كانت معركة وادي لكة  أو معركة شذونة بين جيش الدولة الأموية بقيادة طارق بن زياد وجيش القوط بقيادة الملك لذريق. وكانت هذه المعركة نتيجة توغل الجيش الإسلامي داخل الجزيرة الخضراء وسيطرته على المناطق الجنوبية من أيبيريا. وبعد أن بسط المسلمون سيطرتهم، انتبه القوط إلى الخطر القادم وجهزوا جيشًا كبيرًا جاء من الشمال بقيادة لذريق. حقق المسلمون النصر فيها وبدأوا يتوغلون أكثر في اتجاه الغرب والشمال وفتحوا أهم المدن الإسبانية.

 

سبب معركة وادي لكة

بعد أن نجح موسى بن نصير في فرض سيطرته على بلاد المغرب، أخذ يفكر في وجهة غزو جديدة. وخلال ذلك وصلته رسالة من طارق بن زياد والي طنجة، يخبره بغزو الأندلس، وأن يوليان حاكم سبته سيقدم المساعدة للمسلمين، وسيوفر لهم السفن التي يعبرون بها.

أرسل موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك في دمشق يستشيره في الأمر. فطلب منه الوليد أن يرسل السرايا قبل الجيوش ويستطلع الأمر، حتى لا يعرض الجنود لأهوال البحر. نفذ موسى النصيحة وأرسل حملة استطلاعية من 100 فارس و400 رجل بقيادة طريف بن مالك. خرجت الحملة على 4 مراكب، وحققت نصرًا مبشرًا ورجعت بالغنائم.

وجد طريف بن مالك أن حكام شبه الجزيرة الإيبيرية ليس لديهم نية للمقاومة. كما أن القوط كانوا في حروب داخلية وصراع على الحكم بين أتباع الملك الحالي لذريق، والملك السابق غيطشة. كان لذريق قد ثار على الملك غيطشة وانتزع منه العرش، ثم حكم الناس بالظلم والاستبداد والقهر. وكان سكان المنطقة تحت حكمه يعانون من كثرة الضرائب ومن الاضطهاد، لذلك لم يجد المسلمون أي مقاومة من الأهالي وغالبية الحكام.

وفي رجب سنة 92 من الهجرة، جهز موسى بن نصير جيشًا من 7 آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد ووصل بهم إلى سبته. ثم عبر الجيش المضيق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، وعرف المضيق لاحقًا بمضيق جبل طارق.

خاض طارق عدة معارك، ونجح في فتح الجزيرة الخضراء. ثم استغاث أحد حكام المقاطعات الجنوبية بالإمبراطور  لذريق، وقال له “أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة.. النجدة، والعودة على عجل”.

 

معركة وادي لكة

لما علم طارق بن زياد بقدوم لذريق أرسل إلى موسى بن نصير يطلب المدد، فأمده بـ5 آلاف بقيادة طريف بن مالك. وبحسب المصادر العربية كان عدد المسلمين 12 ألف فقط، بينما كان جيش لذريق 100 ألف جندي، وقيل أقل أو أكثر من ذلك. لكن المصادر الغربية تقول أن الأعداد كانت قليلة، فبعض المصادر تقول أن عدد المسلمين كان ألفين جندي فقط، وأن عدد جيش القوط كان 33 ألف.

التقى الجيشان في 28 رمضان سنة 92 من الهجرة، في موقع يقال له البحيرة أو وادي بكة أو وادي لكة أو وادي برباط. استمرت المعركة بشكل عنيف لمدة 8 أيام، وانتهت بهزيمة الملك لذريق بسبب تعرضه للخيانة من أتباع الملك غيشطة.

قيل أن أتباع الملك السابق انضموا إلى جيش لذريق ثم تخلوا عنه خلال المعركة. وذكر المؤرخون الغربيون أن أبناء الملك غيطشة هم سبب الهزيمة بسبب تأمرهم على لذريق وانتقامهم منه. وبسبب خيانة القوط الغربيين لبعضهم البعض حقق المسلمون انتصارًا عظيمًا.

كما ذكر بعض المؤرخين الغربيين المعاصرين، أن اليهود ساهموا في انتصار المسلمين في معركة وادي لكة. حيث كانوا يتعرضون للاضطهاد ويعاملون معاملة سيئة، فوجدوا أن المسلمين فرصتهم الوحيدة للنجاة.

خسر القوط عددًا كبيرًا من الجنود خلال المعركة وتعرضوا لهزيمة كبيرة. بينما خسر المسلمون 3 آلاف جندي. وبالنسبة للملك لذريق فقد اختفى اسمه تمامًا من التاريخ بعد هذه المعركة. وهناك من يقول أنه غرق في البحيرة عندما حاول الهروب خلال المعركة.

 

نتائج المعركة

سطر المسلمون بإيمانهم الصادق وصبرهم رغم قلة عددهم ملحمة تاريخية في بلاد الأندلس، بقيادة البطل العظيم طارق بن زياد.  وصدق الله العظيم إذ قال (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين).

توغل طارق بن زياد بالجيش في اتجاه الغرب والشمال، ثم لحق به موسى بن نصير بجيش آخر من القيروان. وظل هذان البطلان يفتتحان مدن الأندلس مدينة وراء الأخرى حتى وصلوا إلى إقليمي جليقية. ثم جاءهم أمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك من دمشق بالتوقف والعودة.

بانتصار المسلمين انتهى فصل تاريخي، وبدأ عصر جديد لشبه الجزيرة الأيبيرية التي عرفت ببلاد الأندلس تحت حكم الدولة الأموية.

حكم المسلمون سكان المنطقة بالعدل والرحمة وخلصوهم من الاضطهاد والذل، فكانوا فاتحين وليسوا غزاة.

نجح المسلمون في حفر أثارهم العظيمة في ذاكرة التاريخ ليومنا هذا. ولا تزال الأثار الإسلامية في إسبانيا شاهدة على فخامة العصر الذي حكم فيه المسلمون. حيث قاموا على مدى 8 قرون بنهضة حضارية واقتصادية وعمرانية جعلت من بلاد الأندلس جنة الله على الأرض.

تحت حكم المسلمين أصبحت الأندلس قبلة للعلم والعلماء والتجار ومنارة تضيء العالم في كافة المجالات.

 

 

اقرأ أيضًا: متى كانت غزوة أحد

 

 

المصادر:

ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب.

ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر.

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

 

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات