كانت فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أول خطوة بعد انتهاء حروب الردة. فبعدما نجح في السيطرة على الجزيرة العربية واليمن وأعاد الأمور مثلما كانت في عهد رسول الله، تفرغ للفتوحات. ولعب كثير من القادة دورًا بارزًا في الفتوحات على رأسهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد.

 

انطلاق الجيوش الإسلامية إلى العراق

جهز خليفة المسلمين أبو بكر الصديق جيشين وأرسلهما إلى العراق:

جيش خالد بن الوليد: وكان في اليمامة، وبعد انتصاره أرسل إليه أبو بكر بغزو العراق من جنوبها الغربي. وأمره أن يدعوا الناس إلى الإسلام، فإن امتنعوا فرض عليهم الجزية، فإن امتنعوا قاتلهم. وأكد عليه أن يضم إليه المسلمين في طريقه، وألا يكره أحدًا على الانضمام له، وألا يأخذ في جيشه من ارتد حتى وإن عاد إلى الإسلام. وخرج جيش خالد بن الوليد إلى العراق في محرم وقيل رجب سنة 12 من الهجرة. ثم أرسل إليه أبو بكر سرايا وإمدادات لمساعداته.

الجيش الثاني: بقيادة عياض بن غنم، وكان موجود بين الحجاز والبصرة، فكتب إليه أبو بكر أن يدخل العراق من شمالها الشرقي. وأمره أن يبدأ بالمصيخ على حدود الشام، ويسير حتى يصل إلى جيش خالد بن الوليد.

ثم أرسل أبو بكر لخالد وعياض، بأن من يسبق منهما إلى الحيرة فهو أمير عليها. فقد كانت الحيرة بمثابة قلب العراق، وقريبة إلى المدائن عاصمة الفرس، ومهمة عسكريًا للقوات الإسلامية المتواجدة في الشام.

وكان المثنى بن حارثة قد سبق هذين الجيشين وشرع في الجهاد داخل العراق، وكان هو من حث أبا بكر على محاربة الفرس. وبعدما بدأ في الجهاد أرسل إلى أبي بكر يطلب منه المدد، فبعث إليه خالد بن الوليد، بعدما فرغ من قتال المرتدين وكان معه 2000 مقاتل. ثم حشد 8 آلاف مقاتل من القبائل، فصار جيش المسلمين 12 ألف رجلًا، تجمعوا في “الأبلة”.

ثم كتب خالد إلى هرمز صاحب الأبلة “أما بعد، فأسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة”. وقبل بدء الحرب قسم خالد الجيش لثلاث أقسام، وأمر كل فرقة بأن تسلك طريق، فجعل على المقدمة المثنى، وفرقة عليها عدي بن حاتم الطائي، ثم لحق هو بهما في الحضير.

 

معركة ذات السلاسل

علم هرمز بقدم المسلمين واجتماعهم بالحضير، فسبقهم إليها، فقرر خالد بن الوليد النزول بكاظمة، فسبقه هرمز أيضًا إليها ونزل على الماء.  فقال خالد لجنوده “حطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين”. زحف المسلمون إلى الفرس، فأنزل الله المطر عليهم فشربوا ونهلوا منه. ثم دعا هرمز سيدنا خالد للمبارزة وكان ينوي الغدر به، لكن القعقاع بن عمرو لحق به مع جماعة من الفرسان، ثم انقض المسلمون على الفرس، وهزموهم.

انهزم الفرس رغم أنهم قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفرون من أرض المعركة، لذلك عرفت بمعركة ذات السلاسل. وغنم المسلمون 1000 بعير، ثم أرسل خالد السرايا إلى البلدان المجاورة للحيرة، فغنموا أموالًا كثيرة. ولم يتعرض خالد للفلاحين الذين لم يقاتلوه وأحسن معاملتهم كما أوصاه أبو بكر الصديق.

 

معركة الولجة

بعد هزيمة هرمز أمده كسرى بجيش بقيادة “قارن”، لكنه لم ينتظر وصول المدد إليه، واستخف بالمسلمين فتعرض لهزيمة ثانية. هرب فلول جيشه والتقوا بقارن في منطقة المذار. فخرج إليهم خالد بن الوليد، ودعاه قائدهم “قارن” إلى المبارزة، لكن سبقه معقل ابن الأعمش بن النباش وقتله. ثم قتل المسلمون باقي قادة الفرس، فانهزموا وقُتِل منهم 30 ألفًا، فهرب من تبقى منهم إلى السفن، ثم أقام سيدنا خالد بالمذار.

ولما علم كسرى بهزيمة جيشه، أرسل جيشان آخران إلى الولجة، أرادا حشر المسلمين بينهما. لكن سيف الله المسلول قسم جيشه أيضًا فذهب إليهم في المقدمة، ثم جعل فرقة تهاجمهم من المؤخرة وفرقة من الجانبين، وأوقعهم في الكمين. انهزم الفرس هزيمة ساحقة وهرب من تبقى منهم، لكنهم ماتوا من شدة العطش في الصحراء.

 

فتح أليس وأمغيشيا والحيرة

بعد هزائم الفرس المتلاحقة انضم إليهم بعض النصارى العرب وتجمعوا لقتال المسلمين، لكن الله أيد جنوده، واستطاع سيف الله المسلول تحقيق النصر في أليس. ثم سار حتى وصل أمغيشيا، فتفرق أهلها وغنم منها غنائم كثيرة، فأرسل خمسها إلى خليفة المسلمين أبي بكر الصديق ففرح بالنصر وقال “عجزت النساء أن ينسلن مثل خالد”.

أصبح الدور على الحيرة، لكن قائدها سد الفرات وعطل مرور السفن، فحزن المسلمون. لكن خالد نجح في في الاختراق والوصول إلى ابن مرزبان الحيرة وقتله، وعبر نهر الفرات، فتحصن أهل الحيرة بها. ثم حاصر القصر الأبيض، ثم قصر العدسيين، وحاصر المثنى بن حارثة قصر ابن بقيلة.

أمر خالد أمرائه بدعوة أهل الحير إلى الإسلام، لكنهم اختاروا القتال، فهجم عليهم المسلمون. ثم خرج أصحاب القصور يطلبون الصلح ويعرضون الهدايا على سيف الله المسلول، فقبلها خالد كجزء من الجزية وأرسلها إلى المدينة المنورة.

 

فتح الأنبار وعين التمر

ترك خالد بن الوليد على الحيرة القعقاع بن عمر التميمي، وذهب إلى الأنبار لإعانة القائد عياض بن غنم. كان أهل الأنبار قد صنعوا الخنادق وتحصنوا، فحصارهم المسلمون، وأمرهم خالد بتصويب السهام على عيونهم، فأصابوا في الرمية الأولى 1000 عين، لذلك سميت هذه الواقعة بذات العيون. لجأ خالد إلى ذبح الإبل الضعيفة ورمى بها في الخندق، واستطاع المسلمون اجتيازه. هنا اضطر شيراز قائد الفرس إلى طلب الصلح، على أن يخرج مع بعض جنوده سالمين، فوافق خالد.

وبعد أن نجح في فتح الأنبار، توجه إلى عين التمر فوجد أن العرب قد تجمعوا خلف عقة بن أبي عقة، وتحالفوا مع الفرس بقيادة مهران. نجح سيدنا خالد في هزيمة عقة وأسره، فهرب مهران، ونزل أهل الحصن على حكم خالد، فضرب عنق عقة.

 

فتح دومة الجندل

بعد أن خلف عويم بن الكاهل الأسلمي على عين التمر، رحل خالد إلى دومة الجندل. وكان يحكمها زعيمين: الجودي بن ربيعة، وأكيدر بن عبد الملك، لكنهما اختلفا فيما بينهما. فخرج أكيدر تاركًا قومه، فلحق به عاصم بن عمرو وأسره، ثم أمر خالد بقتله. بعد ذلك وضع دومة الجندل بين كماشة، يترأس هو طرف منها، والطرف الآخر بقيادة عياض بن غنم. نجح المسلمون في هزيمة عسكر دومة الجندل، فتحصن الناس داخل الحصن وأغلقوا أبوابه، لكن نجح خالد في كسره واجتيازه، وقتل عدد كبير منهم.

بعدما بقى خالد وحيدًا في دومة الجندل، شعر قائد بغداد أنها فرصة مناسبة للانقضاض عليه واسترجاع الأنبار. لكن استطاع المسلمون أيضًا السيطرة على الوضع وقتلهم.

 

معركة الفراض

بعد أن بسط خالد سيطرته على العراق، قصد منطقة الفراض الواقعة على حدود الشام والعراق والجزيرة العربية، حتى يحمي ظهره. غضب الروم فتحالفوا مع الفرس وبعض القبائل العربية من تغلب وإياد والنمر، وتجمعوا ضد المسلمين، في ذي القعدة سنة 12 من الهجرة.

وعندما وصلوا إلى الفرات قالوا للمسلمين “إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم”. فقال خالد “بل اعبروا إلينا”، قالوا “فتنحوا حتى نعبر”، فقال خالد “لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا”. فعبر الفرس واقتتلا الفريقان قتالًا شديدًا، حتى انتصر المسلمون وقتلوا عشرات الآلاف من الفرس. وكانت معركة الفراض آخر معركة لخالد بن الوليد في العراق، حيث انكسرت شوكة الفرس ولم تقم لهم قائمة.

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

تاريخ الطبري: ج3.

موقع قصة الإسلام: فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات