كانت معركة اليمامة أشهر معارك حروب الردة، والتي حدثت بين المسلمين وبين المرتدين من قبائل بني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب. وقعت المعركة سنة 11 من الهجرة، في عهد الخليفة الأول للمسلمين أبي بكر الصديق. فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت معظم القبائل العربية التي تقع في الجنوب، فمنهم من امتنع عن أداء الزكاة، ومنهم من ارتد بشكل نهائي واتبع مدعي النبوة أمثال مسيلمة الكذاب.
قرر أبو بكر قتال كل من خالف الشريعة الإسلامية، وقال “وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ”.
أين وقعت معركة اليمامة؟
سميت معركة اليمامة بهذا الاسم، لأنها وقعت في اليمامة الموجودة في إقليم نجد التابع للمملكة العربية السعودية. وتعرف اليوم باسم العارض، وفيها عاصمة السعودية الرياض. وكان قائد معركة اليمامة في بداية الأمر عكرمة بن أبي جهل، ثم أرسل إليه شرحبيل بن حسنة لدعمه بعدما تعرض للهزيمة. وفي نهاية الأمر وصل خالد بن الوليد وتولى قيادة المعركة، بجيش مكون من 12 ألف مقاتل.
أحداث المعركة
كانت قبيلة بني حنيفة بزعامة مسيلمة الكذاب أقوى القبائل المرتدة، حيث نجحوا في جمع 40 ألفًا من المقاتلين. فأرسل إليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عكرمة بن أبي جهل، ثم بعث خلفه شرحبيل بن حسنة. لكن عكرمة لم ينتظر شرحبيل وهاجم بني حنيفة ومسيلمة الكذاب وحده، فتعرض لهزيمة ساحقة.
وكان أبو بكر أمر شرحبيل أن ينتظر خالد بن الوليد، لكنه تحرك أيضًا قبل قدوم خالد بجيشه، فتعرض لهزيمة ثانية. ثم وصل سيف الله المسلول بجيش كبير مكون من 12 ألف مقاتل، من المهاجرين وحفظة القرآن وممن شهدوا غزوة بدر.
عندما علم مسيلمة بزحف المسلمين إليه، عسكر بمقاتليه بعقرباء، حتى يكون ريف اليمامة وحصونها خلفه. ونجح في حشد المقاتلين من كل مكان، فانضم إليه الكثيرون، حتى ممن يعلمون كذب نبوته، لكنهم فضلوه لأنه منهم، فجمع تقريبًا 40 ألف مقاتل. ثم عسكر خالد بن الوليد في الجهة المقابلة، استعدادًا لخوض أشرس معركة عرفها العرب في ذلك الوقت.
حاول خالد بن الوليد ضرب جيش مسيلمة قبل الهجوم من خلال التأثير على بعض الأشراف والزعماء التابعين له، لكنه فشل، بسبب رؤيتهم لهذا الصراع من زاوية قبلية. بدأت المعركة ببعض المبارزات الفردية، وتعرض المسلمون لهجوم شديد.
لجأ خالد بن الوليد إلى تعديل خطته العسكرية، من خلال حيلة ذكية، وهي تقسيم المقاتلين حسب قبائلهم، لزيادة الحمية في نفوسهم. فجعل راية الأنصار لثابت بن قيس، وراية المهاجرين لسالم مولى أبي حذيفة، ثم أعطى رايات لبقية القبائل. لم يكتفِ خالد بذلك، بل استنفر قراء القرآن الكريم، وحفظة سورة البقرة. أثار هذا التغير الحمية الدينية والقبلية، فتنافسوا جميعًا على نيل النصر، وكانوا يدفعون جنودهم إلى الموت.
قتل مسيلمة الكذاب
استمر القتال في جولاته الأخيرة عدة ساعات، وسقط قتلى من كلا الجانبين، لكن ظل بنو حنيفة صامدين. وهنا أدرك سيدنا خالد أنه لن ينال من بني حنيفة طالما أن مسيلمة موجود بينهم، وأن القتال لن ينتهي إلا بقتله. لذلك استنفر مقاتليه وظل ينادي فيهم ” يا محمداه”، فأثار حميتهم، وضغطوا على مسيلمة وجنوده. فاضطر مسيلمة إلى التحصن بحديقة ذات أسوار عالية، فدخل إليها هو وجنوده، حتى يتخلص من ضغط المسلمين.
حاصر المسلمون الحديقة وألقوا بالبراء بن مالك رضي الله عنه داخلها، فاستطاع فتح أبوابها ونجحوا في اقتحامها، وجرى داخلها قتال شديد. ونجح وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب، في الوصول إلى مسيلمة، فرماه بحربته، ثم وصل أبو دجانة وأجهز عليه بسيفه. بعد مقتل مسيلمة انهار بني حنيفة، واشتدت قوة المسلمين وفتكوا بأعدائهم، فلم يجدوا سوى الاستسلام وطلب الصلح.
وقد قُتِل في هذه المعركة 21 ألفًا من بني حنيفة، حتى أطلق على الحديقة التي جرى بداخلها القتال، حديقة الموت.
شهداء معركة اليمامة
استشهد 1200 من المسلمين في المعركة، كان منهم حوالي 500 من حفظة القرآن الكريم. ومن أعلام شهداء معركة اليمامة الطفيل بن عمرو الدوسي، وزيد بن الخطاب، وأبو دجانة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعباد بن بشر، ويزيد بن ثابت، والحكم بن سعيد بن العاص، والسائب بن العوام، وغيرهم.
نتائج معركة اليمامة
مقتل مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، وادعى أن رسول الله أشركه في الأمر. وبموته انكسرت شوكة المرتدين وأتباعه من بني حنيفة.
اقتحم المسلمون حصون بني حنيفة وغنموا ما فيها من سلاح وذهب وفضة. ثم قسمه خالد بن الوليد بين الجند، وأرسل الخمس إلى أبي بكر الصديق.
ذهب وفد من بني حنيفة إلى خليفة رسول الله في المدينة المنورة، محملين بخمس الغنائم، وأعلنوا توبتهم وعودتهم إلى الإسلام.
سيطر أبو بكر الصديق وفرض قوته كأول خليفة للمسلمين. وبرز نجم بعض القائد العسكري خالد بن الوليد سيف الله المسلول، الي سيلعب دورًا كبيرًا في فتوحات الشام والعراق.
جمع القرآن الكريم، بسبب استشهاد عدد كبير من حفظة القرآن الكريم في المعركة. حيث خشى عمر بن الخطاب من ذهاب القرآن باستشهاد حفظته، فاقترح على أبي بكر جمع القرآن. لم يوافق الخليفة في بداية الأمر، لأنه أمر لم يفعله رسول الله، لكن عمر ظل خلفه حتى أقنعه بالفكرة. فأرسل أبو بكر إلى الصحابي الجليل زيد بن ثابت كاتب الوحي في عهد رسول الله، وكلفه بالمهمة. وقال له “إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبَّع القرآنَ فاجْمَعْهُ”. اعترض سيدنا زيد، وقال “كيف تفعلون شيء لم يفعله رسول الله”، لكن أبو بكر ظل وراءه حتى اقنعه. يقول زيد رضي الله عنه “والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن”. وقال أيضًا “فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال”.
خلفية عن حروب الردة
لم تكن معركة اليمامة هي المعركة الوحيدة، بل كانت هناك الكثير من الحروب ضد عدد من القبائل. وبعد وصول جيش أسامة بن زيد من الشام عقد أبو بكر الصديق 11 لواء وجعل على كل لواء أمير، ووجههم إلى القبائل، كالتالي:
خالد بن الوليد، وانطلق بجيشه إلى بني أسد، ثم إلى تميم، ثم إلى اليمامة.
عكرمة بن أبي جهل، وانطلق إلى مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ثم إلى سلطنة عمان والمهرة، ثم حضرموت، ثم اليمن.
شرحبيل بن حسنة وانطلق بجيشه إلى اليمامة في أعقاب عكرمة، ثم حضرموت.
طريفة بن حاجر، انطلق بجيشه إلى بني سليم وهوازن.
جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
لواء العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
لواء حذيفة بن محصن الغلفائي إلى سلطنة عمان.
جيش عرفجة بن هرثمة إلى المهرة.
جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، ثم صنعاء ثم حضرموت.
لواء سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
المصادر:
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن الاثير: أسد الغابة.
العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *