كانت فتوحات الشام في عهد عمر بن الخطاب استكمالًا لفتوحات أبي بكر الصديق رضي الله عنه. واتخذ أبو بكر قرار قتال الروم، بعد مهاجمتهم لجيش خالد بن سعيد بن العاص الذي كان يعسكر في تيماء. ونتيجة لذلك أرسل أربعة جيوش على رأسهم أربعة من أفضل القادة المسلمين وهم: يزيد بن أبي سفيان، شرحبيل بن حسنة، عمرو بن العاص، وأبو عبيدة بن الجراح. وقد أمرهم أبو بكر أن يدخلوا الشام من جهات متفرقة، وأن يكون كل قائد أمير على جيشه، وأن يتحدوا إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، على أن تكون القيادة العامة لأبي عبيدة.
عزل خالد بن الوليد
توفى أبو بكر الصديق خلال فتوحات الشام، في جمادى الآخر سنة 13 من الهجرة، بعد أن خاض المسلمون عدة معارك مع الروم، كان آخرها أجنادين. بينما يرى البعض أن معركة اليرموك كانت في عهد أبي بكر أيضًا. وكان الصديق قد عهد بقيادة الجيش في الشام إلى خالد بن الوليد، بعد انتصاراته في العراق.
بدأ عمر بن الخطاب خلافته بعزل سيف الله المسلول خالد بن الوليد من القيادة العامة للجيش بالشام، وعين مكانه أبا عبيدة بن الجراح. واختلف المؤرخون في تحديد الوقت الذي عُزِل فيه خالد، فقال البعض خلال حصار دمشق سنة 14 من الهجرة، وقال آخرون أن العزل تم خلال معركة اليرموك. وعندما تسلم أبو عبيدة قرار عمر بعزل خالد، كان خلال حصار دمشق أو خلال معركة اليرموك، فشعر بالحرج ولم يبلغ خالد بالأمر إلا بعد انتهاء القتال وتحقيق النصر.
واختلفت الروايات حول سبب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد على عدة أقوال. فذكر البعض أنه بسبب خوف عمر من افتتان الناس بخالد بسبب انتصاراته المتتالية. بينما قال آخرون بسبب اعتراض عمر على بعض تصرفات خالد خلال المعارك التي خاضها.
فتح الشام في عهد عمر بن الخطاب
بعد معركة أجنادين، تحصنت القوات البيزنطية في دمشق، وأمر الامبراطور بتجميع كل القوات في فحل وبيسان الموجودة بين الأردن ودمشق. وتوافد المسلمون إلى المنطقة، وانضم إليهم العرب النصارى من قبائل غسان ولخم وجذام، بعد رؤيتهم أن الكفة تميل لصالحهم.
دمر البيزنطيون سدود الأنهار الغربية، حتى لا يتقدم المسلمون، لكنهم نجحوا في التقدم، وقاموا بغارات على القرى؛ فقطعوا طريق الإمدادات إلى الجيش البيزنطي. عندما شعر البيزنطيون بالفشل، عرضوا الصلح، والتنازل عن منطقة البلقاء والمناطق الواقعة بين الأردن والجزيرة العربية، لكن رفض أبو عبيدة بن الجراح. ودخل الجيشان في حرب ضارية، كان النصر فيها حليفًا للمسلمين، الذين قتلوا 10 آلاف جندي بيزنطي ومعهم قائدهم، وهرب من تبقى منهم في مدن الشام، وأنطاكية.
كانت هذه المعركة التي وقعت في 28 من ذي القعدة سنة 13 من الهجرة، بابًا لفتح الكثير من المدن مثل بيسان وطبرية. ثم طلب أهالي القرى والمدن الأمان، فحصلوا على عهد بحماية أراوحهم وأموالهم وحرية معتقداتهم، مقابل دفع الجزية.
بعدما سمع هرقل بخبر هزيمة جيشه في فحل، أرسل جيشين آخرين لحماية دمشق وحمص، ومنع تقدم الجيش الإسلامي إليها. وكان على رأس الجيشين اثنين من أفضل القادة، الأول بقيادة توزر، ووصل إلى مرج دمشق وغربها، والثاني بقيادة شنس وعسكر في مرج الروم. وكان أبو عبيدة قد وصل بالجيش من فحل إلى دمشق، فقسم جيشه إلى قسمين، قسم بقيادته وقسم بقيادة خالد بن الوليد. وقع الجيش البيزنطي بين طرفي كماشة، وقتل خالد توذر، وقتل أبو عبيدة شنس، وغنم المسلمون الكثير من الغنائم.
فتح دمشق
كان فتح دمشق في عهد عمر بن الخطاب، حيث حاصرها الجيش الإسلامي بعد عودته من الأردن، في شهر محرم سنة 14 من الهجرة. تحصن أهل دمشق داخلها وقفلوا أبوابها، بينما حاصرها المسلمون بهذه الطريقة:
وقف أبو عبيدة بجيشه غرب المدينة على باب الجابية.
ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس.
وعسكر خالد عند الباب الشرقي، قرب دير صليبا.
ونزل عمرو بن العاص في الشمال الشرقي عند باب توما.
وعسكر يزيد بن أبي سفيان في الجنوب عند الباب الصغير.
ونجح أبو عبيدة في عزل دمشق عن باقي مدن الشام، ومنع وصول أي مساعدات وإمدادات لها، حتى يعلن أهلها الاستسلام. استمر حصار دمشق 70 يومًا، فهربت الحامية البيزنطية، ووجد الأهالي أنفسهم أمام المسلمين بدون حماية، فاستسلموا.
واختلفت الروايات حول طريقة فتح دمشق، طبقًا للطبري فخالد بن الوليد دخل المدينة عنوة. واضطر السكان إلى فتح باقي الأبواب أمام قادة المسلمين، عندما رأوا جنودهم مقتولين، وطلبوا الصلح أمام أبي عبيدة. وهناك رواية تقول أن أبا عبيدة هو الذي دخل المدينة عنوة، وهذا رأي البلاذري.
فتح بعلبك وحمص
ترك أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن. وتقدم هو وخالد بن الوليد إلى بعلبك، وفرضوا الحصار عليها، حتى استسلم أهلها في 25 ربيع الأول سنة 15 من الهجرة. وتعهد لهم أبو عبيدة بحماية أموالهم وأرواحهم مقابل دفع الجزية، وأمهلهم شهرين لمن أراد الخروج من المدينة.
بعد بعلبك توجه أبو عبيدة وخالد إلى حمص، واشتبك خالد مع قوة عسكرية وهزمها، ثم فرضا الحصار على المدينة. قفل أهل حمص أبوابها وانتظروا وصول مساعدات الامبراطور لكن دون جدوى. ثم انتظروا فصل الشتاء حتى يغادر المسلمون من شدة البرد، لكنهم تعرضوا لزلزال وتهدمت بعض منازلهم. فاضطروا إلى الاستسلام وطلبوا الصلح مقابل دفع الجزية.
بعد فتح حمص، كتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يبشره بالفتح قائلًا: “أما بعد، فالحمد لله الذي أفاء علينا وعليك يا أمير المؤمنين أفضل كورة في الشام أهلًا وقلاعًا، وأكثرهم عددًا وجمعًا وخراجًا، وأكبثهم للمشركين كبثًا، وأيسرهم على المسلمين فتحًا”.
ترك أبو عبيدة الصحابي عبادة بن الصامت على حمص، وسار هو وخالد يفتحون مدن الشام الوسطى مدينة وراء الأخرى. ونجحوا في فتح حماة وشيزر ومعرة النعمان بدون قتال. وفي تلك الأثناء وصلهم أمر من عمر بن الخطاب بوقف حركة الفتوحات هذا العام. فاستقر أبو عبيدة في حص، وخالد في دمشق، وعمرو في فلسطين.
فتح الأردن
نجح المسلمون بقيادة شرحبيل بن حسنة في فتح الأردن كاملة. ولم يتبقى إلا طبرية وفتحها أبو عبيدة عن طريق الصلح مع أهلها. وفي رجب سنة 15 من الهجرة، كانت معركة اليرموك بين المسلمون والروم، وحقق الجيش الإسلامي انتصارًا عظيمًا؛ فتح الباب لفتوحات الشام.
فتح بيت المقدس
يعد فتح بيت المقدس من أهم فتوحات الشام في عهد عمر بن الخطاب. حيث كان عمرو بن العاص معسكرًا بجيشه في فلسطين، ثم جاء إليه أبو عبيدة، وشرحبيل، وخالد. حاصر الجيش الإسلامي المدينة شهورًا طويلة دون جدوى، حتى استسلم حاكمها مقابل شرط معين. وكان شرطه أن يتسلم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب مفتاح المدينة بنفسه. وقال لأبي عبيدة “نحن نصالِحُك… فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا العهد، وهو يسامحنا ويكتب لنا الأمان”.
بعد استشارة الصحابة، خرج عمر بن الخطاب إلى فلسطين. وتوجد أكثر من رواية حول طريقة دخوله المدينة. هناك رواية تقول أنه دخل المدينة بجيش كبير. بينما ذكر آخرون أنه كان يركب جملًا واحدًا هو وغلامه، ويتناوبون عليه، حتى أنه دخل فلسطين سيرًا على أقدامه.
وصل سيدنا عمر فلسطين وصالح أهلها، وكتب لهم العهدة العمرية وأعطاهم الأمان. ثم تسلم مفاتيح المدينة وتم فتح القدس سنة 16 من الهجرة.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
البلاذري: فتوح البلدان.
الطبري: تاريخ الطبري.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: فتوحات الشام في عهد عمر بن الخطاب.
موقع موضوع: أهم فتوحات عمر بن الخطاب.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *