كانت غزوة عمرة القضاء متفق عليها بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين قريش ضمن شروط صلح الحديبية. وفيها أدى النبي وأصحابه من المهاجرين والأنصار العمرة وطافوا بالبيت الحرام دون أن يتعرض لهم أحد من قريش بأذى.
ما هي عمرة القضاء؟
كانت عمرة القضاء في شهر ذي القعدة سنة 7 من الهجرة. حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم برفقة 2000 من الصحابة، وتوجهوا إلى مكة المكرمة لأداء العمرة. وكان النبي والمسلمين توجهوا لأدائها قبل عام سنة 6 من الهجرة، لكن قريش منعتهم من الدخول.
لماذا سميت عمرة القضاء بهذا الاسم؟
سميت عمرة النبي صلى الله عليه وسلم، سنة 7 من الهجرة بعمرة القضاء أو عمرة القضية. وترجع التسمية كما قال الحافظ في الفتح إلى مقاضاة النبي لقريش، وليس لأنها قضاء عن عمرة صلح الحديبية، لأنها كانت عمرة تامة. ولذلك ذكر العلماء أن النبي اعتمر 4 مرات في حياته، 3 منها كانت خلال شهر ذي القعدة، والأخيرة كانت مع حجة الوداع.
خلفية صلح الحديبية
في شهر ذي القعدة سنة 6 من الهجرة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم، من المدينة متوجهًا إلى مكة ومعه 1400 من المهاجرين والأنصار. وأحرموا من ذي الحليفة، حتى يعلم أهل مكة أنهم جاءوا للعمرة ولم يأتوا للقتال، وحملوا معهم سلاح السفر فقط لحماية أنفسهم. لكن عند اقترابهم من مكة، جمعت قريش المقاتلين لصدهم عن زيارة بيت الله الحرام، رغم علمهم أنهم لم يأتوا للحرب
عندما وصل النبي إلى الحديبية، أرسلت له قريش بديل بن ورقاء الخزاعي، وأخبره إذا دخل مكة فستقاتله قريش. فأخبره النبي أنه لم يأت لقتال، ورغم ذلك ظلت قريش ترسل له الرسل والنبي صلى الله عليه وسلم يرد نفس الرد ” لم نأت لقتال”.
وفي نهاية المطاف أرسلت قريش سهيل بن عمرو، ولما رآه النبي قال “قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل”. تكلم سهيل مع النبي وأصحابه حتى توصلوا إلى الصلح الذي عُرِف بصلح الحديبية. وكان ضمن شروطه ما يلي:
لا يعتمر المسلمون هذا العام ويعودوا إلى المدينة، ثم يدخلون مكة في العام القادم.
من أراد أن ينضم لقريش فلينضم، ومن أراد أن ينضم للمسلمين من غير قريش فله ذلك.
عدم الدخول في القتال لمدة 10 سنوات.
عدم الاعتداء على بعض أو على أي قبيلة.
أن يرد النبي من يأتيه من قريش مسلمًا، وألا ترد قريش مسلمًا جاء إليهم.
غزوة عمرة القضاء
خرج النبي مع 2000 من أصحابه، وتوجهوا إلى مكة في السنة التالية حسب الاتفاق. لكن هذا العام خرج بالسلاح وجهز للحرب في حالة خانت قريش الاتفاق. عندما رأت جواسيس قريش قدوم المسلمين بالسلاح، فزعوا وأخبروا زعماء مكة، لأن قوتهم باتت أقل من قوة المسلمين الذين أصبحوا الأقوى في الجزيرة العربية.
سارعت قريش في إرسال وفد بزعامة مكرز بن حفص إلى النبي، ليعلموا نيته. قابلوا النبي في بطن يأجج بمر الظهران. وقالوا له “يا محمد؛ والله ما عرفناك صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر، تدخل بالسلاح الحرم على قومك، وقد شرطتَ ألاَّ تدخل إلاَّ على العهد، وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها؟!”.
قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ” لا ندخلها إلا كذلك”، والتزم بعهده وبشروط صلح الحديبية. ربما لو كان محمد مجرد قائد عسكري، لاغتنم الفرصة وهاجم مكة وفتحها بسهولة، لكنه رسول الله. عاد مكرز والوفد إلى مكة، وأخبروا قريش بأن النبي لن يدخلها بالسلاح ولم يأت للحرب، وأنه عند عهده.
الدخول لأداء العمرة
أخلت قريش مكة 3 أيام للمسلمين، ثم وقفوا على رؤوس الجبال يشاهدونهم. ودخل النبي مكة كما وعد برفقة الصحابة والسيوف في أغمادها. وترك السلاح خارج حدود مكة تحت حراسة محمد من مسلمة و200 فارس.
طاف المسلمون بالكعبة وأتموا عمرتهم. وبعد انتهاء الأيام الثلاثة المتفق عليها ذهب حويطب بن عبد العزة وسهيل بن عمرو إلى النبي لحثه على الخروج من مكة. فقالوا له: “لقد انقضى أجلك، فاخرج عنا”، فرد عليهم النبي بلين ولطف قائلًا “وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَصَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ؟”. لكنهم ردوا على النبي بكل غلظة وجفاء الأعراب ” لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنَّا”.
كان النبي صلى الله عليه وسلم، يريد تلين قلوبهم، بدعوتهم إلى طعام زواجه من ميمونة بنت الحارث، لكن طباعهم الحادة وقلوبهم الحقودة أبت حدوث ذلك. فخرج النبي والمسلمين من مكة وتوجهوا إلى المدينة المنورة والتزموا بالعهد.
وبذلك كانت عمرة القضاء ثمار صلح الحديبية الذي لم يرض عنه الصحابة رضوان الله عليهم. وكان عمر بن الخطاب أول الغاضبين على بنود الصلح، ورأى فيها ظلمًا للمسلمين، فقال له النبي ” يا بن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدًا”.
وحزن النبي من الصحابة لأنهم تباطؤا في تنفيذ أوامره عندما قال لهم “قوموا فانحروا، ثم احلقوا”، وما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاثا. فأشارت عليه أم المؤمنين أم سلمة أن ينحر بدنه ويحلق رأسه، وهم سيقتضون به. فقام صلى الله عليه وسلم، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنه ودعا حالقه؛ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما”.
زواج النبي من ميمونة بنت الحارث
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث خلال غزوة عمرة القضاء في شهر ذي القعدة سنة 7 من الهجرة. وهي خالة خالد بن الوليد، وأخت أم الفضل لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبد المطلب عم النبي.
ورد في زواج النبي منها أكثر من رواية، قيل أن العباس بن عبد المطلب عرضها على النبي. وقيل أن النبي أرسل إليها جعفر بن أبي طالب لخطبتها، وكانت على بعير لها، فقالت له ” البعير وما عليها لله ولرسوله”. فنزل قول الله تعالى ﴿وَامرَأةٌ مُؤمِنَةٌ إن وَهَبَت نَفسَها لِلنَّبِیِّ﴾.
كانت السيدة ميمونة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتغتسل معه من إناء واحد. وقيل أن اسمها “برَّة”، فسماها النبي ميمونة. وكانت رضي الله عنها آخر زوجات الرسول، وروت عنه بعض الأحاديث.
توفيت رضي الله عنها سنة 51 من الهجرة، وعمرها 80 سنة، وصلى عليها عبد الله بن عباس. وقيل أنها توفيت بين مكة والمدينة في نفس المكان الذي تزوجها النبي فيه. عن يزيد بن الأصم قال “دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت حلقت في الحج. نزلت في قبرها، أنا وابن عباس”.
نتائج عمرة القضاء
تحقق وعد الله سبحانه وتعالى للنبي والمسلمين. قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾.
ظهرت قوة الدولة الإسلامية، وأصبح المسلمون في عزة بعد الضعف. وتبدل الحال وأصبحت قريش بجبروتها لا تقوى على الوقوف في وجه المسلمين، فأخلوا مكة للصحابة ووقفوا على رؤوس الجبال يتطلعون من بعيد.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
الطبري: تاريخ الأم والملوك.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
سيرة ابن هشام.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *