كانت معركة النهروان بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين المحكّمة أو الخوارج. والنهروان منطقة بين بغداد وحلوان، وكانت المعركة سنة 38 من الهجرة. والخوارج هم الطائفة التي اعترضت على التحكيم بين علي ومعاوية بعد معركة صفين التي ذهب ضحيتها 70 ألف شهيد من الجانبين. فبعد أيام من القتال وسقوط الشهداء وعدم تحقيق النصر لأي طرف، توصل عقلاء الأمة إلى ضرورة توقف القتال حتى لا تضيع الدولة الإسلامية وتصبح فريسة للفرس والروم. ورغم موافقة الجميع، لكن خرجت طائفة من جيش علي تستنكر قبوله للتحكيم، ومع الوقت تحولوا لطائفة معادية تسفك دماء المسلمين.

 

بداية ظهور الخوارج

بعد أن كتب أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص بنود وثيقة التحكيم بشكل مبدئي، قرأها الأشعث بن قيس على جيش علي. فخرج له رجل يدعى عروة بن جرير من بني تميم، وقال له “أتحكمون الرجال في دين الله؟”. ثم ظهرت طائفة تتبع ما قاله ورأت أنه ليس من الصواب أن يتم التحكيم بين أمير المؤمنين ومعاوية الذي يجب قتاله لخروجه على الخليفة. وكانت هذه الطائفة من القراء والحفاظ ، الذين يقيمون الليل ويكثرون من النوافل، ووصل عددهم إلى 12 ألف رجل.

وكان أكثر رجال الطائفة من قرية يقال لها “حروراء”، ثم عُرِفوا بعد ذلك بالخوارج لخروجهم عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم، بظهور هذه الطائفة، حيث قال “تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ”.

ذهب على بن أبي طالب إليهم، ليحاورهم ويعيدهم إلى الصواب، لكنهم رأوا أنه أخطأ عندما أوقف قتال معاوية، وعندما رضى بتحكيم الرجال في أمر الله، وعندما تنازل عن لقب أمير المؤمنين خلال كتابة الوثيقة. ودارت بينه وبينهم محاورة، استشهد خلالها علي بكتاب الله ومواقف رسول الله يوم صلح الحديبية، لكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم.

حاول علي معهم مرة ثانية، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس وظل يحاورهم ثلاثة أيام، حتى اقتنع منهم 4 آلاف رجل وتابوا. أما البقية فظلوا على موقفهم، ووصل بهم الأمر إلى سب علي وتكفيره.

 

تجمع الخوارج في النهروان

ظل الخوارج يسببون الفوضى في الكوفة، وفي يوم كان علي رضي الله عنه، يخطب بالمسجد، فقام له رجل وقال “لا حكم إلا لله”. فقال علي “الله أكبر! كلمة حق أريد بها باطل. أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدءونا، وإنما فيكم أمر الله”.

وبعد خروجهم من المسجد اجتمعوا في دار عبد الله بن وهب الراسبي. وتشاوروا في ضرورة الخروج من الكوفة واختيار بلد يتجمعون فيها لتنفيذ حكم الله. في البداية وقع اختيارهم على المدائن لكن اتفقوا على قوة حصونها وأنهم لن يستطيعوا البقاء فيها. ثم وقع اختيارهم على النهروان وهي بلدة بين حلون وبغداد، فخرج إليها خوارج الكوفة والبصرة في نفس الوقت وتجمعوا بها.

وبعد عدم الوصول إلى نتيجة في قضية التحكيم، قيل أن علي رضي الله عنه أراد الخروج لقتال معاوية، وكتب للخوارج بالنهروان كي ينضموا إلى جيشه. لكنهم رفضوا ذلك وقالوا له “إنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نبذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين”.

 

سبب معركة النهروان

ظل الخوارج بالنهروان دون أي حراك، حتى علموا بخروج علي بن أبي طالب من الكوفة، فأرادوا استغلال الفرصة لدخولها. وخلال عودتهم وجدوا الصحابي الجليل الخباب بن الأرت، فقتلوه هو وزوجته الحامل و3 نساء من قبيلة طئ. لقد ذبحوا الخباب كما تذبح الشاة وبقروا بطن زوجته الحامل، وبدأوا بسفك دماء المسلمين وأثاروا الرعب بين الناس. حتى أن بعضهم اعترضوا على ذلك وقالوا “ويلكم ما على هذا فارقنا عليًّا”.

أرسل إليهم علي بن أبي طالب كي يسلموا القتلة لتنفيذ القصاص عليهم، لكنهم رفضوا وازدادوا عنادًا واستكبارًا. وهنا خرج إليهم أمير المؤمنين بجيشه في شهر محرم سنة 38 من الهجر. وعسكر غرب نهر النهروان، بينما الخوارج على الضفة الشرقية.

ورغم أفعالهم ووصول الجيش لقتالهم، لكن أرسل إليهم أمير المؤمنين من يراجعهم ويطلب منهم التوبة والعودة إلى صفوف المسلمين. فأرسل إليهم البراء بن عازب، وظل يدعوهم 3 أيام ويرسل الرسل، لكنهم قتلوا الرسل وعبروا النهر.

 

أحداث المعركة

رتب أمير المؤمنين الجيش، فجعل على الميمنة حجر بن عدي، وعلى الميسرة معقل بن قيس وشبث بن ربعي. وجعل على الرَّجَّالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري. وكان قيس بن سعد بن عبادة على أهل المدينة البالغ عددهم 700 رجل. ثم أمر علي أبا أيوب أن يرفع راية أمان للخوارج، وقال لهم “من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا”. وكان الخوارج تقريبًا يوم النهروان 4 آلاف، فانصرفوا ولم يبقى سوى ألف رجل فقط مع عبد الله بن وهب الراسبي.

صف علي الجيش يوم 9 سفر سنة 38 من الهجرة، وأمرهم ألا يبادروا بقتالهم، لكن أقبل الخوارج يقولون “لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة”. نشب القتال ولم يستمر طويلًا، وسقط كل الخوارج، ولم يستشهد من جيش علي سوى رجلان، وقيل 12 رجل.

 

كيف عامل أمير المؤمنين علي الخوارج؟

كان علي رضي الله عنه، حالمًا لا يرد بث الفرقة بين المسلمين، ويحاول أن يلم الشمل ويوحد الصفوف قدر استطاعته. فرغم سب الخوارج له وسفكهم للدماء، لكنه حاول أن يقتص فقط من القتلة. وأرسل إليهم الرسل لمراجعتهم، وقدم لهم فرص للتوبة مرارًا وتكرارًا، لكنهم كانوا فئة باغية تنبأ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد سأل أحدهم علي: أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا، فقيل: منافقون؟، قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم.

وقد وصفهم سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، بالفاسقين. ولما سئل عنهم قال:  “هم قوم زاغوا، فأزاغ الله قلوبهم”.

 

 

 

المصادر:

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن حجر العسقلاني: فتح الباري.

موقع قصة الإسلام: معركة النهروان.

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات