لقد كانت فتوحات عمر بن الخطاب سببًا في توسع حدود الدولة الإسلامية. فقد أرسل الجيوش إلى الشام والعراق وفارس وأفريقيا، ونجح في ضم آلاف الكيلومترات إلى خلافته. لقد كان عهد الفاروق ملئ بالإنجازات والفتوحات، حتى أنه قضى على وجود أقوى امبراطوريتين في المنطقة، فطرد البيزنطيين من الشام ومصر وليبيا، وطارد الفرس في العراق وإيران حتى خراسان، فهرب يزدجرد كسرى الفرس ولم تقم لهم قائمة.

 

فتوحات الشام

بدأت فتوحات الشام في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم استكمل سيدنا عمر بن الخطاب الفتح، ونجح في فتح بقية البلاد، كالتي:

فتح دمشق

حاصر الجيش الإسلامي دمشق بعد عودته من الأردن، في شهر محرم سنة 14 من الهجرة. تحصن أهل دمشق داخلها وقفلوا أبوابها، بينما حاصرها المسلمون من كل اتجاه بقيادة أبو عبيدة بن الجراح. نجح أبو عبيدة في عزل دمشق عن باقي مدن الشام، ومنع وصول أي مساعدات وإمدادات لها، حتى استسلمت بعد حصار 70 يومًا.

فتح بعلبك وحمص

ترك أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن. وتقدم هو وخالد بن الوليد إلى بعلبك، وفرضوا الحصار عليها، حتى استسلم أهلها في 25 ربيع الأول سنة 15 من الهجرة.

بعد بعلبك توجه أبو عبيدة وخالد إلى حمص، واشتبك خالد مع قوة عسكرية وهزمها، ثم فرضا الحصار على المدينة. قفل أهل حمص أبوابها وانتظروا وصول مساعدات الامبراطور لكن دون جدوى. ثم انتظروا فصل الشتاء حتى يغادر المسلمون من شدة البرد، لكنهم تعرضوا لزلزال وتهدمت بعض منازلهم. فاضطروا إلى الاستسلام وطلبوا الصلح مقابل دفع الجزية.

فتح الأردن

نجح المسلمون بقيادة شرحبيل بن حسنة في فتح الأردن كاملة. ولم يتبقى إلا طبرية وفتحها أبو عبيدة عن طريق الصلح مع أهلها. وفي رجب سنة 15 من الهجرة، كانت معركة اليرموك بين المسلمون والروم، وحقق الجيش الإسلامي انتصارًا عظيمًا؛ فتح الباب لفتوحات الشام.

فتح بيت المقدس

يعد فتح بيت المقدس من أهم فتوحات الشام في عهد عمر بن الخطاب. حيث كان عمرو بن العاص معسكرًا بجيشه في فلسطين، ثم جاء إليه أبو عبيدة، وشرحبيل، وخالد. حاصر الجيش الإسلامي المدينة شهورًا طويلة دون جدوى، حتى استسلم حاكمها مقابل شرط معين. وكان شرطه أن يتسلم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب مفتاح المدينة بنفسه. لذلك توجه عمر إلى فلسطين وصالح أهلها وكتب لهم العهدة العمرية، وتم فتح القدس سنة 16 من الهجرة.

 

فتوحات العراق

كانت فتوحات العراق قد بدأت في عهد أبي بكر الصديق على يد المثنى بن حارثة، ثم لحقه خالد بن الوليد وعياض بن غنم. وبعد وفاة خليفة رسول الله، استكمل أمير المؤمنين عمر الفتح، بعدما قدم المثنى إلى المدينة وطلب المدد. أعلن عمر التطوع وجمع 1000 رجل، على رأسهم أبو عبيدة الثقفي. ودارت عدة معارك بين المسلمين والفرس في عهد عمر بن الخطاب كالتالي:

معركة النمارق

جهز الفرس جيشًا لقتال المسلمين وعسكر بين النمارق والخيرة، وكان بقيادة أحد أثرياء العراق واسمه جابان. وصل أبو عبيدة الثقفي بجيش مكون من 10 آلاف مقاتل، وعسكر في مواجهة جابان بالنمارق القريبة من الكوفة. تقاتل الجيشان في 8 شعبان سنة 13 هـ، وانتصر المسلمون على الفرس.

معركة السقاطية وباقسياثا

هرب الجنود الفرس من النمارق وانضموا إلى جيش نرسي وكان ابن خالة كسرى. لكن أبا عبيدة لم يعطهم الفرصة وهاجمهم قبل وصول المدد إليهم في السقاطية في 12 شعبان سنة 13 هـ. تعرض الفرس لهزيمة ساحقة، وهرب نرسي من أرض المعركة.

معركة الجسر

بعد الهزائم المتلاحقة التي تعرض لها الفرس، جهزوا جيشًا كبيرًا مع بعض الفيلة. التقوا بجيش المسلمين عند الفرات، ونجحوا في هزيمتهم، واستشهد أبو عبيدة وعدد كبير من المسلمين وصل لأربع آلاف ما بين قتيل وغريق. وتعرض المسلمون لأول هزيمة في معركة الجسر في 23 شعبان سنة 13 من الهجرة.

معركة البويب

حشد عمر بن الخطاب المقاتلين من جميع القبائل وجمع 4 آلاف مقاتل وأرسلهم إلى العراق، بينما كان جيش الفرس يتكون من 70 ألف جندي. قاد المثنى بن حارثة الجيش والتقى بالفرس في البويب، وتمكن من هزيمتهم وقتل أعداد كبيرة منهم. وأعاد المسلمون انتصاراتهم ولاحقوا فلول الفرس وانتشروا في سواد العراق مرة ثانية.

معركة القادسية

كان سيدنا سعد بن أبي وقاص قائد معركة القادسية، لكنه تولى قيادة المعركة من بعيد بسبب إصابته بجروح. واعتمد الفرس على سلاح الفيلة، فجلبوا معهم 33 فيلًا، فكانت تخيف الخيل والرجال والإبل. واستمرت معركة القادسية 4 أيام بدءًا من 13 شعبان حتى 16 شعبان سنة 15 من الهجرة. وعلى الرغم من ضغط الفرس وأعدادهم الكبيرة واستخدامهم للفيلة التي جعلت المعركة لصالحهم، لكن تغلب المسلمون عليهم في اليوم الرابع.

فتح المدائن

بعد هروب الفرس من القادسية، أرسل سعد بن أبي وقاص خلفهم زهرة بن الحوَّية التميمي. ثم حاصر المسلمون نهرشير وضربوها بالمنجنيق والسهام، فتسلل الفرس ليلًا وهربوا منها. بعد ذلك نجح الجيش الإسلامي بقيادة سعد في عبور نهر دجلة والدخول إلى المدائن. هرب يزدجرد كسرى فارس، ولم يجد الجنود المسلمين أي مقاومة، لكنهم ظلوا يحاصرون القصر الأبيض 3 أيام، حتى استسلم الجنود داخله. ثم دخل سيدنا سعد إيوان كسرى، وجعله مصلى، ثم أقام في المدائن ونشر الجنود فيها، في صفر سنة 16 من الهجرة.

ظل المسلمون يطاردون الفرس من مدينة إلى أخرى حتى أخرجوهم من العراق. وفتحوا جلولاء وحلوان وتكريت والموصل والأبلة والبصرة.

 

فتوحات فارس

بعد أن فرغ المسلمون من فتح العراق كاملة، لم يرغب عمر بن الخطاب في الزحف تجاه فارس. لكن الفرس استغلوا كل فرصة للثورة والتمرد ومحاولة استرداد ما أخذه المسلمون منهم. لذلك أعطى عمر الأمر بتوجيه الفتوحات إلى أرض فارس، وفتحوا مدينة وراء أخرى، كالتالي:

فتح الأحواز

لجأ يزدجرد كسرى فارس إلى الرّيَ، ثم استقر بمرّو وجعل منها قاعدة لحكمه، بينما استقر الهرمزان في الأحواز. ولما هاجم الهرمزان القرى الممتدة بين البصرة وفارس، خرج النعمان بن مقرن المزني من الكوفة بقوة عسكرية لمواجهته. انتصر المسلمون على الفرس وحاصروا تستر عدة أشهر، ثم نجحوا في اقتحامها. كما أسروا الهرمزان وأرسلوه إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة المنورة، ثم حاصروا السوس، وشنوا هجومًا عليها حتى استسلم أهلها.

معركة نهاوند

حشد يزدجرد جيشًا وهو في مرّو، قيل وصل إلى 150 ألف مقاتل، كي يسترد هيبتهم بعد خسارتهم الأهواز. فخرج النعمان بن مقرن على رأس جيش من 30 ألف مقاتل إلى نهاوند. وبعد فشل المفاوضات، استعد الطرفان للحرب، ودارت بينهما معركة شرسة لمدة يومين. ضغط المسلمون فانسحب الفرس إلى المدينة وتحصنوا بها وكانت منيعة. لذلك اضطر النعمان إلى خديعتهم وسحبهم إلى الخارج، من خلال قوة عسكرية على رأسها القعقاع بن عمرو التميمي. ثم دخل المسلمون المدينة، وعقدوا الصلح مع أهلها مقابل الجزية.

فتح همذان وأصبهان والرّيّ وأذربيجان

بعد انتصار نهاوند صار نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو إلى همذان، فصالحهم حاكمها على الجزية. لكنه نقض العهد، فأمر عمر بن الخطاب، نعيم بالعودة إلى همذان مع 12 ألف مقاتل. ولما رأى أهل المدينة استيلاءه على المناطق المجاورة طلبوا الصلح مرة ثانية.

ثم أرسل عمر جيشًا آخر إلى أصبهان ودارت معركة كبيرة، قتل فيها شهريار بن جاذويه. ولما تعرض أهل أصبهان للهزيمة بعد القتال والحصار، تم الصلح مقابل الجزية. ثم فتح المسلمون قاشان وقم والرّيّ وطبرستان وأذربيجان وإقليم فارس وكرمان وسجستان.

فتح خراسان

كان يزدجرد مستقرًا في مرو بخراسان، فتوجه الأحنف بن قيس إليها سنة 22 من الهجرة. نجح الأحنف في فتح بهراة ومرو الشاهجان ومرو الروذ. لذلك هرب كسرى إلى بلخ واستعان بالترك وحصل على دعمهم، ونجح في حشد جيش وتوجه به إلى مرو الروذ وكان الأحنف متواجدًا فيها. استمر القتال أيامًا دون أن يحقق أي طرف منهم النصر، حتى يأس الترك ورأوا أنه لا سبيل لهزيمة المسلمين. ثم هرب يزدجرد إلى مناطق الترك، وعاش بينهم لبقية حياته، وفتح المسلمون خراسان بعد أن صالحوا أهلها مقابل الجزية.

 

فتوحات أفريقيا

بعد فتح بيت المقدس، توجه عمرو بن العاص بجيشه إلى أفريقيا واخترق صحراء سيناء. ونجح في فتح مصر ثم ليبيا، وكان يرغب في مواصلة المسير إلى تونس، لكن عمر بن الخطاب أمره بالتوقف حفاظًا على الجيش.

فتح مصر

خرج عمرو بن العاص إلى مصر ومعه 4 آلاف وقيل 5 آلاف جندي. وطلب الخليفة أن يكون خروج الجيش سرًا، فسار عمرو بجيشه في قلب صحراء سيناء على طول الساحل. وبدأ بحصار الفرما ثم اقتحمها في 19 محرم سنة 19 من الهجرة. ثم حاصر مدينة وراء أخرى وفتحها، ففتح بلبيس وأم دنين والفيوم وحصن نابليون. بعد ذلك توجه إلى الشمال إلى الإسكندرية وحاصرها 4 أشهر ونصف، حتى فتحها في 28 من ذي القعدة سنة 20 من الهجرة.

فتح ليبيا

لم يكن فتح ليبيا مخططًا له مسبقًا، ويعود السبب إلى تأمين حدود مصر الغربية من الحامية البيزنطية أو ربما إلى الرغبة في التوسع أكثر داخل إفريقيا ونشر الإسلام. فبعد أن انتهى عمرو بن العاص من فتح مصر والسيطرة على الوضع فيها، أرسل عقبة بن نافع في حملة استطلاعية إلى برقة ثم توجه بجيشه إليها. وكانت برقة تحت سيطرة البيزنطيين وتسكنها قبيلة لواتة البربرية.

لم يجد المسلمون أي مقاومة من المدينة، وتم الصلح مع أهلها مقابل دفع جزية قدرها 13 ألف دينار سنويًا. وتم فتح برقة سنة 22 من الهجرة، ثم أرسل عمرو قواته إلى أجزاء مختلفة. أرسل عقبة بن نافع إلى زويلة، وعبد الله بن الزبير إلى مصراتة، وبسر بن أرطاة إلى ودان. ونجح القادة المسلمون في فتح هذه المدن وضمها للدولة الإسلامية.

ثم توجه الجيش الإسلامي إلى فتح طرابلس، وكانت مرفأ حصين وفيها حامية بيزنطية كبيرة. تحصن البيزنطيون داخل المدينة وأقفلوا أبوابها، وانتظروا وصول المساعدات عن طريق البحر. مضت أسابيع من الحصار، ولم تحصل الحامية على أي إمدادات من القسطنطينية، فتعرضوا للجوع والإجهاد الشديد. لذلك نجح المسلمون في فتحها بعد حصار شهر، ثم فتحوا المناطق المحيطة مثل سيرت والزاوية وغريان وجبل نفوس وسبرة. وكان هذا الفتح من أهم فتوحات عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الطبري: تاريخ الطبري.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن عبد الحكم، تحقيق: فتوح مصر وأخبارها.

محمد سهيل طقوس: تاريخ الخلفاء الراشدين.. الفتوحات والإنجازات السياسية.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات