محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، الملقب بـ”النفس الزكية”، وُلد بالمدينة المنورة سنة 100هـ/718م. ينحدر من سلالة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، مما منحه مكانة خاصة في قلوب العلويين.
نشأته
نشأ محمد النفس الزكية في بيت علم وجهاد، حيث تربى على يد أبيه عبد الله المحض، أحد أبرز زعماء العلويين. وتلقى تعليمًا مميزًا جمع بين الفقه والأدب والفروسية. وقد لفت الأنظار بذكائه الحاد وذاكرته القوية، مما جعله مؤهلاً لقيادة الحركة العلوية.
وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بايعه جمع من العلويين سرًا، كما يذكر الطبري في “تاريخ الرسل والملوك”. وقد اعتبروه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً. لكن عندما اكتشف الأمويون الأمر، اضطروا للفرار والاختفاء سنوات طويلة.
العلويين والدولة العباسية
عندما قامت الدولة العباسية، طالب النفس الزكية بحقه في الخلافة، مستندًا إلى وصية جده محمد بن الحنفية. يروي ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” كيف أن أبا جعفر المنصور حاول استمالته أولاً بالهدايا والوعود، لكن محمدًا رفض كل العروض، مصرًا على أحقيته.
وتشكل ثورة محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية واحدة من أبرز الحركات الاحتجاجية ضد الحكم العباسي في مرحلته المبكرة. ويذكر الطبري في “تاريخ الرسل والملوك” أن جذور هذه الثورة تعود إلى البيعة السرية التي أخذت لمحمد النفس الزكية في العصر الأموي. عندما اجتمع زعماء العلويين في دار عبد الله المحض (والد محمد) سنة 105هـ/723م. حيث بايعوه سرًا بالخلافة، معتبرين أنه الأحق بها بحكم نسبه الشريف من آل البيت.
وتشير المصادر التاريخية إلى عدة عوامل أدت إلى اندلاع الثورة:
إخلاف العباسيين للوعود: تذكر بعض المصادر التاريخية أن العباسيين كانوا قد وعدوا العلويين بمشاركتهم في الحكم، لكنهم استأثروا به بعد نجاح ثورتهم.
السياسات القمعية: يذكر ابن الأثير في “الكامل في التاريخ” أن أبا جعفر المنصور بدأ في ملاحقة العلويين ومراقبة تحركاتهم، مما خلق جوًا من الرعب بينهم. وشهد العصر المنصوري حملة منهجية للحد من نفوذ العلويين. حيث فرض عليهم نظام مراقبة، وأمر بسجن العديد من زعماء العلويين دون تهم محددة. ومن أبرز المعتقلين كان عبد الله المحض (والد محمد النفس الزكية) الذي توفي في سجن المنصور.
ثورة محمد النفس الزكية
قام محمد النفس الزكية بإعداد دقيق للثورة، كالتالي:
التنظيم السري: شكل خلايا سرية في الحجاز والعراق واليمن، كما يذكر ابن كثير في “البداية والنهاية”.
التجنيد العسكري: درب أنصاره على القتال في أماكن نائية.
التأييد الديني: حصل على فتوى من بعض العلماء مثل أبي حنيفة النعمان بجواز الخروج على المنصور، كما ينقل الذهبي في “سير أعلام النبلاء”.
وفي المدينة المنورة يشهر رمضان 145هـ/762م، أعلن محمد انطلاق ثورته. ويصف الطبري بدقة كيف استطاع السيطرة على المدينة دون مقاومة تذكر، حيث أعلن برنامجه الإصلاحي الذي تضمن:
إعادة توزيع الأموال العادلة.
إلغاء الضرائب المجحفة.
تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها.
وقد أرسل المنصور إليه جيشًا ضخمًا بقيادة عيسى بن موسى، كما يذكر ابن خلدون في “المقدمة”. واستخدم العباسيون عدة وسائل للقضاء على الثور:
الحرب النفسية: بثوا الشائعات عن ضعف الثورة.
التحريض القبلي: استمالوا بعض زعماء القبائل.
القوة العسكرية: حاصروا المدينة حصارًا محكمًا.
وقعت المعركة الحاسمة في 14 رمضان 145هـ/762م. يروي ابن الأثير بالتفصيل كيف قاتل محمد النفس الزكية ومعه 300 من أنصاره قتالًا بطوليًا، حتى سقط شهيدًا بعد أن أصابه سهم قاتل.
كان لثورة النفس الزكية آثار بعيدة المدى:
عسكرة العلويين: أصبحوا أكثر تنظيمًا عسكريًا، كما يذكر ابن طباطبا في “الفخري”.
تطور الفكر الثوري: ظهرت نظريات جديدة حول الخروج على الحكام الظالمين.
الانقسامات الداخلية: تفرق العلويون بين مؤيد للثورة ومتحفظ.
المصادر
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
البلاذري: أنساب الأشراف.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن خلدون: المقدمة.
ابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق