليون.

 

 

 

المصادر:

الواقدي: فتوح مصر، ج2 ص36-38.

البلاذري: فتوح البلدان ص241.

المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج1 ص340.

ابن عبد الحكم، تحقيق: فُتُوح مصر وأخبارها.

محمد سهيل طقوش: تاريخ الخُلفاء الرَّاشدين، الفتوحات والإنجازات السياسية.

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات