قصة عمر والهرمزان من قصص التاريخ الإسلامي، التي توضح الفارق الكبير بين الإمبراطوريات في ذلك الوقت وبين الدولة الإسلامية الناشئة. فالهرمزان رمز للإمبراطورية والعظمة والأبهة التي تطغى على شكله من لبس الجواهر والحرير. أما عمر بن الخطاب رمز لجوهر الإسلام الذي يتميز بالتواضع والبساطة والحكم بالعدل. لقد كان اللقاء بينهما كاشفًا للفروقات الكبيرة بين حضارة الفرس القائمة على العظمة والهيبة الشكلية للملوك والأمراء والأكاسرة، وبين الإسلام الذي ينص على أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
والحقيقة أن لقائهما كان مفاجأة للطرفين، فقد تفاجأ الهرمزان من بساطة خليفة المسلمين الذي هزم الفرس والروم، وتفاجأ المسلمون من أبهة وعظمة الهرمزان، وازدادوا ثقة في قدراتهم العسكرية، التي مكنتهم من رقبته ومن رقاب قادة الفرس الذين كانوا يهابونهم ويخشون الدخول في معهم حرب.
أسر الهرمزان
كان يزدجرد كسرى فارس موجودًا في الرّيَ، لكنه تعرض لمؤامرة من حاكمها فهرب إلى خراسان. ثم استقر بمرّو وجعل منها قاعدة لحكمه، بينما استقر الهرمزان في الأحواز. علم يزدجرد بعدم رغبة خليفة المسلمين في تجاوز حدود العراق، فبدأ يشعل نار التمرد بين الفرس. لذلك خرج الهرمزان بقوة عسكرية من تستر، وهاجم القرى الممتدة بين البصرة وفارس.
خرج النعمان بن مقرن المزني من الكوفة بقوة عسكرية لمواجهة الهرمزان، ثم أرسل إليه أبو موسى الأشعري مددًا من البصرة بقيادة سهل بن عدي. عبر النعمان نهر دجلة وسار إلى الأحواز، واصطدم بالهرمزان في ناحية “أربك” وانتصر عليه. انسحب الفرس إلى تستر، فحاصرها المسلمون عدة أشهر، ثم اقتحموها بمساعدة أحد سكانها. كما أسروا الهرمزان وأرسلوه إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة المنورة.
لقاء عمر والهرمزان
بعد أسر الهرمزان في المعركة، أخذه وفد من تستر إلى المدينة المنورة، وكان على رأس الوفد المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك، وقيس بن الأحنف. وبعد اجتياز ألف كيلو وقبل دخول المدينة، قاموا بإلباس الهرمزان ملابسه الفخمة وتاجه وأساوره وقلائده المصنوعة من أفخم أنواع الجواهر، بالإضافة إلى سيفه الذهبي.
دخل الهرمزان المدينة المنورة بكل فخامته وأبهته، فلما رآه الناس تعجبوا فلم يروا حاكم مثل هذا من قبل. سأل أعضاء الوفد عن مكان أمير المؤمنين، وعرفوا أنه يقابل وفدًا من الكوفة بالمسجد. ذهبوا إليه وتجمع أهل المدينة ليحضروا هذا اللقاء، لكنهم وجدوا أن عمر قد نام في أحد زوايا المسجد بلا حراس ولا حجاب وبملابس متواضعة. وهذا بالطبع شيء عجيب للهرمزان، عند مقارنته بوضع كسرى فارس.
سأل الهرمزان: أين عمر؟ فقال الناس: هذا هو النائم؟، فقال : أين حراسه وأين حُجَّابه؟، فقال الناس: ليس له حُجَّاب ولا حرس. فقال الهرمزان: هذا ينبغي أن يكون نبيًا؟، فرد عليه الناس: ليس نبيًا ولكنه يعمل عمل الأنبياء.
حديث عمر والهرمزان
استيقظ عمر رضي الله عنه، من صوت الناس، ولما نظر إلى الهرمزان عرفه وقال: أعوذ بالله من النار وأستعين بالله. ثم أردف قائلًا: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشياعه، يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدي نبيكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غدارة.
قال الوفد لعمر: هذا ملك الأهواز فكلمه. فقال: لا، حتى لا يبقى عليه من حليته شيء. قام الصحابة بنزع ملابس ومجوهرات الهرمزان وألبسوه لباسًا بسيطًا، فقال عمر: يا هرمزان، كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلَّى بيننا وبينكم فغلبناكم. إذ لم يكن الله معنا ولا معكم، فلما كان الله معكم غلبتمونا. فقال أمير المؤمنين: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا. ثم قال: ما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال الهرمزان: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك. قال عمر: لا تخف ذلك.
خدعة الهرمزان لعمر
حاول الهرمزان كسب الوقت، فطلب الماء، فأمر له سيدنا عمر بقدح منه. وهنا تظهر سماحة الإسلام ومبادئه، فعلى الرغم أن الهرمزان عدو يستحق القتل بسبب غدره، لكن رحمة الإسلام تتجلى فوق كل شيء. ولو كان هذا الموقف حدث في فارس، لحدث العكس ولما حصل على فرصة حتى لقول كلمة واحدة، وكانت رأسه قد قطعت على الفور.
عندما مسك الهرمزان بقدح الماء، ارتعشت يده، وقال أخشى أن أقتل وأنا أشرب. فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشرب. وهنا استغل الهرمزان كلمة عمر كي يحمي رقبته، فرمى الماء من يده ولم يشرب. ولما أعاد الصحابة إليه القدح قال: لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن استأمن به.
غضب سيدنا عمر وقال: إني قاتلك. فقال الهرمزان: إنك أمَّنتني. فرد عليه: كذبت، وهنا تدخل أنس بن مالك رغم أن الهرمزان قد قتل أخيه البراء، وقال: صدق يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ويحك يا أنس! أنا أُؤَمن من قتل مجزأة والبراء؟! والله لتأتينَّ بمخرج أو لأعاقبنك. قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني، ولا بأس عليك حتى تشرب. وقال الناس حول عمر نفس كلام أنس، فأقبل على الهرمزان وقال: خدعتني، والله لا أنخدع إلا لمسلم. وهنا أعلن الهرمزان إسلامه وأعتق نفسه، فعلمه الصحابة الإسلام، ثم سكن بالمدينة.
وفاة عمر وقتل الهرمزان
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع دخول غير المسلمين إلى المدينة، فطلب المغيرة بن شعبة دخول رجل يدعى أبو لؤلؤة، بعد أن نجح في إخفاء مجوسيته. أظهر أبو لؤلؤة المجوسي حبه وإخلاصه للمسلمين، وظل يراقب الفاروق رضي الله عنه من بعيد، حتى وجد الوقت المناسب. فبينما كان عمر يكبر لصلاة الفجر خلال شهر ذي الحجة سنة 23 هـ، انقض عليه وطعنه 6 طعنات بخنجر مسموم. كما طعن 13 رجلًا آخرين، ولما تيقن من عدم نجاته طعن نفسه. وظل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مريضًا 3 أيام، حتى مات يوم الأربعاء 26 من شهر ذي الحجة عام 23 هـ.
تقول أحد الروايات التاريخية، أن إسلام الهرمزان لم يكن عن اقتناع، وأنه كان يضمر الشر، وهو من أعان أبو لؤلؤة المجوسي لقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فقد ذكر سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قد رأى الهرمزان يقف مع أبي لؤلؤة قبل طعنه لعمر ورأى معهم خنجر. فلما علم عبيد الله بن عمر، انطلق إلى الهرمزان فقتله.
بينما ذكر الطبري رواية أخرى في كتابه تاريخ الرسل الملوك. حيث روى عن القماذبان بن الهرمزان أنه قال في مقتل أبيه: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: آنس به؛ فرآه رجل، فلما أصيب عمر، قال: رأيت هذا مع الهرمزان، دفعه إلى فيروز. فأقبل عبيد الله فقتله. ويقول القماذبان أيضًا، أن عثمان بن عفان بعدما تولى الخلافة أعطاه حق القصاص لأبيه من عبيد الله بن عمر، لكنه تركه ولم يقتص منه.
المصادر:
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن حزم: المحلى بالأثار.
موقع إسلام ويب: لماذا لم يقتل عثمان بن عفان عبيد الله بن عمر عندما قتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة؟
موقع قصة الإسلام: لقاء عمر مع الهرمزان.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *