كانت معركة القادسية من أهم المعارك التي حدثت بين جيش الدولة الإسلامية والجيش الفارسي. وكانت المناوشات بين المسلمين والفرس قد بدأت في عهد أبي بكر الصديق على يد المثنى بن حارثة، ثم لحق به خالد بن الوليد وعياض بن غنم بعد الانتهاء من حروب الردة. وصارت عدة معارك مثل ذات السلاسل، وبعد وفاة أبي بكر استكمل عمر بن الخطاب فتوحات العراق وأرسل الجيوش التي انتصرت على الفرس في عدة معارك مثل معركة النمارك والسقاطية. ثم هزموا في معركة الجسر، وعادوا مرة ثانية لتحقيق النصر في معركة البويب وبعدها معركة القادسية التي كانت حاسمة بين الطرفين.
الاستعداد للمعركة
لما وصلت الأخبار إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بتوحيد صفوف الفرس بعد اضطرابهم واختيارهم يزدجرد ملكًا لهم، قرر التدخل العسكري وحسم الأمر. كان هدف عمر هو نشر الإسلام في العراق وعدم الخروج منها بعد الانتصارات التي حققها قادة المسلمين. لذلك بدأ في استنفار أهل الجزيرة العربية في جميع المدن والقرى والقبائل من أجل تأسيس جيش كبير وإرساله إلى العراق.
استجابت القبائل وتوافدت القوافل على المدينة المنورة وازدحمت الطرق بالجنود الراغبين في الجهاد. جمع عمر الجيش وعسكر عند ماء يقال له صرار، ثم استشار الصحابة في اختيار قائد الجيش. اقترح البعض أن يتسلم قيادة الجيش بنفسه، بينما رأى أخرون أن يسلم القيادة لأحد المحاربين المسلمين الشجعان، فوقع الاختيار على سعد بن أبي وقاص. وقال سيدنا عمر لسعد “إني قد وليتك حرب العراق، فاحفظ وصيتي، فإنك تَقْدَم على أمر شديد كريه، لا يخلص منه إلا الحق، فعوِّد نفسك ومن معك الخير، واعلم أن عتاد الحرب الصبر، فاصبر على ما أصابك، تجتمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين؛ طاعته، واجتناب معاصيه”.
خروج الجيش إلى القادسية
خرج سعد بن أبي وقاص بالجيش، وكان كلما مر على قبيلة دعاهم إلى الجهاد، ثم عسكر في مكان يقال له “شراف”. وكان المثنى بن حارثة قبل وفاته قد بعث إليه يوصيه ألا يتوغل في أرض الفرس وأن يبقى على الحدود. ثم وصله أمر من الخليفة بالنزول في القادسية، فعسكر سعد هناك وجعل الخندق وراءه. ثم انضم إليه قادة العراق وجنودها فأصبح جيش المسلمين 36 ألف جندي، منهم صحابة، وأهل بدر، وأعلام العرب وفرسانهم. وبذلك كان جيش المسلمين في القادسية أكبر جيش في فتح العراق.
ظل سيدنا سعد شهرًا بالقادسية دون أي حراك من الفرس، وكان يرسل السرايا للإغارة والحصول على الغنائم. ثم علم من الجواسيس أن ملك الفرس جهز جيشًا كبيرًا وجعل عليه أعظم القادة والفرسان، كي يخرج العرب من العراق بشكل نهائي. أرسل سعد إلى الخليفة يعلمه بالوضع، فأمره بالصمود والصبر. ثم بعث الرسل للمفاوضة مع ملك الفرس ودعوته إلى الإسلام لكن دون فائدة.
وبعدما وصل رستم بجيش الفرس إلى القادسية، صارت عدة مفاوضات بينه وبين سعد بن أبي وقاص. حاول المسلمون خلالها دعوته إلى الإسلام أو دفع الجزية، لكنه غضب وقال “لا صلح بيننا وبينكم”. صلى سعد بن أبي وقاص الظهر بالناس، وأمر القراء بقراءة سورة الأنفال، فنزلت السكينة على الجنود وتهيأوا للقتال.
بدء القتال
كان سيدنا سعد قد أصيب بجروح جعلته غير قادر على المشاركة في القتال، فجلس في قصر قديم وتحصن به، وأعطى قيادة الجيش لخالد بن عرفطة العذري. كان خالد من أمهر المحاربين العرب، فتولى القيادة تحت إدارة سعد، حيث كان يرسل إليه الأوامر والخطط.
اعتمد الفرس على سلاح الفيلة، فجلبوا معهم 33 فيلًا، فكانت تخيف الخيل والرجال والإبل. واستمرت معركة القادسية 4 أيام بدءًا من 13 شعبان حتى 16 شعبان سنة 15 من الهجرة.
اليوم الأول
عرف اليوم الأول من معركة القادسية باسم يوم “أرماث”، والكلمة تعني اختلاط الشيء بالشيء. فقد كان الأمر مختلطًا على الفرس والمسلمين، لا يعلم أحد من المنتصر. وعلى الرغم أن الفرس تفوقوا بسبب الفيلة التي أرعبت الخيل والإبل وجعلت المشاة يتراجعون للخلف، لكن تغلب المسلمون على الأمر. حيث أمر سعد بن أبي وقاص بضرب قادة الفيلة بالسهام، فاسترجع المسلمون قوتهم. فقد المسلمون في هذا اليوم عددًا كبيرًا، منهم 500 شهيد من بني أسد فقط. واستمرت المعركة حتى عشاء يوم 13 شعبان سنة 15 من الهجرة، ثم ترك الفريقان القتال وعادا إلى مكانهما.
اليوم الثاني
سمي اليوم الثاني من المعركة بيوم أغواث لوصول المدد من الشام، حيث أرسل أبو عبيدة بن الجراح 6 آلاف جندي على رأسهم القعقاع بن عمرو التميمي. وكان القعقاع شديد البأس ومن أمهر المقاتلين العرب، فوصل بأنباء انتصارات الشام، ورفع الروح المعنوية للجنود. ثم قسم جنوده إلى فرق، وكل فرقة تنزل الميدان تكبر، وبعد ذلك طلب المبارزة فقتل وحده 30 فارسًا.
وبعد أن كان النصر حليفًا للفرس في اليوم الأول، مالت الكفة لصالح المسلمين في اليوم الثاني. وقام القعقاع بحيلة ذكاء، وألبس الجمال برقع وخرق، حتى صارت شكلها مخيفًا، فأرعبت الخيل الفارسي وأبعدته من أرض المعركة. استمر القتال إلى الليل ثم توقف الفريقان وانتظروا للصباح.
اليوم الثالث
عرف اليوم الثالث بيوم عماس، وكان يوم 15 شعبان سنة 15 من الهجرة. بدأ المسلمون اليوم بنقل الموتى والمصابين، بينما ظل موتى الفرس في أماكنهم، فكان سببًا لانهزام عزيمتهم. في هذا اليوم عادت فيلة الفرس مرة ثانية مثل اليوم الأول، لكن سعد بن أبي وقاص أمر باستهدافهم، فلما خرجوا من القتال، خلت الساحة بين الفرس والمسلمين. اشتد القتال بين الطرفين واستمر طوال الليل ولم يتوقف، فكان هذا اليوم أشدهم بلاءً.
اليوم الرابع
ويعرف بيوم القادسية، وكان يوم الأحد 16 شعبان سنة 15 من الهجرة. لما تيقن المسلمون بأن النصر حليفهم، صرح القعقاع قائلًا “إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر فآثروا الصبر على الجزع”. اجتمع المسلمون وقويت شوكتهم، فاشتد القتال، وقتلوا قادة الفرس البيرزان وبيهمن، ولم يبقى إلا رستم على رأس الجيش.
رأى القعقاع بن عمر أن الأمر سينتهي بقتل رستم، فتوجه هو قبيلته إلى قلب الجيش الفارسي. لكن الرياح كانت قد اقتلعت خيمة رستم، فهرب واختبأ قرب بغال عليها أحمال، فلم يجده القعقاع في مكانه. لكن رآه هلال بن علقمة فهجم عليه وكسر ظهره، ثم ألقى رستم بنفسه في النهر، فلحق به هلال وقتله.
وعندما رأى الجالينوس وهو أحد قادة الفرس ما حصل، أمر بانسحاب الجيش نحو المدائن. لكن المسلمون لحقوا بهم بالرماح والنبل وقتلوا منهم ألوفًا كثيرة، ووصل عدد قتلاهم 25 ألفًا. ثم لحق زهرة بن حوَّية التميمية بجالينوس وقتله.
نتيجة معركة القادسية
كانت نهاية معركة القادسية في صالح المسلمين، حيث حققوا نصرًا عظيمًا بعد 4 أيام و3 ليالي. وكان لهذا النصر نتائج عظيمة كالتالي:
انتهى نفوذ الدولة الساسانية في العراق، وتغيرت الخريطة الجغرافية لصالح الدولة الإسلامية التي فرضت سيطرتها في المنطقة.
بدأ انتشار الإسلام في العراق، حيث أسلم 4 آلاف من جنود رستم بعد المعركة. كما أسلم أهل العراق في القرى والمدن، بعد أن أرسل إليهم سعد بن أبي وقاص الوفود.
كان انتصار القادسية، سببًا في زحف الجيش الإسلامي في اتجاه المدائن في السنة التالية وفتحها.
غنم المسلمون غنائم كثيرة على رأسها راية الفرس، التي كانت مصنوعة من جلود النمر ومرصعة بأغلى أنواع الجواهر، وكان طولها 12 ذراعًا، وعرضها 8 أذرع.
المصادر:
تاريخ الطبري، الجزء 3.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: معركة القادسية.. اليوم الأول.
موقع موضوع: متى كانت معركة القادسية؟.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *