فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، من أكثر قصص التاريخ الإسلامي المثيرة للجدل إلى يومنا هذا. والحقيقة أن هناك الكثير من الروايات التي لا سند لها، وأراء وأقوال واتهامات ملفقة تبرر ما حدث للخليفة الثالث للمسلمين. والحقيقة أن فترة خلافته تختلف عن فترة خلافة أبي بكر وعمر، فقد اتسعت الدولة رغم أنف الحاقدين من الأمم والأقوام حديثة الإسلام مثل الفرس. وظل هؤلاء يضمرون الشر ويستغلون كل الفرص للنيل من الدولة الإسلامية الحديثة. فأصبح التمرد سمة ذلك الوقت، وفي النهاية اجتمع المتمردون من الكوفة والبصرة ومصر، وتكالبوا عليه في بيته وسفكوا دمه رضي الله عنه، وهو صائم ويقرأ كتاب الله.
أسباب التمرد على عثمان بن عفان
كانت هناك عدة عوامل متعلقة بسياسة سيدنا عثمان في الحكم أدت إلى تأجج نار الفتنة والتمرد كالتالي:
تعيين ولاة الأقاليم
بعد عام من استشهاد عمر بن الخطاب، قام عثمان بن عفان بتغيير الولاة. وكان معظم الولاة في عهد عمر غير قرشيين واختارهم على أساس الكفاءة فقط، أما معظم اختيارات سيدنا عثمان كانت من قريش ومن بني أمية. فعين على الكوفة الوليد بن عقبة وعندما اشتكى الناس منه، عين مكانه سعيد بن العاص لكن ما لبث أن دب الخلاف بينه وبين الناس أيضًا.
وكان معاوية بن أبي سفيان والي دمشق والأردن في عهد عمر بن الخطاب، وعندما تولى عثمان الخلافة ضم له فلسطين وحمص فصار والي الشام كلها. ونجح معاوية في الحكم بالعدل فأحبه أهل الشام حتى صار بينهم كالملك عليهم.
وفي مصر كان عمرو بن العاص واليًا عليها من عهد سيدنا عمر، وبعد عزله عين عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح وكان أخيه من الرضاعة.
وبهذه الطريقة يكون ولاة أكبر ثلاث ولايات في الدولة الإسلامية من بني أمية. ومن هنا بدأت تظهر الغيرة القبيلة من جديد على الساحة، ولعب الحاقدون والمندثون دورًا كبيرًا في إثارتها.
السياسة المالية
كانت سياسة سيدنا عثمان رضي الله عنه، في إدارة المال سببًا أيضًا تحجج به المتمردون. فقد أشاعوا أنه يوزع المال على أقاربه من بيت مال المسلمين. والحقيقة أن هذا كذب وبهتان كبير، لأنه رضي الله عنه، كان من أثرياء الصحابة وعنده الكثير من المال، وكان يغدق على أهله وعشيرته من ماله الخاص. ومن يدقق في سيرة سيدنا عثمان منذ عهد رسول الله، سوف يرى أنه منفقًا كبير للمال، فقد اشترى بئر رومة بآلاف الدراهم كي يشرب المسلمون مياه عذبة، وتحمل نفقة ثلث نفقة تجهيز جيش العسرة وحده، كما اشترى قطعة أرض وضمها للمسجد النبوي.
وخلال خلافته قام بتوزيع ماله وأرضه على بني أمية، فأعطى آل الحكم، وبني أبي العاص، وبني حرب، وبني العيص. وهنا استغل أهل الفتنة الوضع، وقالوا أنه ينفق على نفسه وأقاربه من بيت مال المسلمين، لكنه رضي الله عنه كان بريئًا من كل ذلك.
ومن الأِشياء التي يستخدمها المغرضون ضد سيدنا عثمان أيضًا، أنه لما أمر عبد الله بن أبي السرح بفتح أفريقية، قال له ” إن فتح الله عليك بإفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا”. وكانت هذه طريقة للتشجيع وإلهاب الحماسة مسموح بها وعادة ما يستخدمها الولاة في الحروب مع قادتهم.
لما نجح عبد الله في فتحها أخذ خمس الخمس، فاشتكى من معه لعثمان فقال لهم ” إنما أمرت له بذلك، فإن سخطتم فهو رد. قالوا: إنا نسخطه، فأمر عثمان عبد الله أن يرده فرده”.
إشعال نار الفتنة
كانت سياسية سيدنا عثمان المالية وتعيينه لأقاربه أسبابًا قوية جعلت المعارضين يخرجوا عليه من معظم الولايات. وفي الكوفة ثار الناس على سعيد بن العاص وطالبوا بتعيين أبي موصى الأشعري. وفي مصر طالبوا بعزل عبد الله بن أبي السرح، وخرجت الوفود من مصر والكوفة والبصرة إلى المدينة المنورة. وبالفعل تم عزل سعد من ولاية مصر وتعيين محمد بن أبي بكر مكانه، وبعد ذلك عاد الناس إلى بلادهم.
وعندما تم السيطرة على الوضع، ظهرت أصابع الفتنة كي تعيد تأجيج نار التمرد والثورة. فبينما كان محمد بن أبي بكر في طريقه إلى مصر، وجد رسولًا من عمر يحمل رسالة إلى والي مصر بقتل المعارضين عند عودتهم. وهنا أرسل المصريون إلى العراق بالعودة وعادوا جميعًا إلى المدينة المنورة بنار الانتقام.
عندما وصل المتمردون إلى عثمان ألقوا أمامه بالرسول، وقالوا له: هل هذا غلامك؟، فقال: نعم، لكنه انطلق بغير علمي. ثم قالوا: هل هذا جملك؟، فقال: نعم، أخذه من الدار بغير أمري. ثم قالوا: هل هذا ختمك؟، فقال: نقش عليه. وهنا تظهر رسالة لم يكتبها خليفة المسلمون مع غلامه ومختومة بختمه دون علمه، هدفها إشعال الفتنة بعدما تم السيطرة عليها ومعالجة الأمر. لقد نجح الخونة والذين يظهرون الإسلام ويضمرون له العداء في النيل من خليفة الدولة الإسلامية. وتشير معظم المصادر إلى اليهود والمجوس الذين انتشروا في المدينة المنورة.
مقتل عثمان بن عفان
تجمع المعارضون وارتفعت سقف مطالبهم إلى عزل عثمان وتعيين خليفة جديد. ولما رفض مطالبهم اعتصموا في المدينة المنورة وحاصروا بيته. وهنا أرسل سيدنا عثمان إلى ولاته على الأقاليم وطلب منهم الدعم، فعلم الثوار بالأمر وزادت حدتهم عليهم، وسارعوا في النيل منه قبل وصول الجيوش.
وبينما كان عثمان يقرأ في المصحف يوم 18 من ذي الحجة سنة 35 من الهجرة، قام رأس من رؤوس الفتنة وكان يدعى كنانة بن بشر التجيبي بحرق باب بيته. ثم دخل رجل آخر، قيل أنه عبد الله بن سبأ فخنقه حتى ظن أنه مات.
ثم دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مستاءً من عثمان بسبب الرسالة فوجده حيًا فقال له “على أي دين أنت يا نعثل؟” فقال: “على دين الإسلام، ولست بنعثل، ولكني أمير المؤمنين”. فقال عبد الرحمن: “غيرت كتاب الله”. فرد عثمان: ” كتاب الله بيني وبينكم”. ثم تقدم عبد الرحمن وأمسكه من لحيته وقال: إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}.
كان عبد الرحمن يظن أن خلع عثمان هو طاعة لله تعالى ونجاة من النار. ولما قال له سيدنا عثمان “يا ابن أخي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها”، تركه وبكى. وعندما خرج رأى الثوار يدخلون لقتله، فأمسك سيفه ودافع عنه لكنه لم يستطع منعهم. وعلى الرغم من منع عثمان للصحابة من الاشتباك أو الدفاع عنه، لكن لم يتحمل بعضهم ذلك فدافع عنه عبد الله بن الزبير والحسن والحسين وبعض غلمانه.
وكان الملعون كنانة بن بشر أول من ضربه بالسيف فقطع يده، ثم ضربه على رأسه وتناثر دمه على المصحف. وتذكر جميع الروايات التاريخية أن دماءه سقطت على كلمة {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ}، [البقرة:137]. ولما حاولت زوجته نائلة بنت الفرافصة حمايته، نزل سيف كنانة على أصابعها فقطعتها، فضربه ضربة في صدره. ثم طعنه سودان بن حمران في بطنه طعنة أدت إلى موته رضي الله عنه. ثم دخل عمرو بن الحمق، وطعنه في صدره تسع طعنات.
وبعدما قتله الخوارج انتشروا في بيته ونهبوه ولم يتركوا فيه شيء، ثم حاولوا الاستيلاء على بيت مال المسلمين. وهذا أكبر دليل على أن همهم المال والسلطة وليس الإصلاح كما قالوا.
المصادر:
طه حسين: الفتنة الكبرى.
تاريخ الطبري، الجزء الرابع.
البلاذري: أنساب الأشراف، الجزء السادس.
أبو فرج الأصفهاني: الأغاني، ج4.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن كثير: البداية والنهاية ج7.
ابن الأثير: الكامل بالتاريخ.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
البلاذري: فتوح البلدان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *