نقدم لك قصة ليلة الإسراء والمعراج مختصرة، فهي معجزة من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأحداث الهامة في تاريخ الدعوة الإسلامية. وكانت هذه المعجزة فتنة للمسلمين، فمنهم من ارتد عن الإسلام، ولم يصدق قصة سفره من مكة إلى القدس ثم عروجه إلى السماء وعودته في ليلة واحدة.
معجزة الإسراء والمعراج
المقصود بالإسراء هو رحلة النبي محمد من مكة إلى القدس، والتي كانت بطريقة غير مألوفة للبشر، وفوق تخيل العقل، بسبب سرعة وصول النبي. والمقصود بالمعراج هو رحلة النبي من القدس إلى السماء عند سدرة المنتهى ( شجرة عظيمة في الجنة).
لم يذكر الله سبحانه وتعالى قصة ليلة الإسراء والمعراج في سورة واحدة، بل ذكر الإسراء أولًا في سورة الإسراء، وتأخر الحديث عن المعراج حتى نزلت سورة النجم. والحكمة في ذلك أن تكون رحلة الإسراء التي تفوق العقل مقدمة للناس، وبعد استيعابهم للأمر ذكر الله قصة المعراج. ورغم أن الله سبحانه وتعالى ذكر أحداث الليلة على مراحل، إلا أن هناك من ارتد عن الإسلام، بعد حديث النبي عن رحلته إلى القدس، وثبت فقط أقوياء الإيمان.
متى كانت ليلة الإسراء والمعراج؟
بعد وفاة أبو طالب عم رسول الله وزوجته خديجة في نفس العام، ضاقت الأرض به وزاد بطش قريش وتكذيبهم. ولما ذهب إلى الطائف كذبوه وطاردوه بالحجارة، ثم دعا الله، فجاءه جبريل ومعه ملك الجبال وقال له “لو شئت نطبق عليهم الجبال”، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه “لا، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله”.
وبعد هذا الحزن والألم الذي عصف بقلب النبي خلال عام الحزن، منَّ الله عليه برحلة الإسراء والمعراج تكريمًا له وتخفيفًا عنه. واختلف العلماء في تحديد السنة والشهر، فقيل كانت معجزة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة، وقيل بستة عشر شهرًا. وكانت ليلة الاثنين 12 من ربيع الأول، وقيل كانت في 27 من شهر رجب. والراجع أنها كانت في شهر رجب، ويحيي المسلمون ذكرى ليلة الإسراء والمعراج في هذا التاريخ من كل عام.
أحداث قصة ليلة الإسراء والمعراج مختصرة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائمًا، فجاءه جبريل وأيقظه، ثم حمله على البراق ( دابة بيضاء بين البغل والحمار ) وانطلقا حتى بيت المقدس. وقيل أسرى به من بيته، وقيل من بيت أم هانيء، واختلف بعض العلماء حول الإسراء، هل كان بالروح، أم بالجسد، أم بالروح والجسد معًا وهذا المتفق عليه.
وبعد الوصول إلى بيت المقدس كان المعراج والصعود من أقطار الأرض والسماوات واختراق النجوم والكواكب. ويقول النبي في حديث الإسراء والمعراج “لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أتى بالمعراج، ولم أر شيئاً قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة، يقال له إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملكٍ. فقال وأتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟، قال: جبريل، قيل: من معك ؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟، فقال: نعم، قيل مرحبًا به فنعم المجيء جاء. ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح…”.
وصف أهل النار في الإسراء والمعراج
يصف النبي رؤيته لأهل النار قائلًا: “ثم رأيت رجالاً لهم مشافر كمشافر الإبل، في أيديهم قطع من نار كالأفهار، يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلمًا. قال ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلهما قط، بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار. يقول النبي: قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا. ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن، فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجالهن من ليس من أولادهم (الزانيات).
وصف الأنبياء في رحلة الإسراء والمعراج
بعد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لسيدنا آدم في السماء الدنيا، صعد به جبريل إلى السماء الثانية. وفيها رأى سيدنا زكريا وسيدنا عيسى عليهما السلام، وهما أبناء خالة. سلم عليهما النبي، فردا عليه السلام ” مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح”.
ثم صعد به جبريل إلى السماء الثالثة، فرأى رجل صورته مثل صورة البدر، وعلم أنه يوسف عليه السلام. سلم عليه النبي فرد يوسف السلام قائلًا “مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح”. ثم صعدا إلى السماء الرابعة، وكان بها إدريس، فسلم عليه ورد السلام بنفس الطريقة.
وعندما صعد إلى السماء الخامسة، رأى جلًا كهلًا، أبيض الرأس واللحية، يقول النبي لم أرى أجمل منه. وعلم من جبريل أنه هارون بن عمران المحبب في قومه، فسلم عليه ورد بنفس الطريقة. وعندما صعد إلى السماء السادسة، قال جبريل للنبي “هذا أخوك موسى بن عمران”، سلم عليه النبي فرد السلام أيضًا بنفس الطريقة “مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح”، ولما تجاوزه بكى، فقيل ما يبكيك ؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي”.
السماء السابعة
وعندما صعد النبي إلى السماء السابعة رأى رجلًا كهلًا يجلس على كرسي أمام البيت المعمور. سأل جبريل “من هذا الرجل”، فقال له “هذا أبوك إبراهيم”، فسلم عليه النبي، ورد عليه “مرحبًا بالابن الصالح، والنبي الصالح”.
ولما ذهب به جبريل إلى سدرة المنتهى، فرض الله على أمته 50 صلاة في اليوم والليلة. وخلال عودته رأى موسى عليه السلام فقال له “ما فرض ربك على أمتك”، فقال النبي “خمسين صلاة”، فقال له موسى “ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك”. عاد النبي إلى الله وسأله التخفيف، فحط عنه خمسًا، ثم عاد إلى موسى فأخبره، فقال له ارجع إلى ربك. وظل النبي يذهب إلى موسى ويعود إلى الله وفي كل مرة يخفف الله خمسًا، حتى صارت خمس صلوات مفروضة على المسلمين. ولما رجع النبي لموسى أخبره، فقال له ارجع إلى ربك واسأله التخفيف، فقال صلى الله عليه وسلم “قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه”.
ماذا رأى النبي خلال الإسراء؟
الدنيا: ورآها بصورة عجوز، خلال طريقه إلى بيت المقدس.
إبليس: وكان متنحيًا عن الطريق.
ماشطة بنت فرعون: وقد شمَّ النبي ريحة طيبة من قبرها.
المجاهدون في سبيل الله: ورآهم يزرعون ويحصدون في يومين.
خطباء الفتنة: وهم الذين يدعون الناس إلى الفساد والضلال.
الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: فرأى ثور يخرج من مكان ضيف، ثم يحاول العودة فلا يستطيع.
تاركوا الصلاة: ورآهم تكسر رؤوسهم ثم تعود كما كانت.
شاربوا الخمر: ورآهم يشربون من الصديد الذي يخرج من الزناة.
الذين يقولون الغيبة: ورآهم يقطعون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية.
ماذا رأى النبي خلال المعراج؟
مالك خازن النار: ولم يضحك في وجه النبي، فقال له جبريل “إن مالكًا لم يضحك منذ خلقه الله، ولو ضحك لأحد لضحك لك”.
البيت المعمور: في السماء السابعة، يدخله كل يوم 70 ألف ملك، ثم يخرجون منه ولا يعودون.
الملائكة: وهم أجسام نورانية، لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يعصون الله، وليس لهم حصر.
سدرة المنتهى: وهي شجرة عظيمة جذورها في السماء السادسة وتصل إلى السماء السابعة، عليها فراشات من ذهب.
الجنة: وهي موجودة فوق السموات السبع، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ورأى فيها النبي الحور العين، والولدان المخلدون وهم ليسوا من البشر ولا الملائكة ولا الجن، خلقهم الله لخدمة أهل الجنة.
العرش: وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، وهو أعظم مخلوقات الله، وله قوائم يحملها أربعة من الملائكة. والعرش أول المخلوقات بعد الماء، يليه القلم الأعلى ثم اللوح المحفوظ.
رد فعل المسلمين وقريش
لما عاد النبي من رحلة الإسراء والمعراج في نفس الليلة، أخبر الكفار أنه أُسرِي به إلى بيت المقدس، فلم يصدقوه وسخروه منه. ثم ذهبوا إلى أبي بكر الصديق وقالوا له “إن صاحبك يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة واحدة”. فقال أبو بكر رضي الله عنه “لئن قال ذلك فقد صدق”. قالوا “أتصدق أن يذهب إلى هناك ويعود قبل أن يُصبح؟”، فقال “وأصدق أكثر من ذلك”. ومن أجل ذلك سمي رضي الله عنه بالصديق.
كان الكفار يعلمون أن النبي لم يذهب إلى بيت المقدس قط، فسألوه عن أوصافها، فوصف لهم النبي وصفًا دقيقًا. ولما ارتد بعض ضعاف الإيمان عن الإسلام، أنزل الله قوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾.
المصادر:
موقع دار الفتوى المصرية: ليلة الإسراء والمعراج شرح تفصيلي بالأدلة من القرآن والحديث.
موقع سويدان: قصة ليلة الإسراء والمعراج مختصرة.
أحمد أحمد غلوش (2003)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 385.
سعيد حوَّى (1416 هـ – 1995 م)، كتاب الأساس في السنة وفقهها – السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، دار السلام، صفحة 305، جزء 1.
عطية بن محمد سالم، دروس الهجرة، صفحة 4-5، جزء 4.
موقع موضوع: ليلة الإسراء والمعراج بالتفصيل.
موقع إسلام ويب: الإسراء والمعراج.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *