قصة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، أخذت منعطفات كثيرة من أول حياته إلى نهايتها. إنه واحد من العبادلة الأربعة، ومن أشجع الصحابة الصغار، وواحد ممن تولوا خلافة المسلمين.  له كثير من الفضائل والمواقف الهامة، ولعب دورًا جوهريًا في أكثر وقت حرج في الدولة الإسلامية.

 

نبذة عن عبد الله بن الزبير

ولد سيدنا عبد الله بن الزبير بقباء في شهر شوال سنة 1 هـ، وكان أول مولود للمسلمين بعد الهجرة النبوية الشريفة. خرج أبيه الزبير بن العوام وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق مهاجرين إلى المدينة وقد أتمت حملها به، فولدته في الطريق قبل دخول يثرب. كان أهل يثرب لا يولد لهم مولود منذ فترة طويلة، وكانوا يعتقدون أن يهود المدينة قاموا بسحرهم، فاستبشروا بقدومه. بعد ولادته حملته السيدة أسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه بتمرة، وسماه عبد الله، وأمر جده أبا بكر أن يؤذن في أذنيه.

كان عبد الله فارسًا مغوارًا، فشارك في الفتوحات الإسلامية، وكان من المدافعين عن عثمان بن عفان ضد الثائرين عليه. كما رفض مبايعة يزيد بن معاوية فدارت المعارك بينه وبين الدولة الأموية وانتهت بقتله.

 

نسب عبد الله بن الزبير

اسمه: عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي.

أبوه: الصحابي الزبير بن العوام، وهو ابنة عمة النبي صفية بنت عبد المطلب.

أمه: ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق.

جده: أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين.

خالته: عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوجة النبي.

عمه: السائب بن العوام.

زوجاته: أم الحسن بنت الحسن بن علي، عائشة بنت عثمان بن عفان، تماضر بنت منظور الفزارية، ريطة بنت عبد الرحمن المخزومية، زجلة بنت منظور الفزارية، حنتمة بنت عبد الرحمن المخزومية.

أبناؤه: خُبيب، هاشم، حمزة، عباد، ثابت، قيس، عروة، عامر الزبير، موسى، بكر، أبو بكر، عبد الله، مصعب.

بناته: أم حكيم، فاختة، فاطمة، رقية، أم الحسن.

 

دوره في عهد الخلفاء الراشدين

كان عبد الله فتى صغير خلال حياة النبي، لذلك لم يشارك في الغزوات، وبدأ دوره في غزوة اليرموك، حيث قام بتطبيب الجرحى ولم يقاتل لصغر سنه. وفي عهد عثمان بن عفان شارك في فتوحات إفريقية، وتولى إرسال المدد إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ولعب دورًا هامًا في انتصار المسلمين. اخترق عبد الله بن الزبير مع فرسانه جيش الروم وقتل قائدهم، ومالت الكفة للمسلمين. وعندما انتصر المسلمين عاد إلى الخليفة يبشره بالفتح.

 

موقفه مع عثمان بن عفان

عندما حاصر الثوار عثمان بن عفان في داره، كان الزبير بن العوام ممن دافعوا عنه وصدوا الهجوم، وحاول أن يقاتلهم لكن سيدنا عثمان رفض ذلك. ثم أصيب إصابات بليغة جعلته طريح الفراش. وبعد مقتل عثمان وحدوث انقسامات بين المسلمين بسبب الثأر، كان عبد الله في صف من طالب بالقصاص ( أبيه وطلحة والسيدة عائشة). وشارك في موقعة الجمل، وقيل أنه أصيب بـ 19 جرحًا، وكاد أن يهلك.

عندما تولى معاوية بن أبي سفيان أمور المسلمين، كان من قادة الفتوحات في عهده، فشارك في فتوحات إفريقية مثل بنزرت وسوسة، كما شارك في حصار القسطنطينية.

 

ثورة عبد الله بن الزبير

بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان تولى الخلافة ابنه يزيد، وهذا ما رفضه عبد الله بن الزبير والحسين بن علي. كان يزيد يريد الحصول على البيعة منهم ومعهم عبد الله بن عمر، فأرسل إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة يأخذ البيعة. فأمهلهما الوليد ليلة لكنهما ذهبا إلى مكة المكرمة حتى لا يبايعا يزيد. وبعد مقتل الحسين في موقعة كربلاء سنة 61 هـ، غضب المسلمين جميعًا، وقام ابن الزبير بتأليب الناس على بني أمية. عندما علم يزيد بذلك أمر أن يأتيه مكبلًا، فعاد عبد الله إلى البيت الحرام.

بدأ أهل مكة يجتمعون حول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فأثأر هذا غضب يزيد بن معاوية، وأرسل الجيوش لمحاربته. ففي شهر محرم سنة 64 هـ، أرسل له جيشًا وضربوا مكة بالمنجنيق فاحترقت الكعبة، وتعرض عبد الله لخسائر فادحة وخسر كثير من مؤيديه.

 

خلافة عبد الله بن الزبير

في أول ربيع الآخر سنة 64 هـ، مات يزيد بن معاوية، وانسحب الجيش الأموي من مكة وفكوا الحصار عن ابن الزبير. دعا عبد الله بن الزبير بالخلافة لنفسه، فبايعه أهل الحجاز ثم الكوفة والبصرة وخراسان واليمن ومعظم بلاد الشام. وبدأ يعين عمال له على المدن، فولى أخاه مصعب على المدينة المنورة، وعبد الله بن مطيع على الكوفة، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة، والضحاك بن قيس على الشام، وأرسل ولاة لخراسان واليمن ومصر. وبعد أن اتبعته معظم البلاد الإسلامية اعتبره البعض خليفة شرعي للمسلمين مثل بن حزم وابن كثير والذهبي.

عندما تولى مروان بن الحكم أمور بني أمية، نجح في استعادة سيطرة الأمويين على الشام، ثم سيطر على حمص وفلسطين وقنسرين ومصر. لم يتبقى مع عبد الله بن الزبير سوى الحجاز والعراق، لكن سرعان ما استولى عبد الملك بن مروان على العراق وقتل مصعب بن الزبير سنة 72 هـ.

أصبح ابن الزبير لا يملك إلا الحجاز، فأرسل عبد الملك الجيوش إليها ونجح في السيطرة على المدينة. تم حصار عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في مكة، وأرسل إليه ابن مروان القائد الحجاج بن يوسف الثقفي.

 

حصار الحجاج لمكة

عند وصول الحجاج نزل الطائف وأرسل السرايا إلى كل مكان داخل الحجاز. ثم طلب المدد من ابن مروان واستأذنه في حصار مكة. نصب الحجاج المنجنيق حول مكة في شهر ذي الحجة سنة 72 هـ، وحاصرها، فتعرض أهل مكة لجوع شديد. اضطر ابن الزبير إلى ذبح حصانه حتى يطعم أصحابه، الذين خذلوه وتركوه وحده في ميدان القتال.

عندما وجد الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير نفسه وحيدًا، ذهب إلى أمه أسماء بنت أبي بكر واشتكى لها فقالت له “أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان أمية. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن”. فقبل عبد الله رأسها، وعزم على مواصلة القتال.

 

مقتل عبد الله بن الزبير

بعد أيام قليلة اقتحم الحجاج بن يوسف الثقفي مكة، وقتل الكثير من أهلها ومن أصحاب ابن الزبير. وظل عبد الله يقاتل حتى قتل بعد حصار دام أكثر من 8 شهور. لم تكن وفاة عبد الله بن الزبير عادية، حيث قطع الحجاج رأسه وأرسلها لعبد الملك بن مروان، وصلب باقي جسده.

ظل مصلوبًا حتى مر عليه عبد الله بن عمر فقال “رحمة الله عليك يا أبا خبيب، أما والله لقد كنت صوّامًا قوّامًا”. ثم بعث للحجاج قائلاً: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟” فأنزلوه وصلى عليه أخوه عروة. وتوفيت أمه أسماء بنت أبي بكر بعده بشهور في المدينة.

 

المصادر:

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات