شملت فتوحات أبي بكر الصديق بلاد الشام والعراق. فبعد أن انتهى رضي الله عنه من القضاء على القبائل المرتدة، وأعاد الاستقرار إلى الجزيرة العربية واليمن، تفرغ للفتوحات وتوسيع نطاق الدولة الإسلامية. ففتح في عهده العراق وقضى على الوجود الفارسي، ثم بدأ فتوحات الشام ومواجهة الدولة البيزنطية.

 

فتوحات أبي بكر الصديق في العراق

كان المثنى بن حارثة قد بدأ الجهاد في العراق، ثم أرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه،  جيشين إليه:

جيش خالد بن الوليد: خرج إلى العراق في محرم وقيل رجب سنة 12 من الهجرة. ثم أرسل إليه أبو بكر سرايا وإمدادات لمساعداته.

جيش عياض بن غنم: أمره أبو بكر أن يدخل العراق من شمالها الشرقي. وأن يبدأ بالمصيخ على حدود الشام، ويسير حتى يصل إلى جيش خالد بن الوليد.

وكان جيش المسلمين 12 ألف رجلًا، تجمعوا في “الأبلة”. ودخل جيش الدولة الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد في عدة حروب مع الفرس، كالتالي:

معركة ذات السلاسل

انهزم الفرس في هذه المعركة، رغم أنهم قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفرون من القتال، لذلك عرفت بمعركة ذات السلاسل. وغنم المسلمون 1000 بعير، ثم أرسل خالد السرايا إلى البلدان المجاورة للحيرة، فغنموا أموالًا كثيرة. ولم يتعرض خالد للفلاحين الذين لم يقاتلوه وأحسن معاملتهم كما أوصاه أبو بكر الصديق.

معركة الولجة

قتل المسلمون فيها قادة الفرس، و 30 ألفًا آخرين، ثم هرب من تبقى منهم إلى السفن، وظل سيدنا خالد بالمذار. ولما علم كسرى بهزيمة جيشه، أرسل جيشان آخران إلى الولجة، ليحشر المسلمين بينهما. لكن سيف الله المسلول قسم جيشه، فانطلق إليهم في المقدمة، ثم جعل فرقة تهاجمهم من المؤخرة وفرقة من الجانبين، وأوقعهم في الكمين. فانهزم الفرس هزيمة ساحقة وهرب من تبقى منهم، لكنهم ماتوا من شدة العطش في الصحراء.

فتح الحيرة

بعد هزائم الفرس المتلاحقة انضم إليهم بعض النصارى العرب، لكن الله أيد المسلمين بجنوده، واستطاع سيف الله المسلول تحقيق النصر في أليس. ثم سار حتى وصل أمغيشيا، فتفرق أهلها وغنم منها غنائم كثيرة. ثم انطلق إلى الحيرة ونجح في عبور نهر الفرات، وحاصرها حتى استسلم أهلها وطلبوا الصلح.

فتح الأنبار

ترك خالد بن الوليد على الحيرة القعقاع بن عمر التميمي، وذهب إلى الأنبار لإعانة القائد عياض بن غنم. فوجد أن أهل الأنبار قد صنعوا الخنادق وتحصنوا، فحصارهم المسلمون، وأمرهم خالد بتصويب السهام على عيونهم، فأصابوا في الرمية الأولى 1000 عين، لذلك سميت هذه الواقعة بذات العيون. لجأ خالد إلى حيلة ذكية، فذبح الإبل الضعيفة ورمى بها في الخندق، واستطاع المسلمون اجتيازه. هنا اضطر شيراز قائد الفرس إلى طلب الصلح، على أن يخرج مع بعض جنوده سالمين، فوافق خالد.

وبعد أن نجح في فتح الأنبار، توجه إلى عين التمر فوجد أن العرب قد تجمعوا خلف عقة بن أبي عقة، وتحالفوا مع الفرس بقيادة مهران. لكنه نجح أيضًا في هزيمتهم، ونزل أهل الحصن على حكم خالد، فضرب عنق عقة، وهرب مهران.

فتح دومة الجندل

بعد عين التمر توجه خالد إلى دومة الجندل، وكانت تحت زعيمين: الجودي بن ربيعة، وأكيدر بن عبد الملك، لكنهما اختلفا فيما بينهما. فخرج أكيدر تاركًا قومه، فلحق به عاصم بن عمرو وأسره، ثم أمر خالد بقتله.

بعد ذلك وضع دومة الجندل بين كماشة، يترأس هو طرف منها، والطرف الآخر بقيادة عياض بن غنم. ولما نجح المسلمون في هزيمة عسكر دومة الجندل، تحصن الناس داخل الحصن وأغلقوا أبوابه. لكن نجح خالد في كسره واجتيازه، وقتل عدد كبير منهم.

معركة الفراض

بعد أن سيطر سيف الله المسلول على العراق، توجه إلى منطقة الفراض الواقعة على حدود الشام والعراق والجزيرة العربية، حتى يحمي ظهره. فغضب الروم وتحالفوا مع الفرس وبعض القبائل العربية، وتجمعوا ضد المسلمين. اقتتلا الفريقان قتالًا شديدًا، حتى انتصر المسلمون وقتلوا عشرات الآلاف من الفرس.

 

فتوحات أبي بكر الصديق في الشام

كان أبو بكر الصديق، قد أرسل خالد بن سعيد بن العاص بجيش إلى تيماء، وهي بلدة بين أطراف الشام ووادي القرى. لكنه تحرك ولم ينتظر وصول المدد إليه، فهاجمه الروم بأعداد كبيرة وتعرض للهزيمة. فأعلن أبو بكر النفير إلى الجهاد، وعقد أربعة ألوية، كل لواء عليه أمير، ثم أمرهم أن يسلكوا طرقًا متفرقة، كالتالي:

جيش يزيد من أبي سفيان: عدده 7 آلاف مقاتل، ومهمته فتح دمشق.

جيش شرحبيل بن حسنة: عدده 3 آلاف أو 4 آلاف مقاتل، وكان طريقه إلى تبوك والبلقاء ثم بصرى.

وجيش أبي عبيدة بن الجراح: عدده حوالي 4 آلاف رجلًا، وكان طريقه إلى حمص.

جيش عمرو بن العاص: كانت جهته إلى فلسطين، ومكونًا من 7 آلاف مقاتل تقريبًا.

كانت القوات العسكرية للروم قوية وكبيرة العدد، ومقسمة إلى قسمين كبيرين، أحدهما في فلسطين، والآخر في أنطاكية. وعندما أصدر الامبراطور أوامره للجيوش بالخروج والهجوم على المسلمين وتدميرهم. أرسل قادة الجيش الإسلامي إلى أبي بكر، فأمدهم بأعداد أخرى، من الرجال والخيل والسلاح. كما قرر قادة المسلمين في الشام بتجميع قواتهم والالتقاء في اليرموك لقتال الروم. ثم أرسل أبو بكر خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، ليتسلم قيادة الجيوش؛ نظرًا لقدراته العسكرية الفائقة. وقامت عدة معارك كبرى بين المسلمين والروم، كالتالي:

معركة أجنادين

انسحب عمرو بن العاص من موقعه وتوجه إلى أجنادين، ثم وصله خالد بجيشه في الوقت المناسب، فصارت قوة المسلمين 30 ألفًا. اصطدم عمرو بقوات الروم، ثم انقض عليهم خالد بجيشه الكبير، وجرت بينهم معركة عنيفة. لعب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص دورًا مهمًا، وأظهرا مدى مهارتهما كقائدين عسكريين، فاقتحما قوات الروم، ووصلوا للقائد وقتلوه. ثم تفرقت القوات الرومية في جهات مختلفة، وانتصر المسلمون في أجنادين.

معركة اليرموك

بعد الانتصار الكبير في أجنادين، تجمعت قوات المسلمين في اليرموك، وكان عددهم 45 ألفًا تقريبًا، بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد. ثم وصلت قوات الروم، بقيادة “تيدور”، وكان عددهم 240 ألف مقاتل، ونزلوا في مكان واسع، لكن طريق الهروب منه ضيق، فصار خندقًا عليهم.

قسم خالد الجيش إلى عدة أقسام، فجعل على الميمنة عمرو بن العاص، ومعه شرحبيل بن حسنة. وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وعلى القلب أبو عبيدة بن الجراح ومعه القعقاع بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل.

مع بداية القتال كان النصر حليف الروم، وهرب المسلمون من المعركة، لكن رمتهم النساء بالحجارة، فعادوا للقتال وانقضوا على الأعداء. لكن لم يتوانى الروم، وظلوا يهاجمون بقوة، فهجمت ميمنتهم على ميسرة المسلمين، وانقضوا على عمرو بن العاص وجنوده، ووصلوا إلى قلب المعسكر.  لكن عاد الجيش الإسلامي لأرض المعركة، ونجحوا في استعادة الأماكن التي سيطر عليها الروم.

انقض خالد بن الوليد على ميسرة الروم، فقتل منهم 6 آلاف، وحاصرهم بين نهر الزرقاء ووادي اليرموك. كما استطاع المسلمون فصل مشاة الروم عن فرسانهم، وهجموا عليهم حتى أنهكوهم، فحاولت قوات الروم إيجاد ثغرة للهرب. أمر خالد بفتح المجال لهرب الفرسان، ثم تجمع المشاة بالخنادق وهم مقيدون بالسلاسل، فإذا قتل واحد منهم سحب معه 7 آخرين مقيدون بنفس السلسة.

قُتِل عدد كبير من قوات الروم وصل إلى 120 ألف، منهم 80 ألفًا قتلوا بالسلاسل، و40 ألفًا سقطوا في الوادي. وانسحب الناجون منهم إلى فحل ودمشق. واستشهد من المسلمين في معركة اليرموك، 3 آلاف شهيد، منهم: عكرمة بن أبي جهل وابنه، أبان بن سعيد، عمرو بن سعيد، وسلمة بن هشام.

 

 

 

المصادر:

ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

بن كثير: البداية والنهاية.

الأزدي: فتوح البلدان، ص 115.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

موقع قصة الإسلام: فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق.

موقع قصة الإسلام: فتوحات الشام في عهد أبي بكر الصديق.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات