لا توجد الكثير من المعلومات في المصادر العربية عن معركة بلاط الشهداء أو معركة بواتييه. ومعظم الروايات والأحداث والتفاصيل التي سنذكرها تعتمد على المؤرخين الأوربيون. ففي الوقت الذي تعاني فيه المصادر العربية من ندرة المعلومات، جاءت المصادر الغربية زاخرة. والحقيقة لا نعلم سبب إغفال المؤرخين العرب عن تدوين وتأريخ هذه المعركة، مثلما أرخوا معارك أخرى هزم فيها المسلمين مثل غزوة أحد، ومعركة الجسر، ومعركة العقاب. ومثلما تعاني الكتب العربية من الندرة، تتميز الكتب الغربية بالمبالغة في وصف هزيمة المسلمين، وإعطاء المعركة الكثير من الأهمية باعتبارها السبب في وقف الفتوحات الإسلامية في الغرب، والحفاظ على المسيحية كديانة للقارة الأوروبية.
من هو قائد معركة بلاط الشهداء
كان عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس هو قائد معركة بلاط الشهداء. وسميت المعركة بهذا الاسم تخليدًا لشهداء المسلمين. بينما تسمى في المصادر الغربية باسم معركة بواتييه أو معركة تور، بسبب وقوع أحداثها بين المدينتين الفرنسيتين تور وبواتييه.
وكان قائد الفرنجة في المعركة هو القائد الفرنجي شارل مارتل، وهو الحاكم الفعلي للإمبراطورية الفرنجية منذ عام 718م، وحتى 741م.
التجهيز للمعركة
جهز عبد الرحمن الغافقي جيشًا كبيرًا، وصل إلى 50 ألفًا من المحاربين العرب والبربر. وهذا العدد كبير مقارنة بأعداد الجيش الإسلامي في معارك بلاد الأندلس. وقرر استكمال الفتوحات الإسلامية التي توقفت بعد موسى بن نصير وطارق بن زياد. وهناك اختلافات بين المؤرخين على عدد جيش المسلمين، وجيش الفرنجة أيضًا، لكن الراجح أن جيش المسلمين كان أكبر.
اتجه الغافقي بالجيش ناحية فرنسا، ووصل بالمسلمين إلى مناطق لم يدخلوها من قبل. وسار بالجيش حتى وصل غرب فرنسا، وبدأ يفتح مدينة وراء الأخرى، ففتح آرل، ثم بودرو، ثم تور. وأخيرًا وصل إلى بواتييه وكان بينها وبين قرطبة 1000 كيلو متر. وهذا يعني أنه توغل كثيرًا باتجاه الشمال وابتعد عن الأندلس.
عسكر الغافقي بالجيش في الشمال الشرقي لمدينة بواتييه، في منطقة تعرف بالبلاط، وبدأ في تنظيم صفوفه. دفعت انتصارات المسلمين إلى تحرك شارل مارتل، فجهز جيشًا كبيرًا من مرتزقة ومحاربين، وفرنجة وهمج، وأمراء وعبيد. وقيل أن جيشه كان يتكون من 30 ألف مقاتل، وهناك من يقول أقل أو أكثر.
أحداث معركة بلاط الشهداء
لم يتفق المؤرخون على وقت وقوع المعركة أو مدتها. لكن الشائع أن معركة بلاط الشهداء كانت في شهر رمضان سنة 114 من الهجرة. وقد استمرت 9 أيام بدون أي نتيجة. ولا توجد الكثير من التفاصيل أو المعلومات حول وقائع المعركة وأحداثها. وفي اليوم العاشر كاد ينتصر المسلمون بعدما هجموا على جيش شارل مارتل. لكن شارل أرسل فرقة من فرسانه لمهاجمة المسلمين من الخلف، وهنا ارتبكت صفوفهم. ورغم محاولة عبد الرحمن الغافقي من الثبات، لكن خرجت الأمور عن السيطرة، وظل يقاتل حتى قُتِل.
وعندما دخل الليل اتفق قادة الجيش على الانسحاب بعد استشهاد قائدهم. وفي اليوم التالي انتظر الفرنجة تجدد القتال، ولم يعرفوا بأمر الانسحاب وظنوا أنه كمين.
وحسب المصادر الغربية، كان المسلمون يحملون الكثير من الغنائم التي حصلوا عليها من فتوحات المدن قبل المعركة. وفي اليوم الأخير من القتال، قرر شارل مهاجمة الغنائم وكانت خلف معسكر المسلمين. فلما رأى الجنود المسلمين تعرض الغنائم للنهب، انسحبوا للخلف لحمايتها وتسببوا في الهزيمة.
وقد أشار بن عذارى لمعركة بلاط الشهداء قائلًا: “ثم ولي الأندلس عبد الرحمن هذا ثانية، فأقام واليًا سنتين وسبعة أشهر وقيل وثمانية أشهر، واستشهد في أرض العدو في رمضان سنة 114 هـ”.
وقال ابن عبد الحكم: “ولي عبد الرحمن على الأندلس، وكان رجلاً صالحًا، فغزا إفرنجة، وهم أقاصي عدو الأندلس، فغنم غنائم كثيرة، وظفر بهم، … ثم خرج إليهم غازيًا، فاستشهد وعامة أصحابه، وكان قتله فيما حدثنا يحيى بن الليث في سنة خمس عشرة ومائة”.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
الحجي: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة.
ابن الحكم: فتوح مصر والمغرب.
ابن عذارى: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب – الجزء الأول والثاني.
عُمان، تشارلز دبليو. (1960). فن الحرب في العصور الوسطى (378-1515م). مطبعة جامعة كورنيل.
باتشراش، برنارد س. (٢٠٠١). الحرب الكارولنجية المبكرة: مقدمة للإمبراطورية. مطبعة جامعة بنسلفانيا.
فوراكر، بول (٢٠٠٠). عصر تشارلز مارتيل. بيرسون للتعليم.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق