محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، لكنه ينسب إلى أمه تمييزًا له عن أخويه الحسن والحسين أبناء فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو تابعي لم يدرك رسول الله، فقد ولد متأخرًا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومع ذلك كان شديد الحب والتعلق بالنبي. اشتهر بعلمه الغزير وشخصيته الحكيمة، ورغم صغر سنه لكنه كان بطلًا وسندًا لأبيه في حربه يوم صفين.
نسب محمد بن الحنفية
اسمه: محمد بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
أمه: خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن ثعلبة بن يربوع.
إخوته: الحسن، الحسين، المحسن، العباس، عبد الله، محمد الأوسط، عثمان، جعفر، أبو بكر، رقية، أم كلثوم، وزينب.
زوجته: أم عون بنت محمّد بن جعفر الطيّار الهاشمية.
أبناؤه: جعفر الأكبر وكان يكنى به، جعفر الأصغر، أبو هاشم عبد الله، علي الأكبر، عون، القاسم، إبراهيم، الحسن، عبد الرحمن، عبيد الله، حمزة، علي الأصغر. واستمر نسله من جعفر الأصغر.
نشأته
ولد محمد بن الحنفية سنة 21 من الهجرة، في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي أواخر حياة رسول الله، بينما كان علي بن أبي طالب جالسًا معه، قال له “يا رسول الله، أرأيت إنْ وُلد لي ولد مِنْ بعدك، أفأسمّيه باسمك؟ وأكنّيه بكنيتك؟ قال: نعم”.
وبعد وفاة السيدة فاطمة تزوج سيدنا علي من خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية، وأنجب منها ولدًا سماه محمد على اسم رسول الله، واشتهر بمحمد بن الحنفية نسبة إلى أمه وتمييزًا له عن إخوته الحسن والحسين.
ونشأ بن الحنفية في بيت أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي، ونهل من علمه، وتعلم منه البطولة والشجاعة والتقوى والورع. كما شهد على مرحلة حرجة في التاريخ الإسلامي بداية من فتنة مقتل عثمان بن عفان، ثم معارك أبيه مع معاوية بن أبي سفيان والخوارج. كل هذه الأحداث صقلت شخصيته وجعلت منه رجلًا عالمًا زاهدًا وبطلًا شجاعًا.
صفاته
يقول ابن خلكان أنه كان ورعًا واسع العلم. وقال عنه ابن سعد في الطبقات أنه أحد أبطال الإسلام. وكان فصيحًا بليغًا، ففي يوم سأله رجل: لِمَ كان أبوك يزِجّ بك في المعارك، بينما يضنّ بالحسن والحسين (أي يُؤخرهما حرصًا عليهما) ؟! فأجاب: كان الحسن والحسين عيني أبي، وكنت يديه، والمرء يفي عينيه بيديه.
وذكر ابن كثير أن ملك الروم أرسل إلى معاوية برجلَين يزعم أن أحدهما أقوى الروم والآخر أطول الروم. فقال معاوية من لهذا القوي؟ فجاء محمد بن الحنفية فرفعه في الهواء وألقاه على الأرض وغلبه، فسُرّ معاوية بذلك.
علمه
عاش محمد بن الحنفية في بيت الرسالة والوحي، وعاش بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فنهل من العلم وبلغ وارتقى ما لم يبلغه أحد، حتى وصفه العلماء والمؤرخون بأنه أحد رجال الدهر في الزهد والعلم والشجاعة والعبادة. واعتبروه أيضًا أفضل أبناء علي بن أبي طالب بعد الحسن والحسين.
كان بليغًا فصيح اللسان، واستخدم بلاغته يوم صفين، حين ألقى خطبة مدح فيها أبيه. قال العلاّمة الحلّي: كان محمد ابن الحنفية فاضلًا عالمًا. وقال الشهرستانيّ في (الملل والنِّحل): محمد ابن الحنفية، كثير العلم غزير المعرفة. ورغم أنه لم يعاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه روى عنه بعض الأحاديث.
شجاعته وبطولته
رغم صغر سنه، اعتمد عليه أباه علي بن أبي طالب خلال خلافته، فقد أرسله إلى الكوفة برفقة محمد بن أبي بكر. وفي موقعة الجمل سلمه الراية وكان عمره لم يبلغ عشرين عامًا. كما حملها أيضًا في معركة صفين بين أبيه ومعاوية بن أبي سفيان. ويقول في ذلك: “اقتتلنا يوم صفين حتى ظننت أنه لن يبقى منا ولا منهم أحد. ثم سمعت صوتًا يصيح خلفي: يا معشر المسلمين، الله الله من للنساء والولدان؟ من للدين والأعراض؟ من للروم والديلم؟. يقول بن الحنفية: فعاهدت نفسي ألا أرفع سيفي في وجه مسلم بعد ذلك اليوم”.
موقفه من بني أمية
بعد وفاة علي بن أبي طالب، تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، وظل محمد بن الحنفية تحت طوع الحسن ومن بعده الحسين. لكنه لم يخرج على بني أمية حتى لا يتفرق المسلمين مجددًا، وحاول منع الحسين من الخروج إلى الكوفة هو وأبناء الصحابة الآخرين.
وخلال خلافة عبد الله بن الزبير على الحجاز، أرسل إلى محمد بن الحنفية طالبًا البيعة منه، وكان عبد الملك بن مروان هو الخليفة الأموي آنذاك. رد بن الحنفية “إنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعت كلمتهم عليك أو على عبد الملك بايعت”.
ولما اعتزل الفتنة انضم إليه 7 آلاف شخص تقريبًا، ثم أشيع أن ابن الزبير يريد إحراق كل من انضم إلى ابن الحنفية. ولما سمع عبد الملك بذلك أرسل إليه رسالة يتلطف إليه فيها ويدعوه إلى الشام. فتوجه ابن الحنفية ومن معه إلى “الأبله”، فأحبه أهل الشام وعظموه.
ثم خشى عبد الملك من أمره، فأرسل إليه إما أن يبايعه وله 100 سفينة بما عليها، كانت أتته من القلزم ومعها ألف ألف درهم، وكل ما يفرضه لنفسه ولذريته من بعده، أو يعود من حيث أتى. فرد عليه محمد بن الحنفية برسالة جاء فيها “فلعلّك تتخوّف مني، وكنت أحسبك عارفًا بحقيقة موقفي من هذا الأمر… ونحن منصرفون عنك إن شاء الله”.
خرج محمد من الشام هو وأصحابه، وكلما نزل مكان خرج منه، ولم يستقر له الأمر بسبب الصراع بين بني أمية وعبد الله بن الزبير. وكان من بين أصحابه ضعاف إيمان، فأشاعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص آل بيته بأسرار من العلم وكنوز من الشريعة. وكان بعضهم يسلم على ابن الحنفية ويقولون له: السلام عليك يا مهدي. فما كان منه إلا أن جمع الناس وأوضح لهم بطلان هذه الأقاويل وتبرأ منها.
وفاة محمد بن الحنفية
اختلف العلماء في تاريخ وفاة محمد بن الحنفية على عدة أقوال: قيل أنه توفي 81 من الهجرة، وقيل سنة 87 من الهجرة، وقيل سنة 67 من الهجرة. لكنهم اتفقوا على أنه توفي في الطائف، ودفن بالقرب من قبر عبد الله بن عباس.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن خلدون: المقدمة: ج 1، ص: 250، طبع دار الفكر، بيروت.
الفخر الرازي: الشجرة المباركة.
ابن خلكان: وفيات الأعيان.
الشهرستاني: الملل والنحل
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
موقع سويدان: الإمام محمد بن الحنفية – ابن الإمام علي وأخو الحسن والحسين.
اليوم السابع: وفاة محمد بن الحنفية بن على بن عبد المطلب.. ما يقوله التراث الإسلامي.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق