كانت معركة ذات السلاسل، إحدى معارك فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وتعد البداية الحقيقية للاصطدام مع الفرس، والقضاء على قوتهم في المنطقة، التي ستتلاشى مع الوقت، وسيدخل المسلمون عقر دارهم في فارس. فبعد انتهاء حروب الردة، التي أشعلت الجزيرة العربية، تفرغ خليفة رسول الله، للفتوحات وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية.

 

متى حدثت معركة ذات السلاسل؟

حدثت معركة ذات السلاسل سنة 12 من الهجرة، بين المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وبين الفرس بقيادة هرمز. ووقعت المعركة في أرض كاظمة، الواقعة حاليًا شمال الكويت، لذلك تعرف أيضًا بمعركة كاظمة.

وسميت معركة ذات السلاسل بهذا الاسم، لأن الفرس كانوا يعتمدون على تقييد الجنود بالسلاسل، حتى لا يفرون من أرض المعركة. لكن تسبب ذلك في هزيمتهم، وسقوط عدد كبير من جنودهم في المرة الواحدة.

 

ما هي أسباب معركة ذات السلاسل؟

كان المثنى بن حارثة الشيباني، أول من بدأ القتال ضد الفرس. وهو من كبار قادة العرب في العراق، وسيد قومه في الجاهلية والإسلام. وكان ممن أسلموا ووفدوا على رسول الله سنة 9 من الهجرة. في بداية خلافة أبي بكر الصديق، قام المثنى بشن هجمات على قوات الفرس في العراق.

لما وصلت أخباره للخليفة، أكرمه وشجعه وأمره على قومه، ثم قام بحملات عسكرية على سواد العراق من أجل تحريرها من يد الفرس. ولما رأى أبو بكر نجاح المثنى، أرسل إليه خالد بن الوليد بعد انتهاءه من قتال المرتدين في اليمامة بعشرة آلاف مقاتل. ثم كتب إلى المثنى أن يدخل تحت إمرة خالد، وينضم إليه بمن معه، فصار جيش المسلمين 18 ألف.

 

أحداث معركة ذات السلاسل

توجه خالد إلى العراق في محرم وقيل رجب سنة 12 من الهجرة. وبينما هو في طريقه، أرسل إلى هرمز حاكم العراق، وخيره بين الإسلام أو القتال، فاختار هرمز القتال، وطلب المدد من كسرى. حصل هرمز على إمدادات كبيرة، وتوجه بجيشه إلى كاظمة، حيث يتواجد جيش المسلمين. فقام خالد بسحب جيشه إلى الحضير، فلاحقه هرمز إلى هناك، ثم عاد خالد إلى كاظمة، فلحقه هرمز وسبقه إلى الماء. وكان خالد رضي الله عنه، يعلم مدى ثقل الجيش الفارسي، فأراد انهاكه قبل المعركة.

لما رأى المسلمون استحواذ الفرس على الماء، زادت حماستهم للقتال من أجل الحصول عليه. وخطب فيهم خالد بن الوليد قائلًا “ألا انزلوا وحطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين”.

زحف المسلمون إلى الفرس، فأنزل الله المطر عليهم فشربوا ونهلوا منه. ثم دعا هرمز سيدنا خالد للمبارزة وكان ينوي الغدر به، حيث أمر عددًا من فرسانه باستغلال الفرصة وقتله. لكن القعقاع بن عمرو لحق به مع جماعة من الفرسان، ثم انقض المسلمون على الفرس، وهزموهم.

 

ما هي نتائج معركة ذات السلاسل؟

انهزم الفرس رغم أنهم قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفرون من أرض المعركة، لذلك عرفت بمعركة ذات السلاسل.

غنم المسلمون 1000 بعير، ثم أرسل خالد السرايا إلى البلدان المجاورة للحيرة، فغنموا أموالًا كثيرة.

لم يتعرض خالد للفلاحين الذين لم يقاتلوه وأحسن معاملتهم كما أوصاه أبو بكر الصديق.

دخل المسلمون في معارك جديدة واستمروا في فتح مدن العراق، واشتبكوا في عدة معارك، كالتالي:

معركة الولجة

بعد هزيمة هرمز أمده كسرى بجيش بقيادة “قارن”، لكنه لم ينتظر وصول المدد إليه، واستخف بالمسلمين فتعرض لهزيمة ثانية. هرب فلول جيشه والتقوا بقارن في منطقة المذار. فخرج إليهم خالد بن الوليد، ودعاه قائدهم “قارن” إلى المبارزة، لكن سبقه معقل ابن الأعمش بن النباش وقتله. ثم قتل المسلمون باقي قادة الفرس، فانهزموا وقُتِل منهم 30 ألفًا، فهرب من تبقى منهم إلى السفن، ثم أقام سيدنا خالد بالمذار.

ولما علم كسرى بهزيمة جيشه، أرسل جيشان آخران إلى الولجة، أرادا حشر المسلمين بينهما. لكن سيف الله المسلول قسم جيشه أيضًا فذهب إليهم في المقدمة، ثم جعل فرقة تهاجمهم من المؤخرة وفرقة من الجانبين، وأوقعهم في الكمين. انهزم الفرس هزيمة ساحقة وهرب من تبقى منهم، لكنهم ماتوا من شدة العطش في الصحراء.

فتح أليس وأمغيشيا والحيرة

بعد هزائم الفرس المتلاحقة انضم إليهم بعض النصارى العرب وتجمعوا لقتال المسلمين، لكن الله أيد جنوده، واستطاع سيف الله المسلول تحقيق النصر في أليس. ثم سار حتى وصل أمغيشيا، فتفرق أهلها وغنم منها غنائم كثيرة، فأرسل خمسها إلى خليفة المسلمين أبي بكر الصديق ففرح بالنصر وقال “عجزت النساء أن ينسلن مثل خالد”.

أصبح الدور على الحيرة، لكن قائدها سد الفرات وعطل مرور السفن، فحزن المسلمون. لكن خالد نجح في في الاختراق والوصول إلى ابن مرزبان الحيرة وقتله، وعبر نهر الفرات، فتحصن أهل الحيرة بها. ثم حاصر القصر الأبيض، ثم قصر العدسيين، وحاصر المثنى بن حارثة قصر ابن بقيلة.

أمر خالد أمرائه بدعوة أهل الحير إلى الإسلام، لكنهم اختاروا القتال، فهجم عليهم المسلمون. ثم خرج أصحاب القصور يطلبون الصلح ويعرضون الهدايا على سيف الله المسلول، فقبلها خالد كجزء من الجزية وأرسلها إلى المدينة المنورة.

فتح الأنبار وعين التمر

ترك خالد بن الوليد على الحيرة القعقاع بن عمر التميمي، وذهب إلى الأنبار لإعانة القائد عياض بن غنم. كان أهل الأنبار قد صنعوا الخنادق وتحصنوا، فحصارهم المسلمون، وأمرهم خالد بتصويب السهام على عيونهم، فأصابوا في الرمية الأولى 1000 عين، لذلك سميت هذه الواقعة بذات العيون. لجأ خالد إلى ذبح الإبل الضعيفة ورمى بها في الخندق، واستطاع المسلمون اجتيازه. هنا اضطر شيراز قائد الفرس إلى طلب الصلح، على أن يخرج مع بعض جنوده سالمين، فوافق خالد.

وبعد أن نجح في فتح الأنبار، توجه إلى عين التمر فوجد أن العرب قد تجمعوا خلف عقة بن أبي عقة، وتحالفوا مع الفرس بقيادة مهران. نجح سيدنا خالد في هزيمة عقة وأسره، فهرب مهران، ونزل أهل الحصن على حكم خالد، فضرب عنق عقة.

فتح دومة الجندل

بعد أن خلف عويم بن الكاهل الأسلمي على عين التمر، رحل خالد إلى دومة الجندل. وكان يحكمها زعيمين: الجودي بن ربيعة، وأكيدر بن عبد الملك، لكنهما اختلفا فيما بينهما. فخرج أكيدر تاركًا قومه، فلحق به عاصم بن عمرو وأسره، ثم أمر خالد بقتله. بعد ذلك وضع دومة الجندل بين كماشة، يترأس هو طرف منها، والطرف الآخر بقيادة عياض بن غنم. نجح المسلمون في هزيمة عسكر دومة الجندل، فتحصن الناس داخل الحصن وأغلقوا أبوابه، لكن نجح خالد في كسره واجتيازه، وقتل عدد كبير منهم.

بعدما بقى خالد وحيدًا في دومة الجندل، شعر قائد بغداد أنها فرصة مناسبة للانقضاض عليه واسترجاع الأنبار. لكن استطاع المسلمون أيضًا السيطرة على الوضع وقتلهم.

معركة الفراض

بعد أن بسط خالد سيطرته على العراق، قصد منطقة الفراض الواقعة على حدود الشام والعراق والجزيرة العربية، حتى يحمي ظهره. غضب الروم فتحالفوا مع الفرس وبعض القبائل العربية من تغلب وإياد والنمر، وتجمعوا ضد المسلمين، في ذي القعدة سنة 12 من الهجرة.

وعندما وصلوا إلى الفرات قالوا للمسلمين “إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم”. فقال خالد “بل اعبروا إلينا”، قالوا “فتنحوا حتى نعبر”، فقال خالد “لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا”. فعبر الفرس واقتتلا الفريقان قتالًا شديدًا، حتى انتصر المسلمون وقتلوا عشرات الآلاف من الفرس. وكانت معركة الفراض آخر معركة لخالد بن الوليد في العراق، حيث انكسرت شوكة الفرس ولم تقم لهم قائمة.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

الطبري: تاريخ الملوك والأمراء.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

موقع قصة الإسلام: فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات