كانت فتوحات إفريقية في عهد عمر بن الخطاب، مرحلة طبيعية بعد فتح الشام. حيث صار عمرو بن العاص في اتجاه مصر مخترقًا صحراء سيناء بجيشه، فوصل إليها في عيد الأضحى سنة 18 من الهجرة.  وظل يفتح مدينة وراء أخرى، ففتح الفرما والعريش وبلبيس والفيوم وحصن بابليون وسار حتى الإسكندرية ففتحها في ذي القعدة سنة 20 من الهجرة. وبعد أن انتهى عمرو من مصر، اتجه بجيشه إلى الغرب فصار إلى برقة وطرابلس، حتى يؤمن حدود مصر الغربية من الخطر البيزنطي. أو ربما رغبة في توسع الدولة الإسلامية ونشر الإسلام في إفريقيا.

 

فتح مصر

كان فتح مصر بين عامي 19 هـ، و 21 هـ، على يد عمرو بن العاص، الذي نجح في انتزاع حكمها من يد البيزنطيين. وبعد أن اقتنع عمر بن الخطاب برأيه في السير اتجاه مصر، أرسل معه 4 آلاف وقيل 5 آلاف جندي. ووصل عمرو بالجيش إلى مصر في عيد الأضحى سنة 18 من الهجرة. وعندما لم يجد القوات البيزنطية، واصل المسير حتى وصل الفرما وحاصرها  شهرًا وقيل شهرين، ونجح في اقتحامها في 19 محرم سنة 19 من الهجرة.

بعد ذلك توغل بالجيش داخل مصر، ففتح سنهور وتنيس وبلبيس بعد حصار شهر. ثم حاصر قرية أم دنين الواقعة على النيل وشارك في فتحها كبار الصحابة مثل عبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود. ونجحوا في فتحها وهرب جنودها إلى حصن بابليون.

ثم عسكر عمرو بالجيش في عين شمس من أجل الاستعداد لفتح حصن بابليون. حيث حاصر الحصن في شوال سنة 19 من الهجرة. وبعد مرحلة من المفاوضات ومحاولات الصلح، انتهى الأمر باقتحام المسلمون للحصن في 21 ربيع الآخر سنة 20 من الهجرة.

بعد الانتهاء من حصن بابليون فتح عمرو الفيوم، ثم توجه إلى الشمال في اتجاه الإسكندرية. وكانت مدينة منيعة، وأسوارها أشد قوة من حصن نابليون، وبها 50 ألف جندي. كما يحميها البحر من الناحية الشمالية، وبه الأسطول البيزنطي الذي يمدها بالإمدادات. لذلك دام الحصار 4 أشهر ونصف، ثم نجح المسلمون في اقتحام الإسكندرية في 28 من ذي القعدة سنة 20 من الهجرة. وهرب البيزنطيون، وخضع السكان إلى المسلمين، فأعطاهم عمرو الأمان مثل حصن نابليون.

 

لماذا توجه المسلمون إلى مصر؟

كانت مصر تتمتع بأهمية اقتصادية وسياسية، تجعلها محط أنظار كل الدول الكبيرة. فقد كانت مليئة بالخيرات والموارد التي يسرقها البيزنطيين ويرسلونها إلى روما، بينما يعاني الشعب المصري من الفقر. فكان فتحها سبيلًا لإنعاش اقتصاد الدولة الإسلامية، وتوفير موارد من أجل عملية الفتوحات.

ومن الناحية العسكرية، بعد أن فتح المسلمون الشام والعراق، كانت وجهتهم إلى مصر، من أجل التخلص من خطر البيزنطيين بشكل نهائي. فبعد فتح بيت المقدس هرب الأرطبون مع عدد من قادته إليها، لإعادة تنظيم صفوفه، ومهاجمة المسلمين.

كان فتح مصر ضروريًا أيضًا من أجل نشر الإسلام بها وبأفريقيا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أول من دعا المقوقس إلى الإسلام، ومن بعده أبو بكر وعمر،  لكن دون جدوى. بالإضافة إلى أن مصر ذكرت في القرآن عدة مرات، وعلى أرضها كان أنبياء الله يوسف وموسى، وأم المؤمنين مارية القبطية، والسيدة هاجر أم نبي الله إسماعيل.

 

فتح برقة

لم يكن فتح ليبيا مخططًا له مسبقًا، ويعود السبب إلى تأمين حدود مصر الغربية من الحامية البيزنطية أو ربما إلى الرغبة في التوسع أكثر داخل إفريقيا ونشر الإسلام. فبعد أن انتهى عمرو بن العاص من فتح مصر والسيطرة على الوضع فيها، أرسل عقبة بن نافع في حملة استطلاعية إلى برقة ثم توجه بجيشه إليها. وكانت برقة تحت سيطرة البيزنطيين وتسكنها قبيلة لواتة البربرية.

لم يجد المسلمون أي مقاومة من المدينة، وتم الصلح مع أهلها مقابل دفع جزية قدرها 13 ألف دينار سنويًا. لكن اشترط أهلها إرسال الجزية إلى مصر بأنفسهم، رغبة منهم في عدم دخول الجباة إلى بلادهم. وتم فتح برقة سنة 22 من الهجرة، ثم أرسل عمرو قواته إلى أجزاء مختلفة. أرسل عقبة بن نافع إلى زويلة، وعبد الله بن الزبير إلى مصراتة، وبسر بن أرطاة إلى ودان. ونجح القادة المسلمون في فتح هذه المدن وضمها للدولة الإسلامية.

 

فتح طرابلس

كانت مدينة طرابلس مرفأ حصين وفيها حامية بيزنطية كبيرة. تحصن البيزنطيون داخل المدينة وأقفلوا أبوابها، وانتظروا وصول المساعدات عن طريق البحر. مضت أسابيع من الحصار، ولم تحصل الحامية على أي إمدادات من القسطنطينية، فتعرضوا للجوع والإجهاد الشديد.

كانت الجهة البحرية للمدينة غير محصنة وخالية من الدفاع، ولما علم المسلمون بأمرها تسللوا بين الأسوار. ودخلوا في بعض المناوشات مع أفراد الحامية، لكنهم نجحوا في التصدي لهم، وصاحوا بالتكبيرات التي وصل صداها لوسط المدينة. شعر البيزنطيون بالذعر الشديد، فهربوا إلى السفن، وترك الحراس أماكنهم، فدخل المسلمون بقيادة عمرو بن العاص بعد شهر من الحصار. وبعد أن سيطر المسلمون على الوضع في طرابلس، فتحوا المناطق المحيطة مثل سيرت والزاوية وغريان وجبل نفوس وسبرة.

كان عمرو بن العاص يرغب في السير في اتجاه تونس وغرب أفريقيا، لكن عمر بن الخطاب لم يأذن له وأمره بالعودة إلى مصر. وكان الخليفة يخشى على تفرق الجيش الإسلامي بين الدول وتعرضه للضعف والتشتت.

 

بلاد النوبة

بعد فتح مصر وتأمين حدودها الغربية، كان السير في اتجاه الجنوب خطوة طبيعية لتأمين الحدود. بالإضافة إلى رغبة المسلمون في نشر الإسلام في بلاد النوبة طاعة لله ولرسوله. وكانوا يطلقون على النوبة لفظ “الأساود”، فأرسل عمرو بن العاص إليهم حملة على رأسها عقبة بن نافع الفهري سنة 21 من الهجرة.

لم تكن النوبة سهلة المنال مثل غيرها، ولم يخشى أهلها من الحصار أو القتال، فقد كان سكانها أهل بأس شديد وقدرة على القتال. بالإضافة إلى تميزهم في رمي السهام والنبل، فكانوا لا يخطؤون أبدًا، ويصيبون الأعين مباشرة. لم ينجح المسلمون في مواجهتهم أو السيطرة عليهم، وعادوا بعدد كبير لديهم إصابات في أعينهم، لذلك أطلقوا على أهل النوبة ” رماة الحدق”.

وقد نقل الواقدي عن إبراهيم بن جعفر، أن شيخًا من حمير قال “شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب، فلم أر قومًا أحد في حرب منهم. لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا، فلا يخطئه، كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء. فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عينًا مفقوءة. فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل وإن نكابتهم لشديدة”.

 

 

 

 

المصادر:

الواقدي: فتوح مصر، ج2 ص36-38.

البلاذري: فتوح البلدان ص241.

المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج1 ص340.

محمد سهيل طقوش: تاريخ الخُلفاء الراشدين، الفتوحات والإنجازات السياسية.

موقع قصة الإسلام: فتوحات إفريقية في عهد عمر بن الخطاب.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات