معركة كربلاء أو واقعة ألطف كانت بين الحسين بن علي رضي الله عنه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية. واستشهد الحسين في المعركة، وقُطِعت رأسه، يوم 10 محرم سنة 61 من الهجرة. وكان لمعركة كربلاء نتائج وآثار سياسية وعقائدية ونفسية، ولها دور محوري في طبيعة العلاقة بين أهل السنة والشيعة حتى يومنا هذا. وكانت جذور الخلاف بين السنة والشيعة بدأت منذ تولي أبو بكر الصديق الخلافة. فالشيعة يرون أنها كانت لعلي بن أبي طالب ويفسرون آيات قرآنية وأحاديث نبوية على أنها تشير إلى خلافة علي من بعد رسول الله. بينما يرى السنة أن اختيار الخليفة تركه رسول الله ليكون شورى بين المسلمين.

 

خلفية تاريخية

بعد وفاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، اختار الناس ابنه الحسن ليكون الخليفة، بينما اعتبر أهل الشام معاوية أميرًا لهم. وأصبح الوضع كأن هناك خلافتين واحدة في العراق وأخرى في الشام. ومنعًا لسفك دماء المسلمين تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 من الهجرة، وعرف هذا العام بعام الجماعة.

وكان من بنود الصلح بين معاوية والحسن، أن يعود اختيار الخليفة شورى بين المسلمين بعد وفاته، وألا يجعل الخلافة لورثته من بعده. لذلك رشح معاوية في بداية خلافته 6 أسماء لتولي الخلافة من بعده: الحسن بن علي، سعيد بن العاص، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عامر. ولم يكن ابنه يزيد من بينهم، وكان حكمه يتسم بالعدل والرحمة، فأحبه المسلمون وارتضوا حكمه.

لكن بعد وفاة الحسن بن علي وجد أن ابنه يزيد الأحق بالخلافة نظرًا لتمرسه في السياسة والحكم. وأيضًا لأن أهل الشام يفضلون بني أمية ولا يقبلون بخليفة غير أموي. وكان هدف معاوية من تولية ابنه يزيد للعهد هو عدم تفرق المسلمين من بعده واجتماعهم على رجل واحد.

اعترض الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن بكر على ولاية عهد يزيد. واجتمع أنصار الحسن في الكوفة خلف الحسين رضي الله عنه، لكنه ظل محافظًا على اتفاق الصلح بين معاوية وأخيه طوال حياة معاوية.

وعندما توفى معاوية سنة 60 هـ، بعث يزيد إلى والي المدينة الوليد بن عتبة، كي يأخذ مبايعة الحسين، وابن الزبير، وابن عمر. تقول بعض الروايات، عندما طلبهم الوليد للحضور، غادروا إلى مكة في منتصف الليل. بينما يقول البعض أن الحسين وابن الزبير ذهبا إلى الوليد ورفضا مبايعة يزيد، ثم توجهوا إلى مكة. وسكن الحسين في بيت العباس بن عبد المطلب، بينما التجأ بن الزبير إلى المسجد الحرام، وبدأ يحرض الناس على بني أمية.

 

خروج الحسين بن علي إلى الكوفة

ظل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه في مكة المكرمة. لكن أهل الكوفة اعترضوا على خلافة يزيد وأرسلوا له الكثير من الرسائل يطلبون منه الحضور ومبايعته. بعد إلحاح شيعة الكوفة، أرسل الحسين إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ليتأكد من صدقهم. وعندما تأكد له أنهم بالفعل يرغبون في مبايعته، خرج إلى الكوفة.

عندما علم بعض الصحابة والتابعين بخروجه إلى الكوفة، نصحوه بعدم الذهاب وأخبروه أن أهل العراق أهل غدر.  وكان من المعارضين لخروجه، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري.

لكن الحسين أصرَّ وذهب إلى الكوفة مع أهل بيته في يوم التروية سنة 60 هـ. ولما علم الصحابة بخروجه، ظلوا يحاولون رده لكنه رفض واستمر في طريقه. وظل مسلم بن عقيل يأخذ مبايعة أهل الكوفة للحسين، رغم محاولة النعمان بن بشير والي المدينة منعه. لكن النعمان كان مسالمًا لينًا لا يحب سفك الدماء، فخلعه يزيد بن معاوية وعين مكانه عبيد الله بن زياد المسؤول عن مقتل الحسين.

تمكن عبيد الله بن زياد من الإمساك بمسلم وقتله، بعدما تخلى عنه أهل الكوفة وتركوه وحيدًا. وقبل مقتله لمح عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال له “إن الحسين قادم إلى الكوفة ومعه تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة، فاكتب إليه بما أصابني” ثم قال كلمته الشهيرة “ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي”. وقتل مسلم يوم 9 من ذي الحجة سنة 60 من الهجرة.

 

وصول الحسين بن علي إلى الكوفة

عندما كان الحسين رضي الله عنه على مشارف الكوفة، وصله خبر مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل. فخطب في أتباعه “إنه قد أتانا خبر فظيع، قُتِلَ مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر. وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام”. انصرف عنه معظم أتباعه، ولم يبقى معه إلا القليل، فنصحه البعض أن يعود، لكن بنو عقيل امتنعوا وأصروا أن يثأروا لمسلم.

واصل الحسين طريقه، وكان والي الكوفة على علم بذلك فأرسل له قائد الشرطة خارج المدينة. وذهب إلى الحسين الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس، وكان قائد الشرطة نصحه أن يستدرج الحسين إلى داخل الكوفة.

ظل الحسين والحر بن يزيد سائرين حتى وصلوا إلى كربلاء، ووجد 4 آلاف مقاتل في انتظاره. ثم تسلل بعض أهل الكوفة لنصرة الحسين، وكان معه 32 فارسًا، و 40 رجلًا.

 

مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه

وفي صباح الجمعة 10 محرم سنة 61 هـ، بدأ القتال بين الطرفين. قاتل الحسين ومن معه بكل شجاعة وصبر، لكنهم قُتِلوا في النهاية، وقُتِل من أهل بيته الكثير وعلى رأسهم ابنه علي الأكبر، وأبناء أخيه الحسن عبد الله، القاسم، أبو بكر.

في البداية لم يجرؤ أحد على قتل الحسين، ثم تكاثروا عليه، ضربه بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس وقطع رأسه. وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، وأن الذي قتله زيد بن رقادة الحيني، وعمرو بن بطار التعلبي.

ويوجد اختلاف كبير وأراء كثيرة حول المكان الذي دفن فيه رأس الحسين سيد شباب أهل الجنة. فيقال أنه موجود في دمشق وكربلاء والقاهرة، وقال آخرون أنه في المدينة المنورة وعسقلان والرقة. ورجح البعض أن قبر الحسين لا يعرف له أحد أي أثر.

 

موقف يزيد بن معاوية من مقتل الحسين

عندما علم يزيد بن أبي سفيان بما حدث في معركة كربلاء وباستشهاد الحسين بكى. وقال “قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين”. وطلب من والي الكوفة أن يرسل له أهل بيت الحسين. ولما دخلت عليه فاطمة بنت الحسين قالت “يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟”، فقال ” بل حرائر كرام”.

ثم أرسلهم إلى المدينة المنورة بصحبة النعمان بن بشير. وقال له كما ذكر ابن كثير الدمشقي “وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة. وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله حين كانوا عندهم ثلاثة أيام”.

 

 

 

المصادر:

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الرازي: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب.

البلاذري: فتوح البلدان.

الحموي: معجم البلدان.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات