يعتبر مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية في دمشق. ورغم محاولاته لإنقاذ الدولة من الهاوية، لكنها سقطت على يديه. لم يكن لمروان علاقة بسقوط بني أمية، والحقيقية أنه حاول بشجاعته السيطرة على الأمور، لكن الوضع كان تفاقم. يقول عنه الذهبي: كان مروان بطلاً، شُجاعًا، داهيةً، دوخ الخوارج بالجزيرة، ومع كمال أدواته لم يرزق سعادةً، بل اضطربت الأُمور، وولت دولتهم.
نسبه
اسمه: مروان الثاني بن محمد بن مروان الأول بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
كنيته: أبو عبد الملك.
جده: مروان بن الحكم، رابع خلفاء بني أمية.
أمه: أم ولد.
إخوته: يزيد، ورملة.
أبناؤه: عبد الله، عبيد الله، وعبد الملك.
حياته قبل الخلافة
ولد مروان بن محمد عام 72 هـ، في الجزيرة الفراتية وكان أبوه أميرًا عليها. وكانت ولادته خلال خلافة عمه عبد الملك بن مروان. اشتهر مروان بالشجاعة والفروسية والإقدام. ولاه ابن عمه هشام بن عبد الملك على أرمينية وأذربيجان والجزيرة الفراتية، سنة 114 هـ، بعدما عزل أخاه مسلمة.
ولما تجاوز نهر الروم، أغار على الصقالبة فقتل وسبى منهم. وفي سنة 117 هـ، غزا جبل القبق بجيشين، فنزل تومان شاه على حكمه. وفي سنة 118 هـ، غزا أرض ورتنيس بأرمينية، وفتح قلعته. وسنة 119 هـ، دخل أرض آلان ومر منها إلى بلاد الخزر. ثم مرَّ ببلنجر وسمندر حتى وصل إلى البيضاء، وهي المدينة التي يكون فيها خاقان، فهرب منه.
وظل يغزوا كل عام، حتى قال عنه بن كثير: “فتح مروان بن محمد بلادًا كثيرة في سنين كثيرة، وكان لا يفارق الغزو في سبيل الله، وقاتل الترك والخزر واللان وغيرهم”.
كما استطاع إخماد كل ثورات الخزر والترك والكرج، وكان له الفضل في ترسيخ الإسلام في هذه المناطق.
توليه الخلافة
ظل مروان واليًا على أرمينية وأذربيجان طوال خلافة هشام بن عبد الملك. وبعد وفاة هشام، تولى الخلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأقرَّه أيضًا عليها. ثم ثار يزيد بن الوليد بن عبد الملك وأخوه إبراهيم على الخليفة الوليد بن يزيد وخلعوه من الخلافة. ولما علم مروان بذلك أرسل إليهم يحذرهم من الفتنة، لكن يزيد لم ينصت إليه وحاصر الخليفة الوليد وقتله عام 126 هـ. ولما تولى يزيد الخلافة لم يبايعه مروان، وطالب بالثأر لدم الوليد.
ثم أرسل مروان بن محمد جيشًا إلى العراق، وكان عليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز. وكان الجيش بقيادة يزيد بن عمر بن هبيرة، الذي نجح في السيطرة على العراق، وأسر عبد الله بن عمر. وخلال 6 أشهر مات يزيد بن الوليد، وبعده تولى الخلافة أخوه إبراهيم بن الوليد.
وبعد الاستيلاء على العراق، توجه مروان إلى الشام، فأرسل له إبراهيم بن الوليد جيشًا بقيادة أخويه بشر ومسرور، فأسرهما مروان. ثم أرسل إليه إبراهيم جيشًا آخر بقيادة سليمان بن هشام بن عبد الملك. والتقى الجيشان في بعلبك في صفر سنة 127 هـ، واقتتلوا قتالًا شديدًا، انتهى بهرب سليمان. ثم كتب مروان إلى أهل دمشق ودعاهم إلى طاعته، فانضموا له وثاروا على إبراهيم. وبعد أن وصل إلى غوطة دمشق، خرج إليه خلق كثير وبايعوه بالخلافة.
لما علم إبراهيم بمبايعة الناس لمروان، هرب وتخفى حتى حصل على الأمان. ثم ظل في طاعة مروان، وعرف بالمخلوع، وظل حيًا حتى قُتِل سنة 132 هـ، على يد عبد الله بن علي العباسي، وكانت خلافة 70 يومًا.
خلافة مروان بن محمد
بعد توليه الخلافة انقسمت القبائل العربية، فناصرته القيسية، أما اليمانية فوقفت في وجهه. ثم انقسم البيت الأموي نفسه، وانقلب عليه الأمراء الذين يتضامنون مع اليمانية. وكان اليمانية لا يحبون مروان، بسبب قتله لعدد من زعمائهم، وميله للقيسية خصومهم.
ولما اضطربت الأمور في دمشق، سعى مروان إلى تهدئة الوضع والتسوية بين اليمانية والقيسية. وأظهر مرونة في اختيار الولاة من الطرفين، وعفا عن الخليفة المخلوع، وسليمان بن هشام. ثم نقل مقر الحكم من دمشق إلى حران. وبعد أن ساد الهدوء، قامت العاصفة من جديد، وقامت الثورات كالتالي:
ثورة أهل حمص
كان أهل حمص قد بايعوا مروان بن محمد، لكن بعد 3 أشهر ثاروا عليه، وكان ذلك سنة 127 هـ. وقيل أن الذي حرضهم على ذلك هو ثابت بن نعيم الجذامي، الذي كان على خلاف معه قبل خلافته. ورغم تصالح مروان معه، لكنه سعى إلى تأليب اليمانية، فتزعمهم وأعلنوا الخروج عليه.
استنجد أهل حمص بالكلبيين في تدمر، فأمدوهم بقوة عسكرية. ورغم محاولة مروان حل الأمور بهدوء، لكن لم يرتعد أهل حمص، فهدم أسوراهم وانتصر عليهم.
ثورة أهل الغوطة
استغل أهل الغوطة فرصة انشغال مروان بن محمد بقتال أهل حمص، وثاروا عليه أيضًا. ثم عينوا عليهم يزيد بن خالد القسري، الزعيم اليماني، وصاروا إلى دمشق وحاصروها. لما علم مروان أرسل إليهم 10 آلاف مقاتل بقيادة أبو الورد بن الكوثر بن زفر بن الحارث، وعمرو بن الوضاح. وتمكنا القائدان من القضاء على الثورة، وحرقا المزة وبعض القرى اليمانية. ثم قتلا يزيد بن خالد، وبعثا برأسه إلى مروان بن محمد في حمص.
ثورة أهل فلسطين
بعد أن نجح ثابت بن نعيم الجذامي والي فلسطين في تأليب أهل الشام على مروان وثاروا عليه، أعلن هو أيضًا ثورته وخلعه للخليفة. أرسل إليه مروان القائد أبو الورد الذي قضى على ثورة الغوطة، فنجح في أسر 3 من أبنائه. ثم نجح الرماح بن عبد العزيز الكناني والي فلسطين الجديد في أسر ثابت وإرساله إلى مروان، الذي أمر بقتله مع أولاده.
اضطرابات العراق في عهد مروان بن محمد
بعد أن أعلنت بلاد الشام مركز الحكم، العصيان على الخليفة، تبعتها أيضًا العراق. وكانت العراق معروفة بعداوتها لبني أمية، حيث تمتلئ بالشيعة وحركات الخوارج كالتالي:
حركات الخوارج
وجد الخوارج فرصة كبيرة في الانتقام من بني أمية والخروج على حكمهم، بعد أن اضطربت أمورهم الداخلية. وبعد أن كانوا يخرجون في أعدادٍ صغيرة، جمعوا شملهم وخرجوا بأعدادٍ ضخمة. فبعد 90 عامًا من نشأتهم، أصبح عددهم كبيرًا وانضم إليهم أناس كثر من كل الطبقات. وتحول الخوارج مع مرور الوقت إلى حركة سياسية، تستقطب كل من يناصب العداء لبني أمية.
وبعد مقتل الخليفة الوليد الثاني سنة 126 من الهجرة، تعددت حركاتهم في العراق والجزيرة العربية. ونجحوا في دخول الكوفة والسيطرة على البصرة وحضرموت، لكن تصدى لهم مروان بن محمد في أكثر من معركة، واستعاد سيطرته على الحجاز واليمن.
وكان الضحاك بن قيس الشيباني من أبرز قادة الخوارج في العراق، ما بين سنة 127 و 130 من الهجرة. وأبو حمزة الخارجي الذي قام بثورته في الجزيرة العربية ما بين أعوام 128- 130هـ.
حركات الشيعة
كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر آخر من تزعم ثورات الشيعة ضد الدولة الأموية. وبعد أن بايعه شيعة الكوفة، خرج على الأمويين في سنة 127 هـ، وقاتل أهل الشام في الحيرة. لكن بعد نشوب المعركة، تركه الشيعة وسط القتال وفروا هاربين. لذلك اضطر إلى التراجع، فلحقه الجيش الأموي داخل الكوفة. ثم أعطاه الوالي الأموي الأمان وسمح له بالخروج من المدينة، فذهب إلى فارس وأعاد تنظيم صفوفه. وانضم إليه العبيد والموالي والثائرين من العباسيين، والغاضبين من بني أمية على مروان بن محمد، وبقية الخوارج الذين طردهم الخليفة إلى الموصل.
ورغم هذا الحشد الكبير، لكنه تعرض لهزيمة كبيرة على يد جيش مروان بن محمد سنة 129 هـ، عند مرو الشاذان. لذلك اضطر وهرب إلى سجستان ومنها إلى هراة، لكن أبي مسلم قبض عليه وقتله.
تمرد بني أمية ضد مروان بن محمد
خلال كل هذه الثورات التي يواجها مروان، قرر عقد البيعة لولديه عبيد الله وعبد الله في دير أيوب. وانتهر هذه الفرصة لجمع شمل أمراء بني أمية، لذلك زوج ابنيه من ابنتي هشام بن عبد الملك. واعتقد أنه قد سيطر على الوضع بهذه الطريقة، لكن انقلب عليه أمراء بني أمية وخرجوا عليه.
خروج عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
كان عبد الله بن عمر والي العراق، وبعد أن نجح في القضاء على عبد الله بن معاوية، سادت قوته وسيطرته على الكوفة. لذلك خرج عن طاعة الخليفة، واعتمد على القبائل اليمانية الذين يسكنون الكوفة والحيرة، وكانوا غاضبين من سيطرة العرب القيسية.
في بداية الأمر، لم يعط مروان بن محمد أهمية كبيرة لخروج عبد الله عليه. لكن بعدما تيقن من تطلعه إلى الاستقلال، أرسل إليه جيشًا بقيادة النضر بن سعيد الحرشي، أحد رجال قيس المشهورين. دخل الطرفان في مناوشات خفيفة، وظلا على هذا الوضع حتى عاد خطر خوارج الكوفة. انصرف مروان عن عمر، وركز كل قوته لمحاربة الخوارج.
خروج سليمان بن هشام على مروان بن محمد
كان سليمان بن هشام بن عبد الملك شقيق زوجات أبناء مروان بن محمد. وخلال انشغال مروان بقتال الشيعة والخوارج، استأذنه للذهاب إلى الرصافة فأذن له. خلال ذلك تمرد 10 آلاف من جنود الشام، ولحقوا بسليمان في الرصافة، ودعوه إلى خلع مروان. استجاب سليمان لذلك، وتحلل من بيعته للخليفة وخرج عليه.
وبعد أن أعلن خروجه على مروان، اجتمع حوله 70 ألفًا في قرية خساف بقنسرين. ولما علم مروان بأمره، خرج إليه بنفسه وقتل 30 ألفًا من أتباعه، فهرب إلى حمص ومنها إلى تدمر، ثم إلى الكوفة وانضم إلى الشيعة.
ثورة بني العباس ونهاية محمد بن مروان
قام العباسيون بثورة كبيرة في خراسان، وأعلنوا خروجهم على بني أمية، وامتدت الثورة حتى وصلت إلى العراق والشام. ولما نجحوا في الاستيلاء على معظم البلاد، هرب مروان بن محمد إلى نهر الزاب القريب من الموصل. ثم علم أن أبو العباس السفاح قد حصل على بيعة الناس بالكوفة.
كلف السفاح عمه عبد الله بن علي بالقضاء على مروان بن محمد. فخرج على رأس جيش، وتقاتل مع جيش مروان في جمادى الآخر سنة 132 هـ. وفي نهاية المعركة تعرض مروان لهزيمة كبيرة، وفرّ هاربًا، وقد لاحقه عبد الله بن علي بأمر من السفاح.
وظل مروان بن محمد يهرب من بلدٍ إلى بلد حتى وصل مصر. لكن لاحقه العباسيون حتى قتلوه في شهر ذي الحجة سنة 132 هـ. ومات آخر خلفاء بني أمية وعمره 60 عامًا، بعد أن جلس على عرش بني أمية أقل من 6 سنوات.
ثم لاحق بني العباس أمراء بني أمية في كل مكان وقتلوهم جميعًا. ولم ينجح بالفرار سوى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ( عبد الرحمن الداخل)، الذي هرب إلى الأندلس وأحيا بني أمية من جديد.
اقرأ أيضًا: سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
ابن حزم: جمهرة أنساب العرب.
قصة الإسلام: خلافة مروان بن محمد.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق