كان مسيلمة الكذاب أشهر من ادعى النبوة، وكان ذلك في عهد رسول الله. لكن ازداد شره في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث تبعه قومه بني حنيفة، وهي إحدى أكبر القبائل العربية. وتعرضت الدولة الإسلامية الناشئة إلى تهديد كبير، حيث صار على نهجه آخرون وادعوا النبوة أيضًا، فارتد عدد كبير عن الإسلام. لكن استطاع خليفة رسول الله، السيطرة عليهم، وسيّر الجيوش لمحاربة المرتدين، وكانت معركة اليمامة، التي قُتِل فيها مسيلمة من أكبر معارك حروب الردة.
نبذة عن حياة مسيلمة الكذاب
يعود نسب مسيلمة الكذاب إلى بني حنيفة، لكن اختلف المؤرخون في اسمه على أقوال. قيل اسمه مسيلمة بن حبيب الحنفي، وقيل مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي. وكان يكنى: أبا هارون، وقيل أبو ثمامة.
ولد مسيلمة في اليمامة، والتي تعرف اليوم بقرية الجبيلة، وهي موجودة في نجد. ذكرت بعض المصادر أنه كان أكبر من رسول، وكان عمره 150 سنة عندما قُتِل في معركة اليمامة. وقد تكهن وتنبأ ووجد له أتباع، قبل نزول الوحي على رسول الله.
كان مسيلمة كثير السفر والترحال بين بلاد العرب والعجم، يتردد على الأسواق، حتى يجمع المعلومات ويتعلم الحيل ومذاهب الكهان والسحرة، واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم.
ادعاؤه النبوة
في العام التاسع الهجري، وفدت كثير من القبائل على رسول الله في المدينة المنور، حتى يعلنوا إسلامهم. وكانت قبيلة بين حنيفة إحدى هذه القبائل، وكان معهم مسيلمة الكذاب، لكنه لم يبايع، وكان يريد أن يشركه النبي في أمره، ويجعله بمنزلة هارون من موسى. سمع رسول الله بالأمر، فأمسك عرجوناً صغيراً من الأرض وقال لمسيلمة “والله لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك” فخرج من عند النبي ولم يبايعه.
لما عاد مسيلمة إلى اليمامة، أعلن نبوته، وبعث إلى رسول الله رسالة قائلًا فيها “من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: ألا إنى أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشاً قومُ يظلمون”. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم “من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾”. وحمل هذه الرسالة حبيب بن زيد رضي الله عنه، في أواخر السنة العاشرة من الهجرة. لكن مسيلمة أسره، وكان كلما قال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، وإِذا قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنا أصم لا أسمع. فقطعه مسيلمة ومات شهيدًا.
اشتهر مسيلمة بين أتباعه برسول الله، وكانوا يؤمنون به ويصدقونه، لكن كان هناك من يعلم كذبه، ويتبعه لأنه من قومه، حتى لا تكون لقريش الزعامة. فقد ورد أن الأحنف بن قيس رآه، وقال عنه “ما هو بني صادق، ولا بمتنبئ حاذق”. كما أن طلحة النميري ذهب إلى اليمامة، ليقف على حقيقته، ويعلم مدى صدقه، فقال لمسيلمة: من يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: “أشهد أنك لكذاب وأن محمدًا صادق؛ ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر”.
مسيلمة الكذاب وزوجته
ادعت سجاح بنت الحارث التميمية النبوة في زمن أبي بكر الصديق، وكانت شاعرة وعلى علم بالكتاب من نصارى تغلب. تجمعت قبيلتها حولها وأناس كثر من تغلب وإياد والنمر بن قاسط، وصل عددهم 40 ألفًا. وجمعت جيشَا وذهبت لغزو أبي بكر، فنزلت باليمامة، وقالت لقومها “عليكم باليمامة، دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة”. ولما علم مسيلمة بأمرها وعدد أتباعها، ذهب إليها مع قومه وتزوجها، حتى يوحد قبائلهم ضد المسلمين. وظلت سجاح باليمامة، حتى قُتِل مسيلمة.
أشهر أقوال مسيلمة الكذاب
وكان من أسجاع مسيلمة ما يلي:
“والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس”.
“والفيل، وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل”.
وقد ذكر ابن كثير، أن الصحابي الجليل عمرو بن العاص قابل مسيلمة قبل إسلامه. فسأله ماذا أنزل على صاحبكم؟، فقرأ عليه عمرو سورة العصر. فكر مسيلمة ساعة، ثم قال لقد أنزل الله عليّ مثلها “يَا وَبَرُ يَا وَبَرُ، إِنَّمَا أَنْتِ أُذُنَانِ وَصَدْرٌ، وَسَائِرُكِ حَقْرٌ نَقْرٌ”. فقال عمرو بن العاص “والله لتعلم أني أعلم إنك لكاذب”.
مسيلمة الكذاب يوم اليمامة
كانت قبيلة بني حنيفة بزعامة مسيلمة الكذاب أقوى القبائل المرتدة، حيث نجحوا في جمع 40 ألفًا من المقاتلين. فأرسل إليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عكرمة بن أبي جهل، ثم بعث خلفه شرحبيل بن حسنة. لكن عكرمة لم ينتظر شرحبيل وهاجم بني حنيفة ومسيلمة الكذاب وحده، فتعرض لهزيمة ساحقة.
وكان أبو بكر أمر شرحبيل أن ينتظر خالد بن الوليد، لكنه تحرك أيضًا قبل قدوم خالد بجيشه، فتعرض لهزيمة ثانية. ثم وصل سيف الله المسلول بجيش كبير مكون من 12 ألف مقاتل، من المهاجرين وحفظة القرآن وممن شهدوا غزوة بدر.
عندما علم مسيلمة بزحف المسلمين إليه، عسكر بمقاتليه بعقرباء، حتى يكون ريف اليمامة وحصونها خلفه. ونجح في حشد المقاتلين من كل مكان، فانضم إليه الكثيرون، حتى ممن يعلمون كذب نبوته، لكنهم فضلوه لأنه منهم، فجمع تقريبًا 40 ألف مقاتل. ثم عسكر خالد بن الوليد في الجهة المقابلة، استعدادًا لخوض أشرس معركة عرفها العرب في ذلك الوقت.
حاول خالد بن الوليد ضرب جيش مسيلمة قبل الهجوم من خلال التأثير على بعض الأشراف والزعماء التابعين له، لكنه فشل، بسبب رؤيتهم لهذا الصراع من زاوية قبلية. بدأت المعركة ببعض المبارزات الفردية، وتعرض المسلمون لهجوم شديد.
لجأ خالد بن الوليد إلى تعديل خطته العسكرية، من خلال حيلة ذكية، وهي تقسيم المقاتلين حسب قبائلهم، لزيادة الحمية في نفوسهم. فجعل راية الأنصار لثابت بن قيس، وراية المهاجرين لسالم مولى أبي حذيفة، ثم أعطى رايات لبقية القبائل. لم يكتفِ خالد بذلك، بل استنفر قراء القرآن الكريم، وحفظة سورة البقرة. أثار هذا التغير الحمية الدينية والقبلية، فتنافسوا جميعًا على نيل النصر، وكانوا يدفعون جنودهم إلى الموت.
نهاية مسيلمة الكذاب
استمر القتال في جولاته الأخيرة عدة ساعات، وسقط قتلى من كلا الجانبين، لكن ظل بنو حنيفة صامدين. وهنا أدرك سيدنا خالد أنه لن ينال من بني حنيفة طالما أن مسيلمة موجود بينهم، وأن القتال لن ينتهي إلا بقتله. لذلك استنفر مقاتليه وظل ينادي فيهم “يا محمداه”، فأثار حميتهم، وضغطوا على مسيلمة وجنوده. فاضطر مسيلمة إلى التحصن بحديقة ذات أسوار عالية، فدخل إليها هو وجنوده، حتى يتخلص من ضغط المسلمين.
حاصر المسلمون الحديقة وألقوا بالبراء بن مالك رضي الله عنه داخلها، فاستطاع فتح أبوابها ونجحوا في اقتحامها، وجرى داخلها قتال شديد. ونجح وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب في الوصول إلى مسيلمة، فرماه بحربته، ثم وصل أبو دجانة وأجهز عليه بسيفه. بعد مقتل مسيلمة انهار بني حنيفة، واشتدت قوة المسلمين وفتكوا بأعدائهم، فلم يجدوا سوى الاستسلام وطلب الصلح. وقد قُتِل في هذه المعركة 21 ألفًا من بني حنيفة، حتى أطلق على الحديقة التي جرى بداخلها القتال، حديقة الموت.
المصادر:
البلاذري: فتوح البلدان.
الجاحظ: الحيوان.
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: مسيلمة الكذاب.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *